قراءة فی کتاب

قراءة في كتاب (فقه الولاية)

مقدمة

منذ أيام حيث كنا في خدمة سماحة السيد المرجع الديني، المجدد سماحة السيد محمد تقي المدرسي (حفظه الله ورعاه)، في بيته العامر ومكتبه المرجعي في قم المقدسة، حيث استمعنا إلى توجيهاته ورؤاه في هذا المعترك الذي اختلط فيه الحابل بالنابل والحق بالباطل حتى أن الحليم صار حيراناً لا يدري ما يفعل، والمتشرِّع ما هو تكليفه، فاستفدنا من حضوره المبارك، ورؤاه الحضارية فعلاً.

فجاء الأخوة الكرام في المكتب إليه بكتاب جديد له، فأخذتُ نُسخة وعدتُ على البيت فرحاً بلقاء سماحة الأب الروحي لنا، خاصة بالنسبة لي فإن سماحته عوَّدني منذ الشباب أن يخصَّني ببعض الوقت لأستفيد منه حكماً وحكمة وروحاً معنوية أتزوَّد بها لحياتي ولبعدها أيضاً، لأنه المرجع الذي تربيتُ على كتبه وأفكاره وأخلاقه منذ ثلاثة عقود من الزمن لله الحمد والفضل، ولسماحته بعد آبائه الأطهار (ع) في ذلك كله.

فوضعتُ الكتاب عند رأسي في أولوية القراءة عندي لأنني اعتدتُ أن اقرأ كتب سماحته أولاً وقبل أي كتاب آخر لما فيها من علم، وفهم، وفقه، ودين، وإيمان بطريقة رائعة، وأسلوب ممتع، فأخذتُ أقرأ الكتاب ففاجأني بهذا الطرح الراقي لمسألة هي غاية في الأهمية والحضارية في هذا الزمن الأغبر والتي تتعلق بمسالة القيادة في الأمة والولاية عليها، فكيف نفهم الولاية، ونتعامل معها؟

هذا السؤال الذي طال الحديث والبحث عنه ما بين مؤيد ومعارض، ومتوقف، فما عسى أن يقول سماحة السيد في كتابه الجديد هذا؟ هذه الأسئلة راودتني وخطرت في بالي عندما رحتُ أقرأ الكتاب الجديد لسماحة السيد المرجع (دام عزه).

هوية الكتاب

من سلسلة “الفقه الإسلامي“، بعنوان: (فقه الولايةومفاتيح الاستنباط، وأحكام التقليد “بحوث علمية في الأدلة ومصادر التشريع”.

المؤلف: سماحة المرجع الديني آية الله العظمى الحاج السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله)

الناشر: مركز العصر للثقافة والنشر، الطبعة الأولى: 1442هـ 2021م.

 وكان من إعداد وإشراف ولده سماحة السيد سجاد المدرسي، لأنها كانت دروس وبحوث في المجال الافتراضي بسبب ما نعيشه في هذه الظروف الاستثنائية من جائحة (كوفيدا 19) فجزاه الله خير الجزاء، على هذا الجهد الراقي والمبارك إن شاء الله تعالى.

وصف الكتاب وهدفه

 يقول سماحة السيد المرجع عن ظروف وأسباب ودواعي تأليفه لهذا الكتاب، أو إلقائه لهذه البحوث الأولية في الفقه الإسلامي: “بعد عقود من البحوث الفقهية، وبعد توفيق الرب لنا بدراسة وتدريس أكثر أبواب الفقه، من عبادات ومعاملات وأحكام الولايات، طلب مني بعض الأفاضل العودة إلى البدء ببحث كتاب الاجتهاد والتقليد وهو الكتاب الذي وضعه مَنْ عاصرناهم من فقهائنا الكرام في مقدمة البحوث.

واستجابة لهم، ولأهمية دراسة هذا الموضوع، بسبب الوساوس التي أثارها البعض حول المرجعية، وذلك بعد تنامي دورها في حفظ البلاد، وتبصير العباد، ومواجهة مؤامرة شياطين الجن والإنس على شعوبنا المظلومة، وأيضاً لأن هناك مسائل مستحدثة بحاجة إلى مزيد من الدراسة، لكل ذلك قررنا دراسة الموضوع في حلقات بحوث الحوزة العلمية.

 وعند تناول هذا الموضوع في بحث الخارج مع أفاضل حوزة كربلاء المقدسة العلمية، واجهتنا جائحة كورونا، حيث تابعنا الدراسة مع العلماء الفاضل عبر المجال الافتراضي”.

فالمسألة التي يطرحها للبحث سماحة السيد المرجع (حفظه الله) ليست جديدة بل هي من أولى أبواب الفقه والرسائل العملية لكل الفقهاء الأجلاء، ولكن هناك ظروف جديدة، وأسئلة كثيرة أثارها المحب الموالي بحثاً عن دينه والحق ليتمسَّك به، ومن المبغض المعادي الذي فاجأته قوة المرجعية المباركة وكلمتها في الواقع العراقي خاصة والإسلامي عامة، لأنها أربكت كل مخططات الأعداء في بلبلة الساحة العربية واستباحتها من قبل أعدائها الصهاينة والمتصهينين الجدد من الأعراب الذين خرجوا من قرن الشيطان النجدي وراحوا يعيثون فساداً وإفساداً.

 ماذا في الكتاب؟

في الواقع يقع الكتاب في ثلاثة كتب وملحق، والإبداع الجديد كان في الكتاب الأول منها وهي:

أولاً: فقه الولاية، وفيه بابان، وكل باب فيه عدد من المباحث، والمباحث فيها مطالب.

ثانياً: مفاتيح الإستنباط؛ وفيه أربعة أبواب، والباب الثاني فيه أربعة فصول.

ثالثاً: أحكام التقليد، وفيه شرح وتوضيح لمسائل العروة الوثقى وتعليقاتها.

رابعاً: الملحق وفيه أحكام التقليد والإجتهاد وتعليقات سماحته عليها من كتاب العروة الوثقى.

وهكذا ينتهي الكتاب بفهرسة تفصيلية حيث يقع في (471 صفحة) من الطبع الوزيري.

أهمية البحث حالياً

كما أشرنا سماحة السيد في مقدمته المختصرة لدواعي البحث وإعادة طرحه إلا أن المسألة بحاجة لمزيد من التفكر والتأمل فيه وذلك لأنه يمثل مسألتين هامتين وضروريتين للفرد المؤمن، وللجماعة الصالحة، والأمة الإسلامية كلها، وهما:

  1. مسألة التقليد؛ الواجبة على كل مكلف لم يصل درجة الاجتهاد فما معناها وما فلسفتها؟
  2. مسألة القيادة؛ وهي أهم وأضر مسألة في هذا العصر الذي تشتت فيه الأمة طرائق قدداً فذهبت ريحها رغم عظمتها وأنها تمثل ربع سكان المعمورة إلا أنهم غثاء كغثاء السيل، لا قيمة، ولا هيبة، ولا حضارة بل صاروا هدفاً لكل قزم زنيم يرميهم بسهامه المسمومة.  

ولذا كانت هذه المعالجة من سماحة السيد المرجع المدرسي (دام عزه) ضرورة حضارية لبيان القيادة الحقيقية (مراجع الدِّين) من جهة، وتكليفنا نحن بطاعتهم لأنهم يمثلون الإمام المعصوم الذي ننتظره جميعاً، وهو ولي الأمر الذي طاعته مقرونة بطاعة الله ورسوله (ص).

