مناسبات

قيادة الإمام الحسين بين الجلال والجمال

 لعل من مصاديق الحديث النبوي الشريف: “حسين مني وانا من حسين”، يعني ان الراية التي حملها الإمام الحسين، عليه السلام، يوم عاشوراء كانت امتدادا للرسالة التي حملها النبي، صلى الله عليه وآله، يوم مبعثه، بل هي نفسها في المحتوى والمضمون، وان خلصتها ليست الا شيىا واحدا، الا وهو التوحيد وان لا اله الا الله وحده لاشريك له ونبذ الأصنام، سواء  بصورة الحجر، او بصورة الطاغوت.

  •  قيادة الإمام الحسين عليه السلام لركبه الحضاري

 إذا أردنا أن نتحدث عن قيادة الإمام الحسين، عليه السلام، لركبه الحضاري الذي اجتاز في حوالي أربعين منزلا من مكة المكرمة حتى وصل إلى أرض كربلاء، حيث وقف فرسه ولم يتحرك، فعرف الإمام الحسين، عليه السلام، انه وصل إلى المكان المطلوب فيه بناء الحضارة الإنسانية، وتجسيد الجمال الحقيقي للبشر في لوحة حقيقية واقعية لن يكون لها مثيل ولانظير عبر العصور والدهور، حتى يقوم حفيده باني الدولة الربانية والحضارة الانسانية على الحق والعدل، ويحقق حلم الأنبياء، والأوصياء، والأولياء، عليهم السلام، بشعاره المعروف”يالثارات الحسين”. هناك ستكون الحضارة الحسينية والتجلي الحقيقي للجمال الحسيني الذي رأته شقيقته السيدة زينب، عليه السلام.

📌 الإمام الحسين، عليه السلام، عندما خرج من المدينة المنورة لم يخرج طلبا للسلطة والحكم الظاهري، بل لتثبيت السلطة والحكم المعنوي الواقعي

الإمام الحسين، عليه السلام، عندما خرج من المدينة المنورة لم يخرج طلبا للسلطة والحكم الظاهري، بل لتثبيت السلطة والحكم المعنوي الواقعي، ولذا قال، عليه السلام: “اني لم اخرج اشراولا بطراولا مفسدا ولاظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، اريد ان امر بالمعروف وأنهى عن المنكر واسير بسيرة جدي وابي على بن أبى طالب، عليه السلام”.

فالامام الحسين، عليه السلام، في رائعته هذه جسَّد معاني الجمال في نهضته وقيادته المعصومة المباركة وهي، الإصلاح، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والسيرة بسيرة الكاملين من البشر محمد وعلي، صلوات الله عليهما، لان سيرة الكامل ستكون قدوة وأسوة في الكمال، والجمال، والجلال وبها امر الباري ـ تعالى ـ في قوله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}، فالله ـ تعالى ـ حاشا لمقامه العظيم ان يأمر بالتاسي إلا بمثاله في الجمال والجلال في خلقه وذاك رسوله الأكرم، صلى الله عليه وآله، ووليه الأعظم عجل الله ـ تعالى ـ فرجه الشريف.

خرج الإمام  الحسين، عليه السلام، كخروج موس الكليم من مدينة الظالمين، وذهب إلى أن يخدم نبي الله شعيب عشر سنين ويتزوج كريمته صفراء، كدورة تدريبية ليعود بعدهاعن طريق الصحراء القاحلة والمظلمة والموحشة فيتجلى الجمال النوراني من شاطيء الوادي الأيمن من طور سيناء في كلمة الباري ـ سبحانه ـ ويكلفه ويشرفه بحمل الرسالة إلى القوم الظالمين الذين شوهوا جمال الحياة بظلمهم وفسادهم في البلاد والعباد، وكذلك كان خروج الإمام الحسين، عليه السلام، على السلطة الأموية اليزيدية الظالمة المجرمة.

الجلال تمثل  في خروج الإمام الحسين، عليه السلام، من مكة المكرمة في يوم التروية والناس يخرجون إلى عرفات، حيث أحلَّ احرامه وقصد عرفته الخاصة في شط الفرات، ولكنه كتب كتابا لبني هاشم الأكارم فيه العجب العجاب حقا حيث قال لهم فيه: “أما بعد فإنه من لحق بي منكم  استشهد ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح، والسلام”. كيف لنا أن نفهم هذه الرسالة؟ اوندرك الفتح الذي يبشرهم به، وهو ذاهب إلى أرض كربلاء والشهادة يقينا.

 انه الجلال الولائي، والامامي، والمعصومي، فقيادة الإمام السبط الشهيد، عليه السلام، ليست كأي قيادة أبدا، بل هي قيادة خاصة لركب خاص اختاره الله على علم على العالمين، وكلفهم بحمل رسالته والذهاب إلى تلك الساحة التي هي قطعة من جنة الخلد ليبنوا عليها الحضارة الانسانية، ويبدأوا الرحلة بوضع حجر الأساس الحضاري للفتح الرباني الذي سيحكم العالم  في يوم من الايام، وذلك بعد أن يعم الظلم، والفساد، والاشر، والبطر، ويملي الطغيان كل البلدان فيقوم  حفيد القائد المظفر الإمام الحسين، عليه السلام، ليبني الحضارة الحسينية الراقية في دنيا الانسانية.

ورد في حديث عبد الله بن مسعود قال، صلى الله عليه وآله: “لولم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا مني او من اهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي يملأ الارض  قسطا وعدلا كما مليت ظلما وجورا”.

📌 الامام الحسين، عليه السلام، في رائعته هذه جسَّد معاني الجمال في نهضته وقيادته المعصومة المباركة وهي، الإصلاح، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والسيرة بسيرة الكاملين من البشر محمد وعلي، صلوات الله عليهما

 وفي حديث آخر:   “لاتذهب او لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي”، اي ان الدنيا لا ولن تنقضي حتى يظهر الجمال والجلال الحقيقي للحياة وكما اراده الله ـ تعالى ـ لها.

 قال ـ تعالى ـ: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ}، فالارض يرثها الحسينيون الحضاريون وليس غيرهم من البشر الذين شوهوا صورة الحياة وجمالها باعمالهم الطالحة، وافسدوا الدنيا بما فيها، وصدق ربنا حيث يقول: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

 ظهور الفساد يعني طغيان القبح على الجمال من هذه الحياة حتى لايكاد يظهر ويبين، وذلك لشيوع الفساد في كل مناحي الحياة البشرية، كما نرى اليوم حيث ملأوا  الارض بالدماء، وزرعوها بالاسلحة الفتاكة المميتةـ كأسلحة الدمار الشامل ـ وكأن الله أمرهم بتدمير الارض لا بتعميرها، وافسادها لا باصلاحها، فيا ويلهم ماذا فعلوا في هذه الدنيا من فساد.

عن المؤلف

أ.د سادسة حلاوي حمود ــ جامعة واسط ــ قسم تاريخ الأندلس والمغرب

اترك تعليقا