إضاءات تدبریة

الولاء.. لمن؟

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}.

كرامة الأمة وشخصيّتها تتجلّى في استقلالها، وما يقابل الاستقلال هو التبعية للآخرين، وتعني التبعيّة أن تكون عبداً لغيرك وقد خلقك الله حرا، وهذا ما لا يريده الله لنا.

وقضية الاستقلال وعدمه ترتبط بشكل وثيق بالولاء، وواضح ان الانسان لا يستطيع العيش من دون (الولاء) لأن الانسان مفطور على الارتباط بغيره، والتعاطي والتكامل معه فإذا كان الولاء لشخص او جهة او جماعة او حتى لدولة تؤمن بنفس القيم الالهية السامية كان الولاء مطلوباً ومحبّذاً: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}. أما إذا كان (الولاء) لغير اولياء الله، ولمن يكفرون بالقيم الالهية، فإنه ولاء مبغوض لأنه ينتهي الى استعباد الانسان او الأمة، والسقوط في مستنقع التخلف والجهل.

آيات الولاء

وفي القرآن الكريم نقرأ العديد من الآيات التي تحذِّر المؤمنين من اتخاذ الكافرين اولياء، أو (الولاء المنحرف) بينما تجعل الولاء للمؤمنين هو الاساس في علاقات الأمة، ومنها قول الله تعالى في الآية 144 من سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}.

إذن، فالآية صريحة في النهي عن اتخاذ الكافرين اولياء، بينما لا ترى اشكالاً في الولاء للمؤمنين: {لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}.

الولاء المباشر وغير المباشر

ولكن اتخاذ الكافرين أولياء على قسمين:

فقد يكون الولاء مباشرة، كالحكومات، والأحزاب، والأشخاص، والشخصيات التي ترتبط بالدول الكافرة وتنفذ مقاصدها وتطبق سياساتها من دون ملاحظة مصالح المؤمنين.

إنَّ ولاء الإنسان يجب أن يكون نابعاً من عقيدته وايمانه، وليس من مصالحه وأهوائه، كما لا يمكن للمؤمن أن يكون مذبذباً بين ولاءات مختلفة: دينية وغير دينية، فهذا هو النفاق بعينه

وقد يكون الولاء للكفار بشكل غير مباشر، كالولاء لأنظمة طاغوتية في بعض دول المسلمين، ولكن هؤلاء الطواغيت وأنظمتهم ما هم إلا أدوات بيد الكفار والمستكبرين. فالولاء لمثل هؤلاء هو – في واقعه – ولاء للكفار، لأن هؤلاء الطواغيت – كأكثر حكام المنطقة الإسلامية – ما هم إلا أدوات طيّعة بيد الكفار، ليست لهم إرادة مستقلة ولا يراعون مصالح الأمة، بل حتى مصالح شعوبهم.

تبرير باطل

فلا يبرِّرنَّ حزب من الأحزاب أو من يرى نفسه قائداً لمجموعة، إرتباطه بأي نظام طاغوتي غير مستقل حتى لو كان يدّعي الإسلام، إذ الولاء لمثل هذه الأنظمة هو ولاء للكافر وهو منهي عنه.

بل القرآن الكريم يأمرنا بالكفر بالطاغوت ورفض الولاء له بكل صراحة حيث يقول: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ}.

فالتحاكم الى الطاغوت، والولاء له، والارتباط به، وتبرير اعماله، كل ذلك يدخل في إطار الولاء لغير المؤمنين.

الولاء المتذبذب

وبكلمة فإنَّ ولاء الإنسان يجب أن يكون نابعاً من عقيدته وايمانه، وليس من مصالحه وأهوائه، كما لا يمكن للمؤمن أن يكون مذبذباً بين ولاءات مختلفة: دينية وغير دينية، فهذا هو النفاق بعينه.

أبعاد الولاء للكفار

والولاء للكفار يمكن تصوره على عدة أبعاد:

1- الولاء الشخصي، كالصداقة مع الكافر غير المعادي للمسلمين وغير المحارب لهم، فهذا ليس ممنوعاً شرعاً ما لم يضر بدين الانسان وأخلاقه وسلوكياته، وفي هذا المجال يقول الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.

2- الولاء السياسي، وهذا من أبرز الولاءات الباطلة والمنهي عنها، لأنه يجلب التبعية وفقدان الاستقلال والكرامة، إن لم نقل إنه يؤدي في كثير من الاحيان الى العمالة والغرق في أوحال الخيانة.

3- الولاء في السلوك الشخصي والاجتماعي، كتقليد الكفار في نوعية الملابس، والطعام، واسلوب الكلام، واختيار الأثاث، وهندسة البناء، وما شاكل من تفاصيل الامور الحياتية…، وهذا الولاء ينتج ضياع هوية المؤمن، ومن يفقد هويته وأصالته يصبح كريشة في مهب الرياح، تتجاذبه الأهواء المختلفة دون أن يعرف ماذا يصنع وأين يتّجه، فيكون ألعوبةً بيد غيره.

4- الولاء الفكري والثقافي، وذلك في مجالات مثل الفن، والأدب، والإعلام، وما شاكل، الأمر الذي يفقد المجتمع صبغته الالهية المستقلة، إذ يتلوّن كل يوم بلون مستورد من هنا وهناك مما لا ينسجم مع أصولنا العقائدية والفكرية والثقافية.

وختاماً، فان الآية التي تأتي بعد هذه الآية الكريمة ربما تكشف عن بُعد خطير للنهي عن الولاء للكافرين. تقول الآية:

{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}.

فمن هو المنافق؟ أليس من يمحض ولاءه لأعداء الله والانسانية؟

عن المؤلف

الشيخ صاحب الصادق

اترك تعليقا