بصائر

الايمان والاخلاص شرط صناعة الكوادر*

قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ ..)

قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ *وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ}.
عند التحولات الكبرى في الامم، يحتاج المجتمع الى رجال يتحملون مسؤولياتهم باخلاص واقتدار واستقامة، وعند عدم وجود ذلك، فإن التحول سينقلب سلبيا على الامة، فالناس بحاجة الى أوتاد وجبال عند التغيرات الاجتماعية، وهؤلاء الرجال يُصنعون في ظروف التحدي والمعارضة، ولذلك فهم ينجحون، كما نجح المسلمون في عهد رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا ما يؤكده القرآن بقوله : {مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}، وقال تعالى في آية أخرى : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}.
فالله سبحانه يصفهم بهذا الوصف الراقي والنعت العظيم، ولكن هؤلاء الصحابة – المتصفين بهذه الصفات-، لم يبقوا في الحكومة الاسلامية بعد موت النبي، صلى الله عليه وآله، وانما جاءت مجموعات خاصة، ذات توجهات منفردة، فقفزوا على الحكم وطردوا اولئك الأولين، وأصبحت تلك الصفوة من القيادات الاسلامية حبيسة البيوت، وعلى رأسهم الامام علي، عليه السلام، وهو الذي قام الاسلام بسيفه – كما أخبر بذلك رسول الله- لكنه اُبعد عن القيادة، ولم تحضَ الامة بقيادته الا لفترة وجيزة، وهذا بدوره يتكرر الان بشكل أو بآخر.

إنّ المجتمع في هذا العصر الحديث بحاجة الى عشرات، ومئات من المخلصين المؤمنين، الذين تكون بيدهم زمام السلطة، بحيث يقودون الدولة الى الخير والتقدّم

والعراق اُبتلي بهذا النوع، فهناك رجالٌ ناضلوا وهاجروا، وقاتلوا، وقدموا الشهداء، لكنهم بعد هذا التحول الذي حدث عام 2003، البعض منهم ذهب الى المهجر، والبعض الآخر جليس البيت، والبعض تسلق ووصل الى السلطة، والآخر ارتد عن ما كان قد ناضل من أجله، وجاهد، وقدم التضحيات، وهذه الحقيقة يؤكدها القرآن الكريم، حين يقول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}، فالمؤمن يرتد حينما يرى زخارف الدنيا وملذاتها، فما هو الحل؟
المجتمع في هذا العصر الحديث بحاجة الى عشرات، ومئات من المخلصين المؤمنين، الذين تكون بيدهم زمام السلطة، بحيث يقودون الدولة الى الخير، وبعض الدول الاسلامية مبتلاة باخفاقات في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وهناك ايضا نقص في الكوادر، بالاضافة الى عدم معرفتها.

كيف نصنع الكوادر في مجتمعنا؟

  • اولا: الاهتمام ببناء الكوادر

يجب أن تكون هناك حركة جدية الاهتمام ببناء الكوادر بعد التحول السياسي، لأن العمل السياسي يستهلك الانسان، فذلك يموت، والآخر يهاجر..الخ، ولهذا لابد من اعداد الكوادر البديلة للقيام باداء دورهم المانط بهم، وهذه الكوادر لا تنزل من السماء، بل تخرج من هذه الارض الطيبة، يقول الله تعالى : {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً}، والانسان الطيب يحتاج الى ظرف محيط يكون طيبا أيضا، فبناء الانسان اصعب من بناء العمران، وتعبيد الشوارع والطرقات، وهناك من الدول من غيرت في بعض الامور العمرانية، وايجاد بعض الخدمات، إلا انها في بناء الانسان فشلت.
ولهذا نحن بحاجة بناء الكوادر وتربيتها، ولو كان طفلا أيّا كان ابنك، او اخاك ..، وقد يقول البعض: ” متى يثمر هذا الطفل، فالزمن لا زال بعيدا”؟
لكنّ الحقيقة مغايرة لهذا القول تماما، فاطفال اليوم هم القادة غدا، وهم رجال الدولة في المستقبل، ولهذا لابد من اعداد هذه الكوادر اخلاقيا وتربويا وعلميا.

