غير مصنف

الحجر الصحي مرآة عكست معدن الشعب العراقي الأصيل

شهد العراق كما هو حال دول العالم حظراً للتجوال في بيوتهم تجنباً من الإصابة .. ؟؟

 

شهد العراق كما هو حال دول العالم حضراً للتجوال في بيوتهم تجنباً من الإصابة بوباء كورونا المستجد والمعدي، فأصبح الناس أحلاس بيوتهم. وقد تعرض الشعب العراقي لهذا الوباء في ظل قلة الإمكانيات الصحية وانعدامها في بعض الأماكن وقد رافق هذا الحضر ظهور صور ناصعة البياض تشم منها عطر الروح الإنسانية والتي شهدناها عند بعض الشعوب وأخص بالذكر الشعب العراقي.

هنالك صفات حميدة مغروسة بداخل الكثير من ابناء الشعب العراقي، والتي لابد من إظهارها، نأمل أن تستمر لتكون سبباً في الخروج بسلام من هذا الوباء بفضل الله تعالى.

ولنفند بعض الآراء التي تخرج من هنا وهناك والتي تذم هذا الشعب الكريم متعكزين على بعض الأقوال التاريخية كالتي خرجت على لسان معاوية بن أبي سفيان لعنه الله القائل زوراً بذم العراقيين مخاطباً الوليد بن جابر الطائي: (وانك لتهددني يا أخا طيّ بأوباش العراق, أهل النفاق ومعدن الشقاق … ) وكالحجاج لعنه الله الذي قال عنهم في إحدى خطبه : (يا أهل العراق, يا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الاخلاق, أما والله لألحونكم لحو العصا, ولأعصبنكم عصب السلم ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل …). في محاولة لإظهار الشعب العراقي بصورة سلبية . ولكنه قد أثبت بأن تربية أهل البيت عليهم السلام لهم ومعاتبتهم إياهم في موارد الخطأ والقصور عن نصرة الحق وإغاثة الملهوف، قد بانت ثمارها.

ومن هنا لا بد لنا أن نسلط الضوء على الصفات الإيجابية التي يمتلكها هذا الشعب والتي ظهرت صورها لكل العالم في هذه الأيام العصيبة التي نعيشها بعد تفشي وباء مرض كورونا وتحديداً بعد حضر التجوال الذي تم فرضه في أغلب الشعوب حفاظاً على أرواح الناس ومن هذه الصور :

[.. تجلت اليوم ثمرة من ثمرات تربية أهل البيت، عليهم السلام في العراق وهو التكاتف الاجتماعي في مختلف المجالات ..]

حب أهل البيت عليهم السلام: فالشعب العراقي قد اعتاد على زيارة مراقد أهل البيت عليهم السلام وحبهم بشغف كبير، وإحياء زيارتهم وعند منع الوصول إلى أئمة الهدى بسبب الحجر القسري – – الواجب علينا حفاظاً على الأرواح – لمسنا ألم الحنين من المحبين بعد عدم تمكنه من الوصول إليهم وخاصة حرم الإمام الحسين عليه السلام لأداء الزيارة في ليلة النصف من شعبان ذكرى ولادة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف والتي مرت فضيلتها بالأيام الماضية. وأي أجر أفضل من حب أهل البيت عليهم السلام؟! قال تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)، وكان هذا الحرمان من هذه الطاعة سبباً لتفكر الكثير في سبب المنع الإلهي بإرسال هذا الوباء والذي هو ذنوبناً؛ وسبباً في الرجوع إلى الله تعالى على الأقل في كبح جماح الفساد الذي كان منتشراً علنا كالحانات والنوادي الليلية وبعض الأماكن التي عشعش فيها الفساد بكل أنواعه.

التراحم الاجتماعي: منذ الأيام الأولى لحضر التجوال هب نيسم الأخيار كالسيل المنحدر من أعالي الجبال من مختلف شرائح المجتمع منها جهات دينية وأخرى تجمعات شبابية ومناطقية ومؤسسات إعلامية بجمع التبرعات وعمل سلات غذائية ليتم توصيلها إلى بيوت أخوتهم الكسبة الذين لا يمكلون مصدر للعيش إلا من خلال دخل يومي الأمر الذي جعل شعوب العالم تنظر لهذا التراحم بإجلال وهم ينظرون إلى الشعب العراقي كيف يفكر بعضه ببعض، ويتنافسون على إيصال المعونات في حال علموا أن هناك أشخاصاً محتاجين، فضلاً عن تنازل البعض عن ثمن الإيجارات أو تقليله أو تأجيله لتخفيف الثقل المادي على المحتاجين.

 

الشجاعة: ان مواجهة الكوادر الطبية لهذا الوباء هو مما يعرضهم للخطر بشكل أكيد ولكنهم بقوا في صفوفهم وازدادوا إصرارا على معالجة المصابين، وهناك أشخاص انضموا إلى صفوفهم متطوعين وهم يسلكون مخاطر العدوى في التعامل مع المصابين في علاجهم ولكنهم غير آبهين لذلك البتة، كما أن هناك من تصدى للتعفير والتعقيم وبذل طاقته في سبيل ذلك حتى دخلوا إلى الكثير من البيوت والشوارع بكل همة ونشاط، لا فرق بينهم وبين من تصدى للتطوع بالجيش ضد الإرهاب.

 

الكرم والإيثار: وقد لاحظنا إن أبهى صورة للكرم قد تجلت في هذا الشعب الكريم المعطاء حتى وصل الأمر أن يؤثر بعض الشخص على نفسه ليقسم مرتبه الشهري مع أقرب شخص لديه كان يقتات على الكسب اليومي وكذلك على المستوى الاجتماعي فقد لاحظنا دور المتبرعين للمؤسسات المتكفلة بتوزيع المواد الغذائية . حتى بات التنافس على تقديم يد العون والتبرع بالأموال ليس فقط لمحتاجي المواد الغذائية فحسب بل وصل الأمر لمن يحتاج العلاج من المرضى وتوفيره لهم.

 

عدم المَنّ: ما شهدناه هو أن المؤسسات التي وزعت المواد والعلاج على المحتاجين وكذا الأفراد أوصلوها إلى بيوت آلاف الناس من غير أن يمنوا عليهم حتى وصل الأمر إلى أن توضع سلات غذائية في أماكن محددة ليصل إليها المحتاج دون معرفته حفاظاً على كرامته وحتى ما تم تصويره من تبرعات كان بمنأى عن تصوير المحتاج وتم ليعكس للعالم طبيعة المجتمع العراقي الأصيل قال تعالى في سورة البقرة: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )؛ فإظهار الصدقات أمر لا غبار عليه دون الحاجة لإظهار المحتاجين.

 

توزيع السلات الغذائية من قبل معتمدي المرجعيات الدينية للعوائل المتعففة

 

الوحدة: رأينا كيف أن الكل عمل بيد واحدة، من متبرعين ووسطاء تمثلوا بمؤسسات خيرية أو تجمعات أو عمل فردي كما في تصدي بعض الأفراد لأن يكون وسيطاً فيعلنون من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو أرقامهم الهاتفية عن وجود حالات احتياج من مواد غذائية أو علاج، فيأخذ الرسالة الكرماء ليوصل الأموال فتوزع من قبل أشخاص آخرين لتصل إلى مكان الشخص المحتاج، وكذلك دور القوات الأمنية في توفير الأمن الطبي بمنع حالات التجول حرصاً منهم على الناس فضلاً عن دورهم في توفير الأمن الاجتماعي ويزين هذه الوحدة دور الجيش الأبيض من كوادر طبية في علاج المصابين، وتكتمل الحلقة بالتصدي لتغسيل الأموات منهم وتكفينهم ودفنهم احتراماً لحرمة الأموات.

[.. منذ الأيام الأولى لحضر التجوال هبَّ نيسم الأخيار كالسيل المنحدر من أعالي الجبال، من مختلف شرائح المجتمع لتقديم السلات الغذائية للعوائل ذات الدخل المحدود ..]

الالتزام بالقانون: لا ننسى دور المجتمع العراقي في التفاعل مع القرارات الحكومية بشكل كبير والالتزام بالقانون في تطبيق قرار الحضر المنزلي بصورة عامة وبالأكثرية المطلقة نتيجة الوعي المتكامل بخطورة الأمر ونتيجة احترام القانون.

ومن هنا فإن كل لبيب يخرج بنتيجة مفادها إن الشعب العراقي يمتلك من الصفات الحسنة من حب أهل البيت عليهم السلام والشعور بالمسؤولية والعمل الجماعي الذي هو أشبه بخلية النحل ما يؤهله لتجاوز هذه المحنة وزوال هذا الوباء وتحت عناية من قبل أئمة الهدى وهو الأمر المتوقع حصوله إن شاء الله في العاجل القريب ورجوع الحياة إلى طبيعتها.

عن المؤلف

ضياء العيداني

اترك تعليقا