ثقافة رسالية

الفلسفة التربوية والتعليمية في الحوزة العلمية

ما أسلوب الحوزة في تربية الطالب علمياً؟

ما المنهجية التعليمية؟

وما هو نظام الحوزة القادر على هذا التوليد المستمر للعقول؟

📌 ترتكز الفلسفة التربوية في الحوزة على قيم أخلاقية أهمها أن “العلم” يطلب لوجه الله، لا للرزق ولا للبيع، ولا للشراء، وهذا يعني استقلال طالب العلم عن أي قوة يمكن أن تستغل العلم

أبد هذا الموضوع بقصة حدثت حدث في آخر لقاء مع البروفسور روبرت غليف بعد أن طلبت من الأستاذ المشرف أن ينصحني، لا باعتباره مشرفا، بل كعالم في مجاله، فقال:

 “ستعود إلى بلدان الجامعة فيها مؤسسة حقيقية، فالأفضل لك أن ترجع للسباحة في بحرك الطبيعي، العميقة، وهي الحوزة”.

لم استوعب هذه النصيحة، والنصائح الأخرى إلا بعد عودتي بسنوات!

ترتكز الفلسفة التربوية في الحوزة على قيم أخلاقية أهمها أن “العلم” يطلب لوجه الله، لا للرزق ولا للبيع، ولا للشراء، وهذا يعني استقلال طالب العلم عن أي قوة يمكن أن تستغل العلم؛ الجبت منها؛ وهي شهوات النفس، أو الطاغوت؛ وهي القوى الاجتماعية.

كما ترتكز الفلسفة التربوية على قيمة أن العلم “يهتف بالعمل”، فالعلم يُطلب من أجل التزكية، وأن العالم الحقيقي هو العامل بعلمه قبل كل شيء، وأن العلم يزكو بالبذل والعطاء، لا بالاحتكار والمنع، بل إن إخفاء العلم في وقت الحاجة إليه إثم.

أما الفلسفة التعليمية، فهي مثلث من ثلاث أضلاع: الأستاذ، والزميل والمتن:

 الضلع الأول: الأستاذ، يلزم البحث عن الأستاذ الجيد المجيد، والتنادم معه ليجود عليك بعلمه وخبرته وتأديبه.

 العلاقة العلمية مع الأستاذ مزيج من التواضع والشجاعة الأدبية، التواضع بالتعلم منه، والشجاعة في الإشكال على ما يقول في الدرس، بل نوع تحدي لما يدرسه. الفيصل في هذا الضلع هو (الدليل)، فالأستاذ دائما يكون على محك الدليل، ومطلوب منه ألا يفوّت مطلبا بلا دليل، والتلميذ مطلوب منه ألا يجيز الاستاذ بالتجاوز عن مطلب بلا دليل، ومن خلال هذه الجدلية تنمو آفاق الطالب ومهاراته وملكاته.

 الضلع الثاني: الزميل، ودوره يوازي المعلم، فهو من يشدّ على يدك بالهمة العالية، ويؤنسك في وحشة طريق العلم، والأهم أن يكون لك “مُباحِثاَ”. والمباحثة نظام حوزوي بامتياز، يفضله الطلبة على ٨ ساعات من المطالعة.

في المباحثة أنت أستاذ على زميلك، وهو أستاذ عليك في اليوم الذي يليه. تنمي المباحثة مهارات البيان، والنقد، والتدقيق، والبحث، فلا يعتبر الطالب قد تعلم الكتاب إلا إذا تباحث فيه (ودرسه، وحشّى عليه). فالعلاقة مع الزميل تكامل معنوي فكري، علاقة فيها المباحثات شبكة التواصل والنمو العلمي.

الضلع الثالث: المَتْن، أي النصّ المدروس، وهنا تبرز أهمية خاصة في مجالات الدرس الحوزوي أنّه لا يزال يدور على متن تكون محوراً للدرس يحمع ثلاث أطراف: الأستاذ، والتلميذ، والزميل.

دوران الدرس والتحصيل العلمي على المتن تنمي عند الباحث جملة من المهارات متقاطعة في ثلاثة حلقات:

 الأولى: التفسير والفهم عبر تحليل مضمون المتن.

 الثانية: التواصل العلمي الجهود السابقة من الشروح والتعليقات.

 الثالثة: الجدل العلمي مع أصحاب الآراء والمقولات في موضوع المتن.

حصيلة هذه الفلسفة التربوية التعليمية طالب علم تنمو فيه نسبة كبيرة من الملكات العلمية، وعقلية بحاثة، وروح نقدية عالية، تتسم بالتواضع والشجاعة الأدبية، ومن ثمة حاضنة علمية ولادة للكفاءات بعيدة، تنمو في أجواء من الحرية والإبداع.

عن المؤلف

الشيخ حسن البلوشي

اترك تعليقا