مكارم الأخلاق

تأملات في مناجاة التائبين (6) كيف نستر عيوبنا؟

قال الإمام زين العابدين، عليه السلام، في مناجاة التائبين: “وَلا تُخْلِنِي فِي مَشْهَدِ القِيامَةِ مِنْ بَرْدِ عَفْوِكَ وَغَفْرِكَ، وَلا تُعْرِنِي مِنْ جَمِيلِ صَفْحِكَ وَسَتْرِكَ”.

الانسان بين الفنية والأخرى يبدر منه الذنب والمعصية، بحيث يستحق العذاب والعقوبة، وحتى يتجاوز الانسان ذنوبه ومعاصيه  بحاجة الى بناء علاقة مع الله، وتمتين اتصاله بالقيم، وحتى يكون هناك مجال وسِعَة نفسية عند الانسان شرّع الله ــ سبحانه وتعالى ــ باب التوبة، والفعو، والستر.

⭐ إذا كوّن الانسان علاقة مع الله من خلال تطبيق القيم الإلهية، هنالك سوف يحظى بعفو الله

في يوم القيامة حيث الحساب، وحيث: {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}، فما من شيء إلا وهو مدوّن على الانسان، فيعاقب على اعماله، ويلام على تصرفاته، فلذلك يحتاج  ان يتعلق بالله في الدنيا حتى ينجو من عذاب الله ولومه في الآخرة

إذا كوّن الانسان علاقة مع الله من خلال تطبيق القيم الإلهية، هنالك سوف يحظى بعفو الله، “ولا تخلني في مشهد القيامة” حيث المحكمة الكبرى فهناك الحساب والجزاء معا أمام الأشهَاد.

الانسان إذا تعرّض في الدنيا الى شرارة بسيطة من نار لا يتحملها، من نعرف معنى وقيمة العفو والغفران يوم القيامة، وشرط ذلك يأتي الفرد بقلب خاشع وجل، فهناك يغفر الله له.

وَلا تُخْلِنِي فِي مَشْهَدِ القِيامَةِ مِنْ بَرْدِ عَفْوِكَ وَغَفْرِكَ

العفو يعني عدم العقوبة، والانسان بجسمه الضعيف لا يتحمل حرارة جهنم في الآخرة، فالله ــ تعالى ــ شديد العقاب، {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}، لذلك لابد ان يسعى الانسان لنيل عفو ربه، والنجاة من نار جهنم، قال ــ تعالى ــ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.

وَلا تُعْرِنِي مِنْ جَمِيلِ صَفْحِكَ وَسَتْرِكَ

الانسان يحتاج الى لباس يغطيه بعد الذنب، واللباس هو الصفح والذي يعني عدم اللوم، فمثلا هناك شخص يعاقب، وتارة لا يعاقب بل يلوم، لذلك نحن في هذه الفقرة من المناجاة نطلب من الله ان لا يلومنا بسبب ذنوبنا، ولذا نحن بحاجة الى التوقف عند الشبهات، فالمؤمن لا يُقدم على فعل شيء فيه شبه مهما كان، والشبهات سواء كانت في الجانب الفكري ام السلوكي، فالؤمن لا يُبقي في ذهنه شبهة، ولا يمارس ــ سلوكيا ــ اي شبهة.

هناك اعمال نستحق بها العقاب، وايضا هناك امور يجب أن نُلام فيها، فمجرد اللوم ينكشف العمل القبيح، لذا نحن نطلب ان لا يعاقبنا الله، ولا ان يوجه إلينا لوما، وان يستر علينا أمام الخلائق.

مخالفة الرب بارتكاب الذنوب هي التي تعرّي الإنسان، وهو بحاجة الى ستر بعد تلك الحالة، والتسر هو ذلك اللباس الذي انزله الله وهو لباس التقوى:{وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}، بإمكاننا أن نلبس الجميل ولا نكون في العراء ويكون ذلك هو الستر المتمثل في لباس التقوى الذي يقينا في الدنيا والآخرة.

⭐ مخالفة الرب بارتكاب الذنوب هي التي تعرّي الإنسان، وهو بحاجة الى ستر بعد تلك الحالة

الانسان قد يرتكب ذنبا لكن عليه ان لا يسترسل فيه، وعليه أن يتوب ويستغفر الله، وحالة أخرى يجب غرس التقوى في النفس، وهي التي تتمثل في الخوف من الله، فلابد من غرس هذه الشجرة المثمرة في القلب، و التقوى أيضا تتمثل في الالتزام بالقيم الإلهية، كذلك التقوى تكون في الصفح والستر على الآخرين، فحينما يصفح المؤمن عن غيره يصفح الله عنه، لذا حين يصلي المؤمن صلاة الليل يكرر في الوتيرة “العفو العفو” ثلاثمئة مرة.

حتى يعفو الله عنا يجب الالتزام بالقيم: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}، فالانسان حين يرتكب جرما او ذنبا هو بحاجة الى ازالته، ولابد من عمل صالح يتبع الذنب، قال ــ تعالى ــ: {تَابُوا وَأَصْلَحُوا}، فلابد من اصلاح النفس من الداخل، وكذا اصلاح الواقع الخارجي، وذلك يكون بالقيام بعمل ايجابي؛ من قبيل الإحسان الى الناس، ودعوتهم الى الاعمال الصالحة؛ كصلاة الجماعة، والمشاركة في عمل خيّر، وقد يكون العمل الايجابي ان أنهى شخص عن عمل قبيح يريد القيام به، وما شابه من الاعمال الصالحة التي من شأنه ان تزيل السيئات.

ومن المهم جدا ان يعمد المؤمن الى الستر على العباد، وهذه نقطة حساسة وجوهرية في حياة الانسان المؤمن، وهذا لا يعني التستر على المتلاعبين بدِين الناس ومصيرهم، او الفاسدين في المجتمع، بل المقصود النهي عن تتبع عثرات الناس وزلاتهم الشخصية، والتي ربما أخطأ البعض منهم في حالة ضعف.


  • (مقتبس من محاضرة لآية الله الشهيد نمر باقر النمر)

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا