ثقافة رسالية

واجتمع في جوارك مع المؤمنين

في حرم المولى الامام الحسين، عليه السلام، وفي ليلة الجمعة المباركة تصدح حناجر المؤمنين بذلك الدعاء الشجي (دعاء كميل) ومثل اي ليلة من تلك الليالي العظيمة يقرأ هذا الدعاء، إلا تلك الليلة سمعت ذلك المقطع: “واجتمع في جوارك مع المؤمنين” فارتعبت واضطربت مشاعري وكأني اسمعها لأول مرة: “مع المؤمنين”.

علينا دائما ان نراجع انفسنا، وان لا ننصاع خلف الدنيا التي بطبيعتها تأخذ بالإنسان شمالاً ويمينا وتبعده عن الاجواء الإيمانية،  فالشهوات والملذات من جانب وكذلك التحديات والضغوطات من جانب اخر تهجم على الإنسان بين فترة وفترة ومن كل ذلك نخرج بالسؤال الاتي:

من هم المؤمنين؟

وهل استطيع ان اكون مؤمناً؟

ومع من أكون؟

وعندما نرجع إلى القرآن الكريم، نجد منظومة من الآيات المباركة تصف المؤمنين

يقول الله تعالى: {يؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَـٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}.

  • الايمان بالله سبحانه

المؤمن موحد ــ لله سبحانه وتعالى ــ ومؤمن به، فهو يعي جيدا، أن هنالك يوم عظيم لا تنفع فيه الأموال ولا الأبناء، هنالك دار جزاء وبقاء، فيتطلب ذلك العمل الدؤوب والمستمر، ويتجلى هذا الإيمان في سلوكه وشخصيته، فينصح الناس ويأمرهم ،لأداء كل خير وحسن يرتضيه الله سبحانه والدين، وينهى عن المنكر. ومن صفاته يتسارع ويتنافس في عمل كل خير.

⭐ إن من صفات المؤمنين ابتعادهم  عن سفاسف الأمور فهم يترفعون عن ارتكاب الذنوب والمعاصي ولا يجدون لها طريقاً أبدا

المؤمن محافظ على صلاته خاشعاً فيها، لانها ــ الصلاة ــ تشكّل محورا مهما في حياته فهي بداية الانطلاق لكل عمل ونشاط في هذه الدنيا، فنجاح المؤمن وعلوّهِ وارتفاع شأنه مقدمتها الصلاة، وهذا ما نجده في القران الكريم {ويُقِيمُونَ الصَلاةَ}، فهي الحصن المنيع الذي يقف أمام الذنوب والموبقات: {إنّ الصَلاةَ تنهى عَن الفَحْشَاءِ والمُنْكَر}، وحتى يبقى المؤمن محافظاً على هذا الدرع صامدا، يخشع في صلاته، ويعرف أن الصلاة هي الوفود إلى الله سبحانه وتعالى،{الذِيْنَ هُمْ فِي صلاتِهم خاشعون}.

  • المؤمن مجانب الفواحش

إن من صفات المؤمنين ابتعادهم  عن سفاسف الأمور فهم يترفعون عن ارتكاب الذنوب والمعاصي ولا يجدون لها طريقاً أبدا، فهم أصحاب هدف ورؤية يعملون من أجل الله سبحانه، ودائما يجتهدون في تزكية أنفسهم وتربيتها رغم صعوبة الدنيا وما تحمله من اغراءات وشهوات عديدة، إلا أن المؤمن يقف شامخاً أمام تلك التحديات مع النفس الأمارة بالسوء، وحتى إذا وقع في الذنب سارع إلى التوبة والاستغفار، يقول ــ تعالى ــ: {وَٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمۡ يَغۡفِرُونَ}

  • المؤمن صبور

ان الصبر من اهم الصفات التي يجب ان يحملها كل مؤمن، و الله ــ سبحانه ــ دائما ما يذكر مفردة الصبر، لان الصبر يعني الثبات والصمود المستمر على عدة امور ليست بالهينة، وخصوصا الصبر على النفس لانه من اصعب الامور في حياة كل مؤمن ان يصبر نفسه ويقيدها عن ارتكاب الفواحش يقول ــ تعالى ــ: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} ان طبيعة النفس امارة بالسوء تحب الشهوات وتميل اليها فمن انصاع وراء نفسه ضيع بوصلة الايمان فالصبر هنا درع حصين لحماية تلك النفس.

بعد كل هذا هل استطيع ان اكون مؤمن؟ بكل تأكيد نعم عندما تتوكل على الله سبحانه وتعالى وتعمل بكل جهدك لتتصف بصفات المؤمنين ان تكون مؤمنا سهل لكن ان تبقى محافظا على ايمانك صعب لان كونك مؤمن لا يكفي.

مهما حملت صفات المؤمنين الكثيرة وهذا جيد لكن في هذه الدنيا وفي هذه الرحلة تحديات كبيرة وليست بالهينة، وحتى تبقى محافظا على نفسك وايمانك؛ اعلم هذا الدرع لا يستطيع ان يبقى صامداً محافظا على قوته امام تلك النفس الامارة بالسوء امام التحديات والضغوطات، فلن تصمد ان لم تكن مع مجموعة مؤمنة تحيط بك وتعطيك حصانة اضافية لتستمر بالمقاومة حتى لا تنهار امام ضغوط الحياة وشهواتها، {مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ}.

ان الله ــ سبحانه وتعالى ــ وضع صفات المجموعة الرسالية المؤمنة التي ينبغي لكل انسان ان ينتمي اليها ويحمل صفاتها ورؤيتها واهدافها

⭐ مهما حملت صفات المؤمنين الكثيرة وهذا جيد لكن في هذه الدنيا وفي هذه الرحلة تحديات كبيرة وليست بالهينة فلن تصمد ان لم تكن مع مجموعة مؤمنة تحيط بك وتعطيك حصانة اضافية لتستمر بالمقاومة

لكن ما صفاتهم؟

ان هذه الجماعة المؤمنة يتصفون بالعبادة المستمرة ولا تقتصر عبادتهم على الامور الواجبة والمستحبة من فروع الدين، وانما يعملون ليلا ونهارا من اجل الحفاظ على كيان هذه الامة المسلمة والمؤمنة؛ فهم يعملون في سبيل الله في اي وقت وتحت اي ظرف ويتميزون بصفات جعلت منهم قدوات صالحة للمجتمع {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

 فهم يبعدونك عن الذنوب والموبقات والمحرمات ويذهبون بك الى تزكية نفسك وتطهيرك فتكون انسانا مؤمنا صالحا، وليس هذا فحسب ان التجمع الايماني يضيف لشخصيتك القوة والمناعة فيجعل منك انسانا متكاملا لديك هدف في هذه الحياة تعمل من اجله، فتكون انسانا صالحا وهذه طبيعة الدين يضيف للإنسان اضافة متكاملة تجعله في اعلى عليين.

فهم يصنعون بيئة ايمانية رسالية متكاملة يجب على كل انسان سوي ينتمي اليها، فهم يتعبون ويعملون من اجل الله ــ سبحانه وتعالى ــ وهذا هدف سامٍ، فجاهد نفسك ان تبقى معهم وتصبر فهم سوف يأخذون بيدك الى جوار المؤمنين الصالحين.

وأخيرا: حتى لا اكون انا وانت تائه في دوامة هذه الدنيا الدنية يجب ان نبحث ونختار اناس مؤمنين، واخوة نتكامل معهم ونحافظ على انفسنا معهم ونعلو معهم حتى نكسب خير الدنيا والاخرة.

عن المؤلف

حسين علاء

اترك تعليقا