أسوة حسنة

من سيدة الصبر زينب عليها السلام نتعلم

   لو نطقَ الصبر كلمةً لقال، زينب بنت علي، عليها السلام، منهج الصبر المتمثل بالسيدة زينب منهج انساني واضح متكامل يعلّم البشرية انهم يستطيعون العيش وتحمل الاذى مع الحفاظ على مبادئهم واحتضان دينهم مهما كلف الامر هذه اخت الحسين وربيبة بيت النبوة العقيلة الهاشمية التي صبرت وتحملت لا  لكونها امرأة قوية وخشنة في الطبع والبدن، انما القوة مستمدة من قوة الدين والعقيدة  والتعلق بالله تبارك تعالى،  قوة الايمان بالرسالة الالهية القرآنية: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ  إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} فالباطل وان علا واستفحل الا انه لا يدوم أبدا، الحق هو الباقي والفوز له وان خرج عن حدود الدنيا.


لماذا في فوادح ايامنا ومصائبنا نحتاج لزينب عليها السلام؟

 كلما ذهبنا لاحدهم لمواساته في مصيبة الفراق الابدية وفقدان احد الاعزة  نقول له: “ألهمك الله من صبر السيدة زينب”.

هل لا يمكن لأحدنا تحمل كمية الصبر الثقيلة التي تحملتها مولاتنا زينب ( جبل الصبر )؟

 أيعني ان لها قوة اضافية من الله ؟ بالطبع لا؛  فهي بشرٌ مثلُنا وحتى أنها معصومة بالعصمة الصغرى ويوجد من ابناء وبنات المعصومين من لم يذكرهم التاريخ، ثم ان كل ما جرى عليها قد تسبب بالأسباب الطبيعية، اذ ان السيدة الجليلة قد اختارت باختيارها المحض ان تسير مع اخاها وهي لم تكن  تحرز الانتصار الدنيوي او تبحث عنه، لأنها علمت من اخيها ذلك، وهي  مُذ خروجها قررت نصر اخيها وامام زمانها، قررت ان تكون معه ايً كانت نتيجة المعركة الاصلاحية هذه.

أعطت سلام الله عليها  درساً لجميعنا أننا عندما نكن على حق فالجزع لا يليق بنا كمؤمنين

 فهي تدرك أن رسالتهم الاصلاحية (بعيدة المدى) باعتبار المرض العقائدي المستشري بات متمكناً من غالبية المجتمع انصار الباطل اذ ان الواقع آنذاك محتاجاً لإصلاحٍ عظيم ثمنه دم الحسين واولاده وانصاره.

كيف يمكننا ان ننتفع من صبرها (سلام الله عليها)؟

 بعضٌ من فيضها:

  • أعطت سلام الله عليها  درساً لجميعنا أننا عندما نكن على حق فالجزع لا يليق بنا كمؤمنين، وبما ان الموت حق والحياة دار ممر، إذ من المؤمل منا كمؤمنين استحضار الموت والفراق بعقولنا دوماً وان لا تذهب مخيلتنا اننا سنبقى بالحياة متلقين بها وبمن عليها.
  • أن الذي مرت به مولاتنا زينب، عليها السلام، لو تخيلناه معاً، تلك الواقعة المؤلمة تخيل ممكن  نطبقه على انفسنا على سبيل التقريب، كما لو كنا مكانها، نخرج لطلب الحق والاصلاح ورضا الله واذا نجابه بالقمع والتقتيل والتنكيل والتسليب، ونشاهد اخوتنا تجرهم الاعداء بالذبح والتقطيع واحداً تلو الآخر ولم يسلم حتى الرضيع فينا المشهد مرعب، لا يمكننا الاستمرار بمثل هذا التخييل، لأننا إذاما فقد أحد من اعزتنا بموت عادي او بحادث، ثم شُيع بعزٍ وكرامة ودفن بشكل طبيعي، يوصل أحدنا الى الإنهيار الصحي والديني لدرجة التجرؤ بالجزع او الاعتراض على  حكم الله  نستغفره ونتوب اليه.
  • استراتيجية المجابهة والوقوف بصمود وثبات على العقيدة والمبدأ بوجه الاعداء لدرجة سلبتهم فرحة الانتصار وبثت الرعب في قلوبهم، وهنا اعداءنا عند المصائب واضحون (انه الشيطان العدو اللدود والمبين كما وصفته الشريعة الغراء)، فهو اللعين الذي  ينتهز الفرصة للدخول لابن آدم باي طريقة وخصوصاً عنما يكون في ضعف ديني وصحي، فيكون هدفه تغير المسار وحرف الخط ثم اخراجه من طريق الرحمن وطاعة الله، الى طاعة الشيطان، يقول ـ تعالى -: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم}.

