فکر و تنمیة

الخوف من التعبير عن الرأي ماذا وراءه؟

من الصحي ان يفكّر الانسان فيما يقوله ويحسب لكلام  الف حساب وحساب قبل ان يخرج عن سيطرته فيكون ملكا الناس لا ملكه، فالانسان حين يتفوّه بدون اخضاع كلامه الى نقاط تفتيش العقل سيخرج منه ما يرضي وما لا يرضي ومن هذا تنتج عدة مشكلات، لكن من غير الصحي ان يمتنع الانسان من التعبير عن ارائه خشية ان يُنتقد احد او يقال فيه شيء قد يزعجه، وهذا الخوف هو نوع من انواع الإرهاب يعرف باسم الخوف من التعبير عن الرأي.

يمكننا تعريف إرهاب اللودوكسافوبيا تعريفاً اجرائياً بأنه: الحالة النفسية والمزاجية التي تمنع الانسان من قول ما بجعبته امام الآخرين وهو ما يفوّت عليه فرص المشاركة في صنع القرار او اتخاذه وبالتالي يبقى هامشياً ليس له دور محورياً.

🔺 خوف الانسان من التعبير عن ارائه ومعتقداته فهو يؤشر بالضرورة لوجود مشكلة نفسية وحالة غير طبيعية تختفي وراء جدران النفس البشرية وتحرفها بهذا الاتجاه

في مناسبات عديدة تتولد لدينا رغبةً بالشعور بالبحث عن القبول من الآخرين فيما يخص حديثنا اوآرائنا الى الحد الذي يجعلنا نبحث عن الفردة المرضية لهم، فهم ضيوف عقولنا وبالتالي يشغلون تفكرينا بطريقة غير منطقية تؤثر على مستوى سلوكياتنا بصورة عامة، وفي هذا السياق يقول الفيلسوف الروماني ماركوس أوريليوس: “إننا نحب أنفسنا أكثر من الآخرين، لكننا نهتم بآرائهم أكثر من آرائنا”، سواء أكانوا أصدقاء أم أعداء أم غرباء.

  • لماذا نقلق من آراء الآخرين؟

الحضارة البشرية منذ الازل تعتمد على الانتماء للتجمعات سواء في القبائل او في العشائر او حتى داخل الاسر الصغيرة، وهذا ما يجعل الانسان يتحدث للمجتمع الذي يعيش فيه، لكن التسلط الذي كان سائداً يجعل من رفض كلام الفرد يعني رفضاً له وهو ما يعني الموت المؤكد من الجوع والبرد أو الحيوانات المفترسة، ما يفسر رغبتنا الغريزية في كسب استحسان الآخرين، والشعور بضيق عندما يمر بنا أحد ولا يلقي التحية على سبيل المثال.

اما اليوم فخوف الانسان من التعبير عن ارائه ومعتقداته يؤشر بالضرورة لوجود مشكلة نفسية وحالة غير طبيعية تختفي وراء جدران النفس البشرية وتحرفها بهذا الاتجاه، وهذا ما سنوضحه في الاسباب التي يمكن تؤدي الى هذا النوع من الإرهاب الاجتماعي المقلق للانسان.

  • لماذا يحدث الخوف من التعبير عن الرأي؟

يقول استاذ الطب النفسي الدكتور ديفيد ساك في مقالته المنشورة في موقع سيكولوجي توداي:  “يحتمل ان يكونالسبب في تعرض الافراد المرهبين من تعرضوا للتخويف والتهديد والتحديات حتى صارت المعاملة الحسنة شحيحة، لذا عليهم الكفاح لكسبه وبذلك هم افتقدوا الشعور بالأمان العاطفي والجدارة، ما قادهم إلى الاعتماد على آراء الآخرين للشعور بالأهمية والانتماء.

🔺 خوف الانسان من التعبير عن ارائه ومعتقداته يؤشر بالضرورة لوجود مشكلة نفسية وحالة غير طبيعية تختفي وراء جدران النفس البشرية وتحرفها بهذا الاتجاه

السبب الآخر هو التعرض للسخرية من قبل الآخرين ولو كان في مناسبة سابقة، حيث ان الكثير من الافراد حين يتعرضون لمثل هذه المواقف لا يمكنهم ان يأمنوا جانب من حولهم وبالتالي لا يتحدثوا عن اي قرار او اي موضوع مهم بحضور الآخرين وإن كانوا على صواب وهذا يحدث بسبب فقدان الثقة بالنفس.

  • كيف نواجه هذه المخاوف؟
  1. يمكن ان يواجه الانسان مخاوف التعبير عن رأيه بالعلاج المعرفي السلوكي الذي يمكن عبره اعادة بناء أفكاره المشوهة شيئاً فشيئا، مما يساعد على التخلص من مشاعر القلق والخوف والاحباط وباقي الاضطرابات الاخرى، ثم  ينتقل الانسان بعد ذلك إلى مرحلة علاجية ثانية تعتمد على استراتيجية التعرض التدريجي لظروف مزعجة مثل القمع للافكار.
  2. على الانسان المصاب برهاب التعبير عن الرأي ان يتعلم كيف يوزّع اهتمامته؛ فلا يمنح اولوية لكلام الناس وانتقاداتهم لان اغلبها غير مستحقة وغير عادلة، والاستغناء عن الاهتمام بها يجعله يتجنب التركيز على الجانب السلبي من الحياة والانطلاق نحو العمل على تحقيق الاهداف الحياتية، فلا كلام الناس ينفد ولا انتقادهم له حدود وما بين هذا وذلك يبقى الانسان هو الضحية.
  3. ثم من الاهمية بمكان ان يتدرّب الانسان على إبداء آرائه حتى يصل الى مرحلة الثقة الكاملة بالنفس، وبالتالي لن يتأثر بالانتقادات التي هي في الاصل يراد منها الانتقاص وليس التصحيح، وبهذه الامور الهامة يمكن للانسان ان يتعامل مع أي خوف يمكن أن يصدر إذا عبّر رأيه في موضوع ما.

عن المؤلف

عزيز ملا هذال/ ماجستير علم النفس

اترك تعليقا