مكارم الأخلاق

تأملات في دعاء مكارم الأخلاق (27) الى أين تتجه افكارنا؟

يقول الإمام زين العابدين، عليه السلام: “اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِي رُوعِي مِنَ التَّمَنِّي وَالتَّظَنِّي وَالْحَسَدِ ذِكْراً لِعَظَمَتِكَ، وَتَفَكُّراً فِي قُدْرَتِكَ، وَتَدْبِيراً عَلَى عَدُوِّكَ”.

في اليوم والليلة والوحدة يمر في ذهن بني آدم حسب ـ كلام بعض العلماء ـ ألفي فكرة على أقل التقادير، وما يمر في ذهن الانسان في حال النوم، أكثر وهو في حالة اليقضة.

فنحن في تفكير دائم، فأحيانا يعمل التفكير بإرادة من الإنسان، وأحيانا أخرى يعمل بدون ارادة الفرد، و لأن الفكر وعاء  لا يمكن أن يبقى خالي، فالذين يلعبون اليوغا التي تعد رياضية للجسم والعقل، فمن يريد الوصول الى مراتب عالية من هذه اللعبة، لا بد وأن يمر بتمارين اساسية فيها، وهي أن على المتمرن ان لا يفكر بشيء لمدة دقيقة أو دقيقتين، وهذه هي أصعب مرحلة.

 

على الإنسان طوال حياته ان يشغل فكره بما هو نافع ومفيد، يقول سماحة السيد المرجع الوالد: “احيانا في بعض المرات لا يأتيني النوم، وخلال هذه اللحظات من الفراغ، أقوم بتحضير محاضرة، فأتدبر في آية الآيات القرآنية، فاستذكر الروايات المرتبطة بها، واستحضر قصة تناسبها، وتصبح محاضرة كاملة”

 

ومثال آخر وهي الصلاة، التي يجب ان يتوجه الانسان فيها، كم فكرة تمر علينا أثناء الصلاة، من بدايتها الى نهايتها، مع المحاولة ان نركز فيها، ولا ننشغل بشيء، لكن لا احد يستطيع أن لا يتذكر شيء، فإذا كنت قد اضعت شيئا، او كنت على خلاف مع احدهم وما اشبه من مشاغل الدنيا، فكلها تحضر اثناء الصلاة.

وهذه هي طبيعة الفكر البشري أنه دائما في تفكير، وهذا الوعاء لا بد أن لا يكون خاليا من شيء، ولأن الحالة اقتضت ان تكون كذلك، فإن الشيطان يستغل هذه الحالة، وهذا ما دأب عليه من زمن أبينا آدم والى اليوم. فهو ـ الشيطان ـ في شغل دائم  في كيفية الايقاع بهذا الإنسان، والشياطين على انواع، فهناك شياطين الجن، وهناك شياطين الإنس.

وحين عرف الشيطان أن ذهن الإنسان لا يبقى  خالي، يحاول أن يلقي فيه، ولهذا يقول الإمام السجاد، عليه السلام: “اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِي رُوعِي ” والروع يعني القلب أو الذهن؛ “مِنَ التَّمَنِّي”.

 

  • افكار بائسة

يقال ان احدهم كان يبيع حليبا، فقام يحدث نفسه: سوف ابيع هذا الحليب بدرهمين؛ ثم اذهب لاشتري ضعفه، وابيعه بأربعة دراهم، بعدها اشتري شاةً، ثم ابيعها، واشتري بدلها بقرة، وظل يضرب اخماس في اسداس.. ثم اصبح غنيا، وبعدها اخطب بنت الملك، وإذا رفعت صوتها عليَّ أضربها على وجهها!

الملك قد يمر من ذلك المكان الذي يجلس فيه بائع الحليب، فقال: أأتوا به، واضربوه عدة اصواط.

فقال البائع لماذا تضربونني؟

فقال الملك: لانك اردت ان تضرب بنتي!

قد نضحك على هذا البائع، لكن إذا راجع كل واحد منا نفسه يجد أنه مثله، فيفكر البعض انه سافر الى عشرات البلدان، واشتغل في عدد من التجارات المختلفة، وغيرها من أحلام اليقظة، وعادة الشباب المبتلى بالفراغ الزائد، يشرّق ويغرّب في التفكير، وهي عبارات عن تمنيات لا تقدّم ولا تؤخر.

وَالتَّظَنِّي“، وهذه هي ظنون السوء، والشيطان قوي في هذا الشيء، ففي ابسط الامور، يجعل الشيطان الانسانَ يسيء الظن.

والحسد، فعندما يفكر الإنسان بهذه الحالة، فينظر الى الآخرين، انهم حصلوا وهو لم يحصل على شيء، فمن الطبيعي ان يصبح عنده حسدا تجاه الآخرين، بعدها يطلب الإمام زين العابدين، عليه السلام، من الله أن يبدل تلك الخصال. والجعل في هذه الفقرات من الدعاء، قد يكون جعلا تكوينيا، فهو طلب من الله ان يجعل شيء مقابل ما يلقي الشيطان في روعي، وقد يكون من باب: {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}، اي ان الإنسان قد لا يغير تلك الخصال، لكن هو طلب للمغفرة عنها. وقد يكون المعنى الاول أدق.

 

طبيعة الفكر البشري أنه دائما في تفكير، وهذا الوعاء لا بد أن لا يكون خاليا من شيء، ولأن الحالة اقتضت ان تكون كذلك، فإن الشيطان يستغل هذه الحالة، وهذا ما دأب عليه من زمن أبينا آدم والى اليوم

 

فيكون بدل التظني“وَتَفَكُّراً فِي قُدْرَتِكَ”، فأي وقت يسرح فيه فكر الإنسان يجب ايقافه وتحويل هذا التفكر في الاتجاه الذي يريده الله، وهو التفكر في آيات الله وقدرته، وهي من العبادة، وجاء في بعض الروايات انها افضل العبادة. فمسبقا يجب أن نعد للتمنيات ما يكون بديلا لها.

وفي مقابل الحسد”وَتَدْبِيراً عَلَى عَدُوِّكَ، محمد الفاتح كان سابع الخلفاء العثمانيين، وهو الذي فتح القسطنطينية، فيكف فتحها؟ مع ان الذين سبقوه لم يستطيعوا فتحتها! قصة محمد الفاتح، أن اباه سلمه بيد مربٍ، وكان هذا المربي يأخذ محمد الفاتح الى مضيق البسفور، لمراقبة الحصون في القسطنطينية، ورصد تحركات الجنود ذهابا وإيابا، ومعرفة الثغرات المحيطة بالحصون. وبعد أن مات ابوه كان هو المشرف على عمليات فتح القسطنطينية، واستطاع ان يفتحها.

ولهذا فإن على الإنسان طوال حياته ان يشغل فكره بما هو نافع ومفيد، يقول سماحة السيد المرجع الوالد: “احيانا في بعض المرات لا يأتيني النوم، وخلال هذه اللحظات من الفراغ، أقوم بتحضير محاضرة، فأتدبر في آية الآيات القرآنية، فاستذكر الروايات المرتبطة بها، واستحضر قصة تناسبها، وتصبح محاضرة كاملة”.

فبدل ان يلقي الشطيان في روعي امورا سيئة، عليّ أن اشغله بما ينفع، ومن تلك الامور التدبير على العدو، لأن الله ـ تعالى ـ في لحظة من اللحظات يلقي في روع الانسان المؤمن، فكرة ما، او بصيرة، او منفعة.

عن المؤلف

السيد مرتضى المدرّسي

اترك تعليقا