قال الراغب في المفردات: النزغ دخول في أمر لأجل إفساده، قال: من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي. وقيل: هو الازعاج والاغراء وأكثر ما يكون حال الغضب، وقيل هو من الشيطان أدنى الوسوسة، والمعاني متقاربة، وأقربها من الآية هو الأوسط لمناسبته الآية السابقة الآمرة بالأعراض عن الجاهلين فإن مماستهم الانسان بالجهالة نوع مداخلة من الشيطان لأثارة الغضب، وسوقه إلى جهالة مثله. (الميزان،ج8،ص380).

وُجدت زينب لنا اسوة حسنة تنير دروبنا، فاقتفاء الاثر بالعفة والستر والاحتجاب عن المحارم تارة، والتحلي والتدرج بمستويات الصبر ضد مغريات الدنيا ومزالق الشيطان تارة اخرى

فموجة الغضب العارمة التي تصيب الانسان تحتاج الى الصمود واستذكار ان الغضب اعظم جنود ابليس كما جاء في احاديث النبي، صلى الله عليه واله.

  • مولاتنا الجليلة الصامدة بوجه الشيطان الاكبر المتجسد بشخص يزيد وعبيد الله بن زياد، اذ انه من أبرز النصوص التي بقيت خالدة، هي المحاورة التي جرت بين ابن زياد وبين سليلة بيت النبوة وعقيلة بني هاشم السيدة العظيمة زينب بنت علي بن أبي طالب عليهما السلام.

والتي لا يمكن أن يمرّ منصف على اسمها دون ذكر فضائل وصفات هذه السيدة الجليلة، وأهمّ ما دار فيها من حوار يحتاج كلّه إلى التأمل والتدقيق، والفحص والتحليل، ولكن يكفيني أن أقف على جملة واحدة منه وردت على لسان السيدة زينب عليها السلام، شرعت بوجههم سيف الصبر والثبات، اذ كانوا يتوقون لرؤيتها ذليلة وحزينة وجازعة بل كانوا يتأملون استسلامها وانقيادها لحكمهم.

 إلا أنها اطاحت بهم بتلك الاجابة التي جاءت عن سؤال اللعين لها في قصره: “قَالَ ابْنُ زِيَادٍ: كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ الله بِأَخِيكِ وَأَهْلِ بَيْتِكِ؟ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلاً” وهنا جاءت الصاعقة الزينبية التي قلبت السحر على الساحر ووضعت السجان في سجنه، ساحبتاً البساط من تحت قدميه، فمن معينها العذب ومن حجم ايمانها وثقل عقيدتها، نسأل الله ان يمنحنا ويلهمنا انه سميع الدعاء،  يليق بكل مسلم مؤمن انقياده لسيدة الطهر زينب بل تدريب نفسه وسقل سلوكه على التّحمل والمجابهة  والحفاظ على المبدأ  والعقيدة الصالحة  والفكر السليم وان تكالبت الدنيا بتياراتها.

نعيش اليوم ابتلاءات كثيرة، ومنها التشويه والانحراف الذي  يسوقه لنا الاعلام المُضلِل الذي كثُر للأسف  الشديد، فأين نحن من ابنة سيدة نساء العالمين؟

 تأتي احداهن ببؤس لتقول كيف تريدوننا ان نتمثل بها وهي العظيمة بنت من واخت من؟

نعم؛ هذا صحيح فالظروف التربوية والدينية التي عاشتها مولاتنا كانت منقطعة النظير، لكنها سلام الله عليها وُجدت لنا اسوة حسنة تنير دروبنا، فاقتفاء الاثر بالعفة والستر والاحتجاب عن المحارم تارة، والتحلي والتدرج بمستويات الصبر ضد مغريات الدنيا ومزالق الشيطان تارة اخرى، ليست بمحال أو صعب التحقق خصوصا بعد وضع الهدف وتحديد المسار الذي يوصلنا لرضا الله وحبيبه وآل بيته الاطهار صلوات الله وسلامه عليهم.

عن المؤلف

كوثر عمران

اترك تعليقا