الإبداع في طرح سماحة المرجع

في الحقيقة إن سماحة السيد المرجع الكبير، والأب الروحي المربي لنا، يفاجئنا في كل كتاب له، وفي كل طرح؛ بطريقته الجديدة وأسلوبه الرائع، في تناوله لأعقد المسائل بأبسط الطرق، وذلك لأنه يعتمد على قاعدتين أساسيتين لا ينفك عنها هما (الكتاب الكريم، والعترة الطاهرة)، كما في حديث الثقلين المتواتر، ثم ينطلق إلى العقل المنار بالوحي وليس العقل المجرد، فالعقل هو ذلك النور الذي يقذفه الله في قلوب أوليائه ليعقلوا عنه وعن رسوله وأوليائه بالحق.

والكتاب يحتاج إلى عدة مقالات في أكثر من باب من الأبواب المطروحة والجديدة فيه لبيان الجديد الإبداعي فيه من سماحة السيد المرجع، ولعل الله سبحانه يوفقنا أو أحد الأخوة الأفاضل في تتبع وكتابة مقالات حول أبحاث هذا الكتاب الهام والضروري جداً في هذا الوقت العصيب.

  ولكن هنا سأشير على مسألتين فقط بينهما سماحته في تمهيد الكتاب الأول وهما:

الأولى: الدعوة إلى الفقه القرآني

ما أعظمها وأكرمها وأجلَّها من دعوة من سماحته وذلك لأن الفقهاء والعلماء يدرسون فقط (500 آية) ويسمونها آيات الأحكام، وأين بقية الآيات الكريمة التي تتجاوز الستة آلاف؟ فهنا معضلة حقيقية يُواجهها العلماء والفقهاء الكرام، يُبيِّنها سماحة السيد بقوله: “إننا ندعو إلى فقه قرآني، ولا يعني ذلك أن فقهنا منفصلٌ عن القرآن، بل يعني وجود فجوة – ولا سيما في بعض الأبواب – بين المباحث الفقهية والآيات القرآنية، ولربما يتم الرجوع – للإستدلال بالمسائل الفقهية – إلى مباحث مختلفة دون التعرض لآية قرآنية، ويعود السبب في ذلك إلى أمرين:

الأول: البناء القرآني للمجتمع الإسلامي سابقاً، واليوم استبدلت هذه الحالة (القرآنية) للمجتمع.

الثاني: إن التخصص في الفقه ومسائله يؤدي إلى الغفلة عن رؤى القرآن الكريم وبصائره”.

الثانية: المرجعية سور المجتمع

 هذه الحقيقة الواقعية ظهرت وتبلورت في هذا العصر من خلال التصدي الرائع لقطعان التكفير والإرهاب في العراق والمنطقة، ولذا صارت المرجعية المباركة والمراجع العظام محط اهتمام من قبل الجميع، وعن هذه الحقيقة يقول سماحة السيد المدرسي: “نظام (المرجعية) أو (ولاية الفقيه) وجوهره: (رجوع الجاهل إلى العالم) سور المجتمع، ومن هنا وقع هذا النظام محوراً لهجمات أعداء الدِّين، منذ السقيفة وإلى اليوم، وستستمر حتى ظهور الإمام الحجة عجل الله فرجه، ولا بد من الالتفات إلى هذه الحقيقة”.

   هذا النظام المحكم هو ليس نظام سياسي كما ينظرون إليه بل هو نظام اجتماعي عام نابع من حقائق وأصول الدِّين الإسلامي الذي يجب أن يقود الحياة ويبني الحضارة الإنسانية الراقية.

فالكتاب جديد ورائع ومفيد في كل مسائله ويمكن أن يستفيد منه الجميع فكراً وفقهاً وبصائر مختلفة وليت الشباب الأعزاء أن يستفيدوا منه لأنه يُبلور لهم مسألة التقليد، والقيادة من بداية حياتهم فيستقموا فكراً وممارسة بإذن الله تعالى.

حفظ الله سماحة السيد المرجع المدرسي ذخراً وذخيرة لنا وللمسلمين جميعاً، ونفع به البلاد والعباد

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا