رأي

ترك الزائرون كل شيء من أجل أربعين الامام الحسين.. هل تعلّم السياسيون شيئاً؟

فيما هم في طريقهم الى كربلاء المقدسة لزيارة أربعين الامام الحسين، عليه السلام، تلاحقهم الاسئلة؛ ما الذي يدفعكم لهذا العناء؟ ولماذا هذا الانفاق في المال والوقت، بدلاً من البقاء في بيوتكم آمنين، مرتاحين، تذهبون سيراً على الاقدام لمسافات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة في بلد يفتقر لكثير من الخدمات والامكانات؟ عن ماذا تبحثون في كربلاء؟! وما الذي سكتسبونه هناك؟!

ربما مقاطع الفيديو المنتشرة في الايام الماضية لم تتضمن الجواب على هذه الاسئلة بقدر ما كانت تظهر العزيمة والإرادة والإيمان من الصغار والطاعنين في السنّ، وفي النساء والرجال وهم يظهرون حبهم وولائهم للإمام الحسين من خلال زيارته في أربعينيته، بيد أن واقع الحال ينبئ عما يخفيه المقال، ولسان حالهم: “المشتكى الى الله”، فالملايين التي وصلت الى مرقد الامام الحسين، عليه السلام، تريد الاستضاءة بنور الإصلاح الاجتماعي والسياسي الذي رفع رايته الامام الحسين وضحى من أجله، فالجميع مبتلى بالفساد السياسي والاجتماعي، كما مبتلى بالانحرافات الفكرية، والفقر الثقافي، وفوق كل ذلك؛ مساعي الحكام لتكريس هذا الواقع الفاسد لمزيد من التحكم بمصائر العباد والبلاد.

فعندما أرى الزائرين من مختلف الجنسيات يقفون أمام قبة الامام الحسين وسط كربلاء، أخالهم قد التحقوا بموكب الإصلاح الحسيني الذي انطلق من المدينة ثم الى مكة، وفي نهاية المطاف؛ كربلاء التي يقفون على ترابها اليوم، فقد تعلموا؛ قيم التعاون، والتفاني، ونكران الذات، وكل قيم الخير والفضيلة، وتغييب الانتماءات العرقية والقومية والطبقية تحت راية الامام الحسين، ولتكون قاعدة انطلاق للإصلاح الحقيقي كما أراده لنا الامام الحسين، عليه السلام.

هذا ما حصل في كربلاء المقدسة خلال زيارة الاربعين، ولكن! ماذا عما حصل في بغداد العاصمة على مسافة مائة كيلومتر فقط؟!

في بغداد التي تضم كيانات سياسية شيعية تنتمي “اسماً” الى الامام الحسين، والى مدرسة أهل البيت، عليهم السلام، وقد حظيت بحصة كبرى في الحكم بأن ترشح شخصاً شيعياً ليكون رئيساً للوزراء، وهي أعلى سلطة في أي بلد بالعالم يطبق النمط البرلماني ضمن النظام الديمقراطي، و رغم مرور حوالي احد عشر شهراً على انتهاء الانتخابات البرلمانية لم يتمكن هؤلاء من تشكيل هذه الحكومة وسط استغراب و اشفاق الآخرين داخل وخارج العراق!

بعيداً عن التحليل السياسي في المواقف والرؤى وما قيل ويقال، بيد أن الواضح لنا أنهم يبحثون عن طريقة لتطبيق ما يدعونه بالإصلاح، فقد أعياهم الأمر، و راحوا يسوقون مصطلح “الانسداد السياسي” ليجعله الناس عنواناً لمشهدهم السياسي المأسوف عليه.

فهل هم بهذا القدر الواسع من الفاصلة مع قافلة الامام الحسين الإصلاحية؟!

أم عجزوا أن يكونوا مثل زائري الاربعين، يقتبسوا من نور النهضة الحسينية ما يساعدهم على حل مشكلاتهم؟

نعم؛ ربما يكون هذا التصور لدى البعض –ولا نقول الجميع- بأن الجلوس في قاعات الاجتماع، بالمنطقة الخضراء، او في الدهاليز المظلمة، او خلال الاتصال بالاطراف المعنية؛ اقليمية ودولية، كلها تجعل صاحبها يتوهم أنه فوق كل شيء، وأن خير الدنيا والآخرة بيده، أما مسائل مثل زيارة الاربعين، والحديث عن الدين والقرآن، وأهل البيت، عليهم السلام، فهو جيد جداً، و ينفقون له الملايين ليكون في الحسينيات والمساجد وفي مكانه الخاص مثل مدينة كربلاء المقدسة فقط، متناسين أن وجودهم اليوم في مراكز القرار السياسي إنما بفضل تضحيات خيرة الشباب العراقي منذ سني السبعينات ثم الثمانينات والتسعينات وهم يحملون مشعل النهضة الحسينية يواجهون به ظلمة الديكتاتورية الصدامية.

إن بول بريمر في الايام الاولى لوجوده في العراق، لم يزر مقار الاحزاب السياسية ليربت على اكتافهم لإسهامهم في الاطاحة بنظام صدام، وإنما زار غرف التعذيب في السجون، كما قال هو في احاديثه اليومية التي كانت تبث من التلفاز خلال فترة ادارته المؤقتة للعراق عام 2004، فمن تلك الغرف المظلمة انتزع الاميركيون مشروعية اجتياحهم العسكري للعراق، ثم الاطاحة بنظام صدام، فاعلنوا للعالم بأن “العالم سيكون أفضل من دون صدام”.

كم هي عظيمة مبادئ وقيم النهضة الحسينية في سهولة وسلاسة تطبيقها في حياة الانسان، أي انسان بالعالم، كونها رحمة و نور منبعث من السماء! وكم هم تعساء وبؤساء أولئك الذين يصعب عليهم تفهم هذه المبادئ، كما لو كانوا من سكان الغابات الاستوائية، او من مجاهيل القارة الافريقية او اللاتينية!

نسأل الله الهداية لانفسنا وللجميع لأن نوفق في إحكام الربط بين ما ضحى من أجله الامام الحسين في كربلاء، وبين واقعنا الاجتماعي والسياسي حتى نسعد في الدنيا والآخرة.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا