مناسبات

كيف نحافظ على مكاسبنا الرمضانية؟

هاهي أيام شهر رمضان بدأت بالانقضاء، وهذه لياليه قد تصرمت وهي الى الافول مسرعة مهرولة، وكم هو .. ؟؟

هاهي أيام شهر رمضان بدأت بالانقضاء، وهذه لياليه قد تصرمت وهي الى الافول مسرعة مهرولة، وكم هو محزن أن نسمع في آخر ليلة من هذا الشهر : “الوداع الوادع يا شهر الله”، وما اعظمها هذه الكلمات التي نسقها إمامُنا زين العابدين، عليه السلام في وداع شهر رمضان يقول الامام في أحد مقاطع هذا الدعاء: “ثُمَّ قَدْ فَارَقَنَا عِنْدَ تَمَامِ وَقْتِهِ ، وَ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِ ، وَ وَفَاءِ عَدَدِهِ ، فَنَحْنُ مُوَدِّعُوهُ وِدَاعَ مَنْ عَزَّ فِرَاقُهُ عَلَيْنَا ، وَ غَمَّنَا وَ أَوْحَشَنَا انْصِرَافُهُ عَنَّا ، وَ لَزِمَنَا لَهُ الذِّمَامُ الْمَحْفُوظُ ، وَ الْحُرْمَةُ الْمَرْعِيَّةُ ، وَ الْحَقُّ الْمَقْضِيُّ“.

[.. إن بإمكان الانسان أن يبقى طاهرا إذا عاش في جو طاهر، وبئية نقية نزيهة. فهز يتعرض في هذه الدنيا الى ضغوط الشهوة من الداخل، والمجتمع من الخارج ..]

فمن المستبعد ان يخرج الانسان المؤمن من هذا الشهر الكريم، الزاخر بالعطايا والنوائل دون أي استفادة، لأن الصيام بحد ذاته داعيا الى التقوى والتزكية النفسية، ولو لم يكن هناك برنامجا طوال هذا الشهر، فكيف بمن حدد اهدافا ووصل اليها أو ما دونها؟
لكن ما إن ينقضي شهر رمضان، حتى يعود الى البعض الى آخر يوم من شهر شعبان، ويبدأ مسيرةً مغايرة لما كان عليه في شهر رمضان، وكأن العين الالهية المراقِبة لا تُفتح إلا في شهر رمضان!
فيكف نحافظ على مكاسبنا الرمضانية طوال العام؟
يقول السيد المرجع محمد تقي المدرسي دام ظله: ” ترى ما هو السبيل الى ان لا نكون ضمن هذه الفئة من الناس، وكيف نمتنع في شهر رمضان عن الغيبة، والتهمة وسوء الظن بالآخرين، وسائر الصفات السيئة، ثم نستمر على هذه الحالة حتى بعد شهر رمضان”؟
ويضيف سماحة المرجع المدرسي: ” للاجابة على هذا التساؤل المهم نقول: إن هناك حقيقة أكدت عليها الروايات والاحاديث الشريفة، وهي أن الانسان الذي يتوب الى الله جل وعلا، إن قبلت توبته فإن قلبه سوف لا يحن الى الذنب مرة أخرى، وإن لم تقبل فإنه يبقى في حالة حنين واشتياق الى اقتراف الذنب، ونحن في الليالي الأخيرة من شهر رمضان المبارك نؤكد الميثاق مع الله تبارك وتعالى، على أن لا نعود مرة أخرى الى الذنوب، ونستغفر خالقنا بقلوبنا كما نستغفره بألسنتنا. فما علينا في هذه الحالة إلا أن نراجع قلوبنا؛ فإن كانت تريد العودة الى الذنوب، فهذا يعني أن توبتنا لم تقبل بعد، وأن علينا أن نجتهد فيما تبقى من شهر رمضان. أما اذا اصبح القلب كارها للذنب. واستشعر الندم الحقيقي، فحينئذ ستكون التوبة مقبولة إن شاء الله.”(شهر رمضان بصائر وأحكام).

  • المكاسب الرمضانية بين الحفظ والضياع

يخرج المؤمنون من شهر رمضان بمكاسب ايمانية واخلاقية جمّة، فالاجواء الروحانية والربانية تصقل روحية الفرد، وتنقله من حال الى آخر، فالمؤمن كان قد كرّس وقتا من ساعات هذا الشهر لقراءة القرآن الكريم، وما يمثله هذا الكتاب من هداية وشفاء للمؤمنين، يقول الإمام علي، عليه السلام: “َمَا جَالَسَ هذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلاَّ قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ؛ زِيَادَةٍ فِي هُدىً، أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمىً“.، وغيرها من الاعمال التي كان لها دورٌ في تنمية الروحية الايمانية، كالمداومة على صلاة الليل طوال ليالي الشهر المبارك، وقراءة الادعية، والتطوع بالنوافل والمستحبات وصلة الارحام وغيرها.كلُ تلك الاعمال طيلة أيام شهر رمضان، اكسَبتْ المؤمن مكاسب ايمانية وتربوية، وهذه المكاسب تمثل خرينا روحيا لبقية أشهر السنة، ومن هنا لابد علينا أن نحافظ عليها.
يقول السيد المرجع المدرسي: “إن بإمكان الانسان أن يبقى طاهرا إذا عاش في جو طاهر، وبيئة نقية نزيهة. فهو يتعرض في هذه الدنيا الى ضغوط الشهوة من الداخل، والمجتمع من الخارج، والشيطان من الداخل والخارج معاً، فلا يدعه كل ذلك يعيش نقيا طاهرا من الذنوب إلا بالجد والإجتهاد”.

[.. يقول الرسول الاكرم، صلى الله عليه وآله: “من صام ثلاثة أيام من كل شهر كان كمن صام الدهر، لأن الله عز وجل يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ..]

ويضيف سماحة المرجع: ” وهكذا لابد من أجل ان نحافظ على مكاسبنا الرمضانية التي حصلنا عليها خلال شهر رمضان أن ندخل في حصن الولاية؛ أي ان يجتمع بعضنا الى بعض، ونكون ضمن تجمعات ايمانية صادقة يوحي بعضها الى بعض تقوى الله، وتتبادل النصيحة، ويحرض بعضها البعضَ الآخر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالتالي فإن هذه التجمعات ستمنحنا حصانةً تحول دون الوقوع في الذنوب مرةً أخرى”. (شهر رمضان بصائر وأحكام).

كذلك فإن ابقاء المؤمن على بعض عادات شهر رمضان، تمثل نوعا من الاستمرار بالبقاء في العيش ضمن اجواء الشهر العظيم، فقراءة ولو جزء من كتاب الله المجيد بشكل يومي، والتدبر في آياته الحكيمة، يبقي على آصرة الصلة بآيات الله، التي كان المؤمنون على اتصال دائم بها طيلة أيام شهر رمضان، وكانت من عادة النبي، صلى الله عليه وآله، وأهل بيته الطاهرين صيام ثلاثة أيام في الشهر، ويضع النبي الاكرم التحفيزَ الكبير، والثواب الجزيل لذلك، يقول، صلى الله عليه وآله: “مَن صام ثلاثة أيامٍ من كلِ شهر كان كمن صام الدهر، لأن الله عز وجل يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}. بالاضافة الى ديمومة صلة الارحام، والتعاون والتكافل الاجتماعي، وغيرها من العادات الحسنة، هذا كله يبقي حلقة وصلٍ بيننا وبين شهر الله.

عن المؤلف

أبو طالب اليماني

اترك تعليقا