غير مصنف

تأملات في دعاء العهد

تكلمنا سابقاً عن المقطع «وَاجْعَلْهُ اَللّـهُمَّ مَفْزَعاً لِمَظْلُومِ عِبادِكَ،..»، ومن ثم يشرع الإمام في تتمة المقطع وهو ..

تكلمنا سابقاً عن المقطع «وَاجْعَلْهُ اَللّـهُمَّ مَفْزَعاً لِمَظْلُومِ عِبادِكَ،..»، ومن ثم يشرع الإمام في تتمة المقطع وهو «وَناصِراً لِمَنْ لا يَجِدُ لَهُ ناصِراً غَيْرَكَ،..» والذي يريد فيه؛ أن يجعل الله -تعالى من إمامنا الإمام المهدي، عليه السلام، الملجأ الذي يلجأ إليه المظلومون حتى يأخذ بظلامتهم ويعيد لهم حقوقهم المغتصبة من قبل الظالمين والمتكبرين.
إلى أن يقول:
«وَمُجَدِّداً لِما عُطِّلَ مِنْ اَحْكامِ كِتابِكَ، وَمُشَيِّداً لِما وَرَدَ مِنْ اَعْلامِ دينِكَ وَسُنَنِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ،..»، لو نظرنا إلى مطلع هذه العبارة لأمكننا أن نستخلص أكثر من دلالة؛ ولكن في حصيلة القول المجمل في ما تعنيه العبارة من اقامة الأحكام القرآنية بعد توقفها في المجتمعات التي انعزلت عن مبادئ السماء؛ والتي تشير إلى ذلك عبارة (عُطِّلَ) أي عدم العمل بالأحكام القرآنية، وهو تعبير حقيقي وليس استعاريّاً.
وممكن القول إن عبارة (عُطِّلَ) تشير إلى ان عدم العمل بأحكام القرآن يذهب بحيوية وفاعلية وجمالية وفائدة ما جاء في القرآن الكريم في بيان السلوك غير الملتزم وهو الجانب التحذيري فيه؛ فمثلاً؛ عدم الالتزام باحكام النكاح والطلاق والارث وغير ذلك، في صعيد المعاملة، او عدم الالتزام بتوصيات القرآن الكريم حيال اولي الامر، او ذوي القربى او اهل البيت: في صعيد الموالاة العقائدية، او عدم الالتزام بمبادئ السلوك الاجتماعي القاضي بعدم الغيبة والبهتان والنميمة والكذب والمنابزة بالالقاب.. وما أشبه، وهذا كله يفضي الى فساد المجتمعات، ومن ثم تتعطل المجتمعات عن حيويتها ومن كل ما يرتبط باشباع حاجاتها، تبعاً لتعطل الاحكام القرآنية الكريمة.
وأما لو عدنا إلى عبارة (مُجَدِّداً) نجد فيها التوسل بالله – تعالى- بان يجعل الامام، عليه السلام، مجدداً لها، أي أن الشيء يصبح جديداً بعد أن توقف عن العمل، وهذا يعني: ان العمل باحكام القرآن يصبح جديداً، بعد ان توقف العمل بها، فالتجديد هنا للعمل وليس للاحكام بطبيعة الحال.
والنكتة هنا من ان التجديد للعمل باحكام القرآن سوف يشكل مقدمة لبناء جديد للدين لا أن يستأنف العمل بعد التوقف، وهذا ما اضطلعت به العبارة التالية لها «وَمُشَيِّداً لِما وَرَدَ مِنْ اَعْلامِ دينِكَ وَسُنَنِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ» فهنا عملية تشييد اي عملية بناء بعد عملية تجديد، اي: البناء العام للشريعة او الدين، في قيامه على اساس من احكام القرآن على نحو ما يشير الدعاء اليه فيما بعد من السنن النبوية الكريمة، وهذا البناء ما اشارة إليه عبارة (مُشَيِّداً) وهو البناء للدين ولسنن النبي، صلى الله عليه وآله.
وهذه العبارة تتوسل بالله تعالى بأن يجعل الإمام المهدي، عليه السلام، مشيداً لما صار اليه من آثار الدين، والسنة النبوية، فإنهما قد تعرضا الى‌ سقوط بنائهما، وحنيئذ فان الامام المهدي(عجل الله فرجه) عبر حركته الاصلاحية سوف يقوم باعادة البناء او رفعه بعد تعرضه للهدم؛ وهو يرمز بذلك الى تحريف المنحرفين، وتعطيل مبادئ الشريعة.
وأما مفردة (اَعْلامِ دينِكَ وَسُنَنِ نَبِيِّكَ) والذي يقصد به الأثر، وهو ما تبقى ‌من ملامح الشيء، من الممكن ان يرفع بناؤه من جديد بعد ان آندرس أو بقيت بقاياه؛ من ثم يمكننا ان نستخلص حصيلة ما عناه الدعاء في فقرته المتوسلة بالله تعالى بان يجعل الامام المهدي(عجل الله فرجه) مشيدا لما صارت اليه آثار الدين وسنن النبي صلى‌ الله عليه وآله وسلم.

عن المؤلف

ماجد الصفّار

اترك تعليقا