فکر و تنمیة

ما الذي يجعلك متحدثاً لبقاً؟

شاركت ذات مرة في ندوة علمية في احد المراكز البحثية وكان لافتة الندوة تعج بأسماء كبار الأساتذة المختصين بموضوع الندوة وكنت اعتقد اني سأستمع الى سيل عرم من المعلومات والافكار المتسلسلة المنمقة بعبارات تدل على الثراء اللغوي لهؤلاء الأساتذة، لكنني صدمت بطريقة حديث احدهم الذي بدأ يتأتئ وينتقل بين الافكار من اقصى اليمين الى اقصى الشمال، دونما مراعاة الترابط بين اطراف حديثه على الرغم من كونه ذو درجة علمية عالية غير انه اخفق في ايصال الذي كُنّا نود فهمه وهذا ما جعلني متقين ان الامر يشبه المهارة الى حد بعيد والعلم وحده ليس كافٍ لإتقان هذه المهارة الحياتية المهمة، فكيف يمكن للانسان ان يكون لبقاً وعلام يعتمد الامر؟  

يفتقد الكثير من البشر على اختلاف مستوياتهم الفكرية والثقافية الى الباقة في الحديث او لملمة الفكرة وايصالها الى المتلقي بالصورة المختصرة المفيدة، فلست مبالغاً ان قلت البعض يخسر فرصة عمل او يفقد تقيماً عالياً لعدم قدرته على التكلم باسترسال فيبدو عليه الارتباك تارة وتشتيت الفكرة تارة اخرى، وبالتالي تضيع بوصلته ولا يستطيع العودة الى جوهر موضوع النقاش او محور الحديث فيتعرض الى الحرج الشديد ويتعرض الى الانتقاد من المتلقين.

⭐ يفتقد الكثير من البشر على اختلاف مستوياتهم الفكرية والثقافية الى الباقة في الحديث او لملمة الفكرة وايصالها الى المتلقي بالصورة المختصرة المفيدة

في قبالة اؤلئك اصحاب القامات العلمية والفكرية تجد اناس ليس لديهم تعليم ولا وظيفة مهمة لكنهم متحدثين جيدين وحكماء متمرسين يقدمون لمن يستمع اليهم درراً كلامية قلَّ نظيرها مما يؤشر بالضرورة خبرتهم في الحياة وافادتهم من المواقف الحياتية التي عاشوها وكيف افادتهم في التحدث بالطريقة المشوقة التي تلقى استحسان الحاضرين والانصات لهم، للإفادة من فيضهم الغني بالحكمة والموعظة التي اصبحنا نتفقدها اليوم في غالبية مجالسنا.

  • كيف تكون متحدثاً لبقاً؟

ثمة محددات إن التزم بها الفرد سيكون متحدثاً بارعاً لبقاً يحرص جميع من حوله على سماع حديثه من دون ملل، بل واحيناً يستنطقونه  للرغبة في التمتع بما يقول، من هذه المحددات او فلنسمها النصائح هي:

اولاً: الانسان العاقل عليه أن يتجنب ان يتحدث قبل التفكير الجيد، وترتيب الافكار، اذ أن التحدث بدون تفكير يعمل على الزيادة في الأخطاء والوقوع في المشاكل، فأول ما ينبغي ان يحرص عليه اي فرد قبل البدء بأي حديث هو معرفة موضوع النقاش، ومعرفة فيما اذا كان لديه معلوماته حوله وحينئذ تكون مشاركة الانسان عن دراية وبالتالي تصطبغ بالعلمية والدراية، مما يسهم في لفت الناس اليه على عكس الذي يتحدث فقط ليتحدث، وهذا ما يمارسه الكثير من الذين يشعرون بالدونية والنقص وبالتالي يسعون للمشاركة الكلامية في محاولة منهم لتصدير صورتهم بالصورة المثالية.

⭐ ثقافة الانسان واطلاعه تجعل منه واثقاً من نفسه ومن فكرته التي يتحدث عنها وثقة الانسان بنفسه تعطيه زخماً كلامياً وبالتالي يكون لبقاً في التحاور مع الآخرين على عكس الشخص المتردد

ثانياً: من الاهمية بمكان ان يتحدث الانسان بصوت مناسب للمكان وموضوع النقاش، والامتناع عن السرعة في الكلام مع اي شخص، والحفاظ المستمر على الابتسامة الجذابة من الاشياء التي تجذب الجميع إليه، وتجعل كل شخص يتحدث إليه يحبه وهو يحاول ان يطيل الحديث معه، أملاً في الحصول على اكبر كمّ من اللذة المعنوية التي يحتاجها الانسان للنمو النفسي السليم الذي يوازي النمو الجسماني للانسان.

 ثالثاً: ان الوضوح في الحديث وعدم التطرق الى الامور الجانبية او التشعب في الاحاديث المملة التي لا تعد لها أي فوائد بالنسبة للمحيطين، فالاختصار من اهم الامور التي جعل الفرد المتحدث يبدو متمكناً وواعياً لما يقول، وانه لا يريد إدخال المتلقي في متاهات كلامية لا طائل منها مما يجعل الحديث مملاً، يتمنى لو انه لم يشترك في هذا الحديث ولم يحضر الى المكان اساساً. رابعاً: ثقافة الانسان واطلاعه تجعل منه واثقاً من نفسه ومن فكرته التي يتحدث عنها وثقة الانسان بنفسه تعطيه زخماً كلامياً وبالتالي يكون لبقاً في التحاور مع الآخرين على عكس الشخص المتردد، او غير الواثق بنفسه يكون اقل لباقة، ولا يمكنه إجراء محادثة او اجراء اي حوار مع أي زميله أو أي شخص يعرفه ولو كان يعرفه منذ زمن بعيد، وبالتالي تبقى افكاره حبيسة صدره لا يود طرحها تجنباً للحرج، كل هذه الامور واكثر هي من تجعل الفرد لبقاً في احاديثه، ثم اني اوصي نفسي ومن يقرأ كلامي هذا بضرورة الصمت إن لم يحسن ان يكون متحدثاً جيداً وتلك هي الحكمة.

عن المؤلف

عزيز ملا هذال/ ماجستير علم النفس

اترك تعليقا