مناسبات

شهر رمضان وضرورة الآخرة

من ثمرات ونتائج فريضة الصوم هو مساهمتها في تربية وتعميق الشعوربالآخرة، هذا شعور الطيب والمبارك الذي  يلامس الروح النقية تجعله تواقاً الى لقاء ربه بما يقدمة من صالح الاعمال وافضلها من البر والصدقة.

 وقد تسمو هذه ملكة الى تقديم النفس رخيصة من اجل صون العقيده الحقة والدفاع عن حياض الاسلام وهذه هي صفات المجاهدين؛ رهبان في الليل، اسود في النهار، وهذه من أجلِّ ثمرات الصوم التي  تضع الإنسان في موقع التعامل الأمين مع الإنسانية، إذ إن من المسلمات العقيدية الإيمان باليوم الآخر وما له من توجيه في الحياة.

ان صوم رمضان صوم الجوارح عن الملذات ونحن نعيش هذه الايام المباركة من عبق الروحانية في شهر شعبان و من استقبال شهر رمضان المبارك، لابد من اغتنام فرصة أيامنا هذه.

 ولتصم بصومكم جوارحكم وأكثروا من الدعاء والتسبيح والاستغفار وتلاوة كتاب الله تعالى وغضوا أبصاركم وسدوا أسماعكم عن ما حرم الله تعالى عليكم، ايها المؤمنون اعرفوا حق شهركم وحق كتابكم وحق ربكم وحق نعمة الله التي أتحفكم بها وحق نفوسكم التي رآها أهلا للمنازل الكريمة ان الصوم وسيلة وغايتها التقوى ولا يكون الصوم كاملا إلا يوم يعطي هذه النتيجة.

🔺 الصوم في الاسلام وسيلة فوز ومنهج تربية وسبب للارتقاء

 والصوم في الاسلام وسيلة فوز ومنهج تربية وسبب للارتقاء، وأيضا لا يراد منه ان يشعر الصائم بالجوع والعطش إلا في حدود تذكيره بالآخرة وبضعاف المسلمين وفقرائهم، ومساكينهم، فهو يرفع الروح ويربيها ويهذب النفس ويزكيها .

ويمرّن الارادة ويقويها قال الله ــ تبارك وتعالى ــ في سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

ايها المؤمنون ومن أوسع الابواب التي فتحها الله تعالى العباده في هذا الشهر واكثرها جدوى في تربية الانسان وتطهير النفوس تلاوة القرآن الكريم في هذا الشهر، فقد ورد الحث الشديد على  كثرة تلاوته، والمواظبة على  ختمه و دراسته، فاقرأوا كتاب الله قراءة خاشعة  خاضعة واعرفوا حرمة كتابه واعلموا ان تلاوة القرآن الكريم لا تصل بكم الى الهدف المطلوب، إلا اذا تدبرتم فيما تقرؤون واتعظتم بما تسمعون، خصوصا إذا عرفنا أن الإيمان بالآخرة لا يتم تأثيره في الحياة إلا على ضوء الإيمان بحقيقتين متلازمتين:

الحقيقة الأولى: الإيمان بالمراقبة ودقة الإحصاء لكل حركات وتصرفات الإنسان، حتى همسات ووسواس النفس الخفية وكما قال – تعالى- في بيان ذلك: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.

الحقيقة الثانية: العقوبة، والندم عليها، و تنامي الشعور با التقصير كلما يقدمه الانسان من عبادة وبر هي من فيض رحمتة وخزائنه التي لا تنفد.

إن الإيمان بالمؤاخذة والعقوبة التي أعدها الله – تعالى – لكل ذنب، وحسب ما يناسبه كما قرر الله تعالى ذلك في كتابه الكريم، وسبق الحديث عنه ان هاتان الحقيقتان تعضد إحداهما الأخرى في تكوين مشهد الآخرة أمام البصيرة الإنسانية، وتشكلان عامل تأثير موحد وإيجابي على مستوى السلوك والتعامل العام.

🔺 من الواضح أن شعور الإنسان بمسؤوليته الشاملة تلك، إنما يتم تحت إشراف الآخرة منبثق الإشعاع التربوي من عالم الغيب إلى عالم الشهادة  والإشراف

ولذلك عندما يرشد الرسول، صلى الله عليه وآله، إلى تذكّر يوم القيامة وعطشه عند الإحساس بجوع وعطش الصيام، يهدف بذلك إلى ضرورة كون الصيام عملية إلهام تربوية للنفس الإنسانية بمشاهد القيامة، ثم يرمي إلى نقل الأهلية الإنسان الصائم إلى المفهوم والمعطى الاجتماعي الشامل، وإشعاره بسؤوليته تجاه الأمة، وكف الأذى عن الناس؛ يحفظ لسانه ويغض بصره ويسد سمعه عن كل ما هو محرّم، وتحويل فعل جوارحه في سبيل البر والإحسان، والخير والمعروف لكل فضائل المجتمع.

وقد جاء في الحديث الشريف: “إذا صمتم فاحفظوا السنتكم عن الكذب وغضوا أبصاركم ولا تتنازعوا، ولا تحاسدوا، ولا تغتابوا ولا تماروا، ولا تكذبوا، ولا تباشروا، ولا تخالفوا، ولا تغضبوا، ولا تسابوا، ولا تشاتموا، ولا تنابزوا، ولا تجادلوا ، ولا تباذوا، ولا تظلموا ولا تسافهوا، ولا تزاجروا، ولا تغافلوا عن ذكر الله..”.

ومن الواضح أن شعور الإنسان بمسؤوليته الشاملة تلك، إنما يتم تحت إشراف الآخرة منبثق الإشعاع التربوي من عالم الغيب إلى عالم الشهادة  والإشراف، الذي ينمو ويكبر في النفس عن طريق فريضة الصيام كعملية إلهام تربوي للشعور بمشاهدة الاخرة، فهل يعي الذين يتخبطون بالشهوات والملذات، والمسرفون  ان لهذه الدورة التربوية إن جربوها بالتوبة والانابة، هي مخلص لهم من وهم السعادة الزائف، الذي يصوره الشيطان لهم، ويملي لهم ليزدادوا اثنما،وهم غافلون.

فنبارك الى الأمة الاسلامية. هذا شهر جعله الله شهر طاعة في قلوب المؤمنين، وحفظ الله سبحانه وتعالى بحفظه وبعينه التي لا تنام المسلمين جميعا، وأمن وأمانعلى اخوتنا في فلسيطين.

عن المؤلف

أ.د سادسة حلاوي حمود ــ جامعة واسط ــ قسم تاريخ الأندلس والمغرب

اترك تعليقا