بصائر

كيِّف نفسك تضمن السعادة

من الأهداف الاساسية للمؤمن في الحياة الدنيا، السعي أن يهب الله له قرة عين في الذرية والأهل، وأن يجعله للمتقين إماما، وإذا تدبرنا مليّا في هذه الآيات التي جاءت في سورة الفرقان، والتي ابتدأت بقوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً}، الى الآية: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}، لو تدبرنا فيها لرأينا بحاراً من العلم والأنوار المشرقة، ولاكتشفنا فيها صراطاً مستقيماً لحياتنا.

فالله تعالى يريد منا أن نوازن بين ان تكون ازواجنا وذرياتنا في أعلى درجات الرفاه، وفي اعلى مستويات الرضا، وفي نفس الوقت أن يجعلنا للمتقين ـ وليس لعامة الناس ـ إماما، وهذه الموازنة من أخطر ما يبتلى به المؤمن، وبالذات ـ المؤمن ـ الرسالي الذي يحمل هدفاً كبيراً بين طياته، ويسعى الى تحقيقه في حياته، ويكون في ذلك فائدة له وللآخرين. فكيف يوزان بين أن تكون زوجته قرة عينه، وتكون ذريته ـ أيضا قرة عينه، وبين السعي الى تحقيق الهدف الذي رسمه؟

 

يجب أن نعي حيقيقة مهمة؛ وهي: أن الحياة لا يمكن أن تتكيف مع الإنسان مئة بالمئة، ولا يمكن أن يتكيف معها ـ الإنسان ـ مئة بالمئة أيضا

 

في هذه الآية من سورة مريم، نجد بعض البصائر التي تنفعنا في هذا الطريق، أو ما يمكن أن نسميه خارطة طريق لكي نصل الى المستوى المطلوب، يقول جل شأنه: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً}، فماذا تعني  قرّة العين؟

فهل كلمة (قرة) من البرد باعتبار أن العرب كانوا يقولون: عيني باردة عليك، اي راضية عليك؟

أم أن هل هذه الكلمة ـ قرة ـ تعني أن الإنسان  مستقر نفسيا؟

سواء كان المعنى الأول أم الثاني لهذا اللفظ، فإنه يدل على منتهى الراحة، والرضا، والاطمئنان، أن يرضى الإنسان بزوجته وأولاده، فكيف يرضى الإنسان بذلك؟

يجب أن نعي حيقيقة مهمة؛ وهي: أن الحياة لا يمكن أن تتكيف مع الإنسان مئة بالمئة، ولا يمكن أن يتكيف معها ـ الإنسان ـ مئة بالمئة أيضا، وإنما الإنسان له المقدرة على ان يتكيف مع الحياة بنسبة خمسين بالمئة ويكيف نفسه معها بذات النسبة. وهذه القاعدة لو طبقها الكثير فسيعيشون في سعادة، فليس بالضرورة أن تكون الزوجة طبق الأصل كالرجل، فالمرأة خُلقت مختلفة عن الرجل تماما، فهي خلقت للقيام بأدور خاصة بها، وكذلك الرجل خلق ليُناط به أموراً مختلفة عن ادوار المرأة.

 

إنّ الحياة الطيبة والسعيدة هي أن يكيّف الإنسان نفسه مع الواقع، ويتكيف معه، فدائما ما  نبحث عن الافضل، والأعلى، والأسمى..، وهذا اساسا غير موجود

 

ولهذا لا يمكن للرجل والمرأة ان يتوافقا في كل الأمور، لكن بإمكان الرجل ان يوجهها ويصلحها، وفي نفس الوقت يرضى عنها، ويطمئن إليها بما هي عليه كامرأة، والسير على هذه القاعدة بنسبة (خمسين بالمئة) نكون قد تقدمنا بهذه النسبة، والحياة تتحرك نحونا بالنسبة الأخرى، وبهذا تكون الحياة مستقرة، وهذه القاعدة يجب أن تطبّق في كل مفاصل الحياة، فالحياة ليس دائما كما يشتهي الإنسان، لهذا يجب أن يكيف الإنسان نفسه مع مختلف الظروف والأحوال، مع الجوع، والغربة، والفقر، والجوع..، يقول الشاعر:

ما كلُ ما يتمنى المرء يدركه .. تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ.

إنّ الحياة الطيبة والسعيدة هي أن يكيّف الإنسان نفسه مع الواقع، ويتكيف معه، فدائما ما  نبحث عن الافضل، والأعلى، والأسمى..، وهذا اساسا غير موجود لأنه مجرد أماني غير متحققة على ارض الواقع، ولهذا يجب السعي مع ما هو ممكن، والرضا بالممكن، فالتفكير في الأعلى يضيع على الإنسان ما تحت يده، قال، صلى الله عليه وآله وسلم، لأبي ذر في وصيته: “يا أبا ذر أنظر إلى من هو تحتك ولا تنظر إلى من هو فوقك فأنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك”.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا