قانون

قانون الانتخابات العراقي الجديد: مزايا وعيوب نظام سانت ليغو

مع بدء الحديث عن اجراء انتخابات مجالس المحافظات احتدم الجدل حول قانون الذي سيحكمها، إذ لا تمر علينا انتخابات منذ انتخابات مجلس النواب المؤقت في عام 2005، وحتى يومنا هذا إلا ويثار فيها الجدل حول قانون الانتخابات، اي قانون يجب ان يكون هو الحاكم؟

  •  النظام الأكثري ام النظام النسبي؟
  •  دائرة واحدة ام دوائر متعددة؟

 قوائم مغلقة ام مفتوحة؟ والى آخره من الاسئلة التي يدور النقاش حولها في المحافل العامة والخاصة، بين الأهل والأصدقاء والمنابر والقنوات الاعلامية، لتصبح ترند الأحاديث كما يقولون؛ فيما لا يزال الشعب العراقي يبحث عن قانون إنتخابات ثابت ومستقر، حيث اعتمدت قوانين وأنظمة انتخابية مختلفة، وكان كل منها وليد الوضع السياسي السائد حين إجرائها، ما يؤدي إلى النتيجة التي تريدها القوى السياسية الأقوى عند إقراره، تجسيد للمثل العراقي القائل (كلٌ يجر النار الى قرصه)، او (كل يفصل الوضع على مقاسه). 

  • ما هو النظام الإنتخابي؟

يقصد بالنظام الانتخابي هي: مجموعة القواعد التي تنظّم عملية إنتخاب ممثلي الشعب، القواعد التي يتم بموجبها تحديد مفوضية الانتخابات وتقسيم الدوائر الانتخابية، وكذلك تشمل آلية الترشح للانتخابات وإجراؤها وفرز أصوات الناخبين وتحديد الفائزين وكل ما له علاقة بالعملية الانتخابية. فالنظام الانتخابي هو مجموعة التشريعات والقوانين المعمول بها والتي ينتج عنها انتخاب الجسم السياسي الممثل للشعب، كالبرلمان أو مجلس الشعب ومجال المحافظات وغيرها.

  • ما هي أهم الأنظمة الانتخابية في العالم؟

تنقسم الانظمة الانتخابية في العالم بشكل أساسي الى نظامين رئيسيين ويضاف إليهما نظام ثالث منبثق عنهما، وهما نظام الانتخاب الأكثري او الفائز بأكثر الأصوات، ونظام الانتخاب النسبي والثالث وهو النظام المختلط بين الاول والثاني.

  • نظام انتخاب الفائز بأكثر الأصوات (الأكثري):

يعد هذا النظام من أقدمها الأنظمة الانتخابية وأبسطها الذي يعتمد بشكل أساس على تعدد الدوائر، بل في معظم البلدان التي يطبقها فيها يتبع نظام الدوائر الفردية؛ اي ان يفوز من كل دائرة نائب واحد فقط، إذ يطبّق في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والكثير من دول الكومنولث التي كانت تحت الاحتلال البريطاني.

⭐ تنقسم الانظمة الانتخابية في العالم بشكل أساسي الى نظامين رئيسيين ويضاف إليهما نظام ثالث منبثق عنهما، وهما نظام الانتخاب الأكثري او الفائز بأكثر الأصوات، ونظام الانتخاب النسبي والثالث وهو النظام المختلط بين الاول والثاني

ويؤدي هذا النظام الى نتائج واضحة ومحددة من دون الحاجة الى عمليات حسابية معقدة، لاسيما إذا طبق من مرحلة واحدة، إذ ان من يفوز بأكثر الأصوات يعد فائزاً عن تلك الدائرة الانتخابية حتى لو كان بفارق صوت واحد، وتهدر جميع الأصوات الانتخابية الأخرى؛ بحيث على مما يؤدي الى نتائج غير متناسبة مع الواقع الخارجي، إذ من الممكن ان تفوز الأحزاب الكبيرة والمنظمة بتوجيه أفرادها في تلك الانتخابات على حساب الكتلة الصغيرة والمستقلين.

وقد عالجت بعض التشريعات هذه السلبية من خلال اجراء الانتخابات من مرحلتين، إذ تشترط حصول المرشح على نسبة معينة من الأصوات (كوتة)، اضافة الى اكتسابه أعلى الأصوات وبخلافه يصار الى مرحلة ثانية من الانتخابات تختصر على مجموعة ممن كسبوا أعلى الأصوات، حتى لا تذهب أصوات الناخبين هباء منثورا، وإنما بإمكانهم إعادة انتخاب الشخصيات المتبقية في المنافسة، وهذه معالجة لا بأس بها تتيح للمرشحين وأنصارهم من الكتلة الصغيرة ان يجمعوا أصواتهم من خلال الائتلافات في دعم من تبقى منهم في المنافسة.

وهذا النظام قد طبق بصورة مشوهة في في انتخابات تشرين لعام 2021 الأخيرة في العراق، إذ انه على الرغم من بساطة آلية الاحتساب واعتماد البطاقات البايومترية، والحساب الإلكتروني، إلا اننا شهدنا تأخيراً غير مبرر في إعلان النتائج هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنه لم يتم اعتماد دوائر فردية وإنما كانت حالة وسيطة بين الدوائر الضيقة والدوائر الموسعة، من دون اشتراط اجتياز النسبة، مما أدى الى ظهور نتائج غير متوقعة لكثير من الجهات.

  • نظام الانتخاب النسبي

وأما نظام الانتخاب النسبي المطبق في أغلب بلدان العالم ويتم اعتماد بشكل أساسي في معظم دول أوروبا الغربية، هو النظام الذي يتم فيه احتساب المرشحين الفائز لكل حزب سياسي او كتلة حسب بنسبة الأصوات التي يجمعها ذلك الحزب الو الكتلة، فهو يؤمن لكل حزب او كيان نسبة في التمثيل البرلماني تعكس نسبة الأصوات التي حصل عليها مهما كانت قليلة، ما يُعزّز مفهوم المساواة والعدالة في التمثيل الشعبي.

ويتطلب اعتماد هذا النظام ان تُجرى الانتخابات في دوائر موسَّعة، وليس الفردية؛ كي يُفسح المجال للكتلة الصغيرة والمستقلين ان يجمعوا أصواتهم من كل مكان تشمله تلك الدائرة ليكون منافسا على مقعد من مقاعد البرلمان او مجلس النواب.

فالانتخاب في هذه الحالة بخلاف النظام السابق يرد على القائمة او الكيان لا على الفرد مما يؤدي الى عدم وجود ارتباط مباشر بين الناخب والمرشح، وقد عالجت بعض التشريعات هذه الاشكالية من خلال القوائم المفتوحة سواء تلك التي شهدناها في انتخابات العراق الأسبق لانتخابات 2021، حيث يمكن ان اختيار مرشح من بين مرشحي القائمة بحيث تنتفع القائمة من أصوات ذلك المرشح إذا لم ينتفع بها مرشح آخر من القائمة ذاتها، اما القوائم المفتوحة التي يمكن ان يختار فيها الناخب مرشحين بعدد الاعضاء المرشحين للفوز عن تلك الدائرة، ليكون التمثيل تمثيلا حقيقا بين المرشح والناخب.

  • طريقة سانت ليغو المعدلة:

وهنالك طرق وقواعد متعددة في آلية احتساب المرشحين الفائزين في هذا النظام ولعل طريقة سانت ليغو المعدلة هي من أفضل صور توزيع المقاعد، إذ تطبق بهدف جعل عملية توزيع أكثر عدلاً، وتفتح المجال أمام القوائم والكيانات الصغيرة بالحصول على حصتها من الأصوات دون ان تذهب هباء منثور، وفيها يتم تقسيم الأصوات التي حصلها عليها كل كيان على الأعداد الفردية الصحيحة بعد توزعيها على القاسم الأول الذي يعينه القانون، الذي أصبح (1,7) في القانون العراقي بعد التعديل الجديد ليكون التقسيم على (1,7 – 3 – 5 – 7 – 9 – …).  

وحتى نبين كيف ان النظام النسبي الذي صوت عليه البرلمان العراقي قبل فترة ينصف النخب السياسية الجديدة والقوى الصاعدة لدخول البرلمان اكثر من نظام الفوز بالأغلبية الذي طبق في انتخابات 2021 بخلاف ما يتصوره البعض، وان هذا النظام يشجع على توسيع مشاركة الفئات الاجتماعية في تشكيل اللوائح الانتخابية، لابد ان نسوق مثلا يوضح الفرق بين النظامين:

فلو افترضنا ان هنالك ثلاث قوائم تتنافس على 5 مقاعد برلمانية وقد حصلت القائمة الأولى على 50 ألف صوت فيما حصلت القائمة الثانية على 40 ألف صوت، فيما حصلت القائمة الثالثة على 30 ألف صوت، فكيف سيكون توزيع المقاعد الفائز وفقا للنظامين؟

⭐ لا يوجد نظام انتخابي معياري معتمد عالميًا، وحتى في الدول التي تنتظم في اتحاد (كالاتحاد الأوروبي)، ثمة عدة أنظمة انتخابية، وأهم ما يميز أي نظام انتخابي هو قدرته على تمثيل الشرائح والطبقات والاتجاهات السياسية القائمة والعاملة في المجتمع المعني

بالنسبة لنظام الأغلبية فالموضوع بسيط جدا، فإن القائمة الأولى التي حصلت على 50 ألف صوت عن 5 مرشحين اي بمعدل 10 آلاف صوت لكل مرشح، أما القائمة الثانية فإن نصيب مرشحيها من الأصوات سيكون بمعدل 8 آلاف صوت لكل واحد منهم، فيما القائمة الثالثة فإن المعدل لكل مرشح سيكون بحدود 6 آلاف صوت، وبما إننا ننظر الى أعلى الأصوات بين المرشحين ذاتهم فإن القائمة الأولى ستستأثر بجميع المقاعد الخمس، قد لا يكون الامر بهذا الوضوح في الحياة الخارجية الا انه صورة توضيحية تقرب فهم المقصود.

أما في النظام النسبي فإن ذات الأصوات سيكون احتساب توزيعها مع وجود نسبة (1,7) حسب الجدول الآتي:

القوائمالأصواتتقسيم 1,7تقسيم 3تقسيم 5تقسيم 7
القائمة الأولى50,00029,41116,66610,0007,142
القائمة الثانية40,00023,52913,3338,0005,714
القائمة الثالثة30,00017,6710,0006,0004,285

ومن بين الجدول أعلاه نبحث عن أعلى 5 نتائج ليتبين لدينا القوائم التي فازت بها كل قائمة، وهم المؤشر عليهم باللون الأصفر، اي سيكون حصة القائمة الأولى مقعدين والقائمة الثانية كذلك فيما ستحصل القائمة الثالثة على مقعد دون ان تفقد أصوات ناخبيها وتذهب هباء، ويتم بعد ذلك النظر الى ترتيب المرشحين في داخل كل قائمة ليفوز أصحاب أعلى الأصوات حسب ما تحصل عليه كل قائمة.

ولا يخلو هذا النظام كما السابق من سلبيات إذ يحد من حرية الناخبين لأنه يرتكز على نظام القائمة، ويقلل العلاقة المباشر بين النائب ومنتخبيه. فضلا عن الأساليب الحسابية المعقَّدة للتوصل الى تحديد ما يحصل عليه كل حزب او كيان من مقاعد.

  • نظام الانتخاب المختلط

وتحاشيا لاشكالات النظامين لجأت بعض البلدان الى اتخإذ النظام المختلط كنظامي انتخابي لها، إذ تعتمد في الانتخابات المحلية كمجالس المحافظات مثلا الى اجرائه وفق نظام الأغلبية (الأكثري) والدوائر الفردية، ليكون رابط بين الناخب والمرشح في التمثيل المباشر إذ أعضاء المجالس المحلية مجالس المحافظات تعني بأمور محلية تمس الناخب بصورة مباشر، فيما تعتمد التمثلي النسبي في انتخابات مجالس الشعب او البرلمان، إذ ان القضية ترتبط بوضع التشريعات والسياسات العامة للبلد.

⭐ الذي يميز اي نظام انتخابي هو الاستقرار والثبات على التوليفة الأنسب وعدم تغيير القانون مع كل انتخابات حتى لا نشهد فصالا جديدا حسب مقاس من يتقلد السلطة في كل انتخابات

بخلاف ما جرى في العراق إذ تم اجراء انتخابات البرلمان وفقا لنظام الأكثري فيما جرى التصوت على اتباع نظام التمثيل النسبي في مجالس المحافظات، وهذا ما جعلنا نشهد ان الكثير من أعضاء البرلمان في هذه الدورة مع جل احترامنا لهم، لا هم لهم الا كسب ود جماهيرهم الذين انتخبوهم مما جعلوهم يبدون وكأنهم معقبي معاملات، ويكترثون كثيرا بالقضايا العامة.

  • ما هو أنسب تلك الأنظمة؟

لا يوجد نظام انتخابي معياري معتمد عالميًا، وحتى في الدول التي تنتظم في اتحاد (كالاتحاد الأوروبي)، ثمة عدة أنظمة انتخابية، وأهم ما يميز أي نظام انتخابي هو قدرته على تمثيل الشرائح والطبقات والاتجاهات السياسية القائمة والعاملة في المجتمع المعني، فكلما كان تمثيله أوسع كان هذا النظام أكثر قوة وقدرة؛ إذ الذي يميز اي نظام انتخابي هو الاستقرار والثبات على التوليفة الأنسب وعدم تغيير القانون مع كل انتخابات حتى لا نشهد فصالا جديدا حسب مقاس من يتقلد السلطة في كل انتخابات، هذا من جانب ومن جانب آخر ينبغي ان يكون ذلك النظام مرضي من قبل الجمهور ولا يشعر من خلاله بالغبن وضياع الحق، حتى يطمئن ويشارك بصورة فعالة في الانتخابات وفي تقويم الحكم سواء كان محلي او وطني، كما ولابد من التنبيه، إنه مهما كان نظام الانتخابات فإن استثماره من قبل السلطات لصالحها يعتمد على نسب مشاركة الجماهير، فإن الأحزاب والكتلة مهما كان لها من جمهور فإنه لا يتعدى الا نسبة قليل قبال معظم الشعب، فإن مشاركة الجماهير الفعالة حتما ستغيير تلك المعادل وتقلب السحر على الساحر ان صح التعبير.

عن المؤلف

محمد جواد منذور

اترك تعليقا