حدیث الناس

حتى لا ندوخ مع السياسيين

تعلمنا من السلطة غير الممثلة بشكل حقيقي للشعب أنها تخلق المشاكل والازمات لينشغل الناس بها دون ثغرة الشرعية السياسية المزيفة.

ويتذكر كبار السنّ هذا الاسلوب الرخيص منذ سبعينات القرن الماضي، عندما يتفاجئ المواطن بأزمة البيض، او أزمة الطابوق، وحتى أتذكر شخصياً؛ أزمة مسحوق غسيل الملابس! الى هذه الدرجة يكون النبش في معيشة الناس ومحاول  العبث بمشاعرهم ومقدراتهم، ثم جاء الدور للأمر الأعظم وهو؛ الحرب، بل والحروب التي ولدت الأزمات الامنية والسياسية الى هذا اليوم في العراق، بيد أن ما يتذكره كبار السن ايضاً؛ حجم التضامن والتكافل والتعاون وتفعيل سائر الخصال الاخلاقية في العلاقات الاجتماعية في محاولة شجاعة من ابناء المجتمع لايجاد التوازن مع الآثار السيئة والخطيرة لتلك الازمات والحروب المفتعلة.

📌 الخبراء للشأن الاجتماعي أقروا صلابة العراقيين وتجلّدهم أمام الازمات والصدمات، لاسيما تلك التي اعقبت الاطاحة بنظام صدام

طبعاً؛ الامر ليس مقتصراً على العراق، لاحظناه في بلاد اخرى مثل ايران واليمن وافغانستان التي فرضت عليها الحروب ولكن الناس هناك حولوا تلك الحروب الى فرصة لاختبار القيم الاخلاقية والانسانية ومدى القدرة على تطبيقها على ارض الواقع.

الخبراء للشأن الاجتماعي أقروا صلابة العراقيين وتجلّدهم أمام الازمات والصدمات، لاسيما تلك التي اعقبت الاطاحة بنظام صدام، حتى بات واضحاً للجميع أن هذا الشعب يدفع ثمن تأييده لعملية الاطاحة بصدام على يد القوات الاميركية عام 2003، بتعرضه لاشكال الموت المريع طيلة سنوات؛ بالاحزمة الناسفة، والعبوات، والسيارات المفخخة، والذبح، والاعدامات الجماعية.

وبعد الازمات المفتعلة، يبدو أن اصحابها وقعوا هم في شراك هذه الازمات السياسية بما بات يُسمى “الانسداد السياسي”، الى درجة من الانسداد أن يجهل أحدهم ـ حتى من الرؤوس السياسية الكبيرة- ماذا سيكون موقف هذا او ذاك يوم غد؟ هل ينضمّ؟ هل ينسحب؟ هل يغدر؟! هل يَصدُق؟!

والفضل من الله ـ تعالى- أن الناس ما يزالون محتفظون بقيمهم الاخلاقية والانسانية الى درجة كبيرة، ولم تلوثهم السياسة كثيراً، حتى الظواهر الاجتماعية السلبية، ومنها؛ الجرائم والمخالفات القانونية فانها لا تعدو أن تكون ممارسات تشهدها معظم شعوب العالم، وربما أشدّ وأكثر من العراق بكثير، إنما مشكلتنا في قوة الإعلام وشطارة الاعلاميين الذين لا يدعون صغيرة ولا كبيرة إلا يحصوها ويكبروها بأحجام مضاعفة.

📌 في بعض الاحيان نلاحظ الساسة (الحيتان) الكبار يصنعون الازمات لتحقيق مكاسب كبيرة، كما جرى السعي المحموم والمستميت على تمرير قانون “الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية”

فبعد التكافل الاجتماعي والوعي الاخلاقي الموجود بنسبة لابأس بها، بالامكان الانتقال الى خطوة متقدمة بالضغط على المسؤولين المحليين تحديداً ممن لهم الاحتكاك بالمواطن في المدن بخلاف ما يخوض في الدهاليز المظلمة بالعاصمة بغداد، فهؤلاء يمتلكون، ولو بعض مفاتيح التغيير لما هو فاسد، او تطوير المتهالك من الطرق والمدارس والمستشفيات والاسواق والدوائر الحكومية.

في بعض الاحيان نلاحظ الساسة (الحيتان) الكبار يصنعون الازمات لتحقيق مكاسب كبيرة، كما جرى السعي المحموم والمستميت على تمرير قانون “الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية” تحت تبرير حل الازمات المعيشية للناس، بينما عيون هذه الحيتان على الفائض العملة الصعبة لدى العراق من ارتفاع اسعار النفط، فلم يحتمل هؤلاء “الكبار” صبراً على هذه اللقمة الكبيرة والدسمة، بيد أن المشيئة الإلهية كانت حليف هذا الشعب المضطهد، ولم يتم التصويت عليه في البرلمان كما كان مؤملاً.

ولكن؛ في أحيان اخرى تكون يد الناس قريبة الى الساسة الصغار في بعض المحافظات لأن يؤشروا لهم ناصحين على نقاط القوة والضعف في أدائهم الحكومي، ثم التأكيد على أن الأولوية للمشاريع ذات الصلة بحياة أكبر عدد من الناس، وفي المقدمة؛ الماء والكهرباء والطرق للأحياء السكنية المبتلية بالمساكن العشوائية، والاتربة والاختناقات المرورية.

من منطلق العقل السليم، ثم من مبدأ الاخلاق والانسانية، أن يضمن صاحب الفندق الفخم، وصاحب المطعم الشهير بمأكولاته اللذيذة، ارباحهم من ارتفاع اعداد الزبائن المارين من شوارع معبدة ومخططة ومضاءة بالالوان الزاهية، الى جانبهم؛ يضمن صاحب المحل الصغير و”الجنبر” لبيع الخضار والفاكهة والمواد الغذائية والسلع المنزلية، هو الآخر، مصلحته التجارية بما يأمله من الربح البسيط، وبما إن شعار القانون في بلادنا، وفي كل مكان: “الجميع سواسية أمام القانون”، يفترض ان يكون الجميع سواسية في الحقوق ايضاً، طبعاً؛