  • ثانيا: التعرف على الكوادر

وهذه المهمة تقع على عاتق المؤسسات السياسية، فالحصول على الكادر ليس بالامر السهل، ولابد من ايجاد طرق مناسبة لاكتشاف هذه الكوادر.
تُعتبر حوزة قم المشرّفة من أكبر الحوزات العلمية في العالم، وتضم الآن حوالي مئة ألف طالب، فبعد الحرب العالمية الثاني احتاج العلماء في قم الى مرجع دين ينزل الى الساحة ويغيّر الواقع، فبحثوا ووجدوا في احدى القرى وهي بروجرد، عالم هو المرجع الديني، محمد حسين البروجردي الطباطبائي، وهذا العالم غيّر تاريخ ايران.
ومن هنا فإن على المؤسسات السياسية والدينية البحث عن الكوادر، فالكادر لا يأتِ برجليه، الا ما ندر.

  • ثالثا: ترميم الكوادر

مع وجود الكوادر الجيدة في اداء مهامها، إلا انها بحاجة الى من يردفها ويعينها، ولهذا فهو بحاجة الى معاون، فالعراق مثلا، كان مليئا بالكوادر في مختلف المجالات، الا ان النظام الطاغي أعمل السيف فيهم، فهناك مراجع وقيادات قُتلوا، وعشرات المقابر الجماعية تضم رفاة اولئك الطليعة من الشعب العراقي.

  • رابعاَ: الحاجة الى ايجاد مؤسسات لتربية الكوادر

هناك جامعات غربية مهمتها تربية القيادات، كجامعة السوربون وأكسفورد ..الخ، وهناك الان معهد يسمى بالواعدون في الغرب، مهمته تربية الاجيال على طريقتهم الخاصة وافكارهم، ولهذا فإن على الحوزات بالاضافة الى بناء عالم، فإنها بحاجة الى تريبة الكوادر، كذلك الجامعات في بلادنا، يجب أن لا تقتصرعلى اخراج طالب متعلم في اختصاص معين.
الامام علي، عليه السلام، عندما كان يبحث عن كوادر، وجد ميثم التمار، فاشتره واعتقه، ومن ثَمّ رباه، وهو نفسه الذي كان يأخذ بيد كميل بن زياد الى صحراء الكوفة ليعلمه ويربيه، وهو القائل عليه السلام :” إن الله قد أدب نبيه فاحسن تأدبيه وهو ادبني وأنا اُدب المؤمنين”، والله سبحانه وتعالى حينما يصف النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله، بقوله عز وجل : {وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}، وهذا يعني تربيتهم، وهناك وصايا للنبي للامام علي، وابي ذر، وابن مسعود، وهذه الوصايا كلها تربية،فوصية النبي لابي ذكر، يُكتشف منها ان يكون أبا ذر قدوة، وفعلا اصبح قدوة.

نحن بحاجة الى بناء الكوادر -التي لا زالت صغيرة- علميا وتربويا واخلاقيا، فهم صغار اليوم، ورجال الدولة غداً

يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ}، الله سبحانه وتعالى يحبهم للصفات الموجودة فيهم، فهي كلها صالحة، ومن هذه الصفات كما يسردها القرآن : {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، فهم متواضعون الى أبعد الحدود، وهذه الصفات كانت موجودة عند اصحاب رسول الله، كما وصفتها الاية في نهاية سورة الفتح.
{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}، فالمؤمن لا يتهم لكلام الناس المثبطين، فهم لديه طريق واضح يسير عليه بقوة، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، ولا يصل الى هذه المرحلة الا الرجل العظيم، ثم يقول تعالى : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ}، فهذه هي صفات القيادة السياسة للامة الاسلامية، وكان على رأسها الامام علي، عليه السلام، ولهذا فإن على الشيعي التي يدّعي ولاءه لهذا الإمام أن يكون نموذجا خيّرا في المجتمع وفي المكان الذي يعمل فيه، فالرشاوي والفساد المالي هو الذي سبّب هذه التظاهرات، وتلك الاعمال هي التي شوهت سمعة العراق، والصفات التي الاخلاقية المثلى موجودة في اوساط الشعب العراقي، لكنها مغمورة وبحاجة الى البحث عنها، لجعلها في مكانها المناسب حتى تتمكن من النهوض بهذا البلد.
إنّ اعداد الكوادر وتنميتها مسؤولية الجميع، فالحوزوي مطالب بتربية وتنمية الكوادر، كذلك المدارس والجامعات والتي احدى مهامها الاساسية هي اخراج النخب الفعالة في المجتمع، وهذا الدور هو دور الانبياء والصالحين والعلماء.
———————————

  • مقتبس من محاضرة للسيد المرجع المدرسي بتاريخ 20-2020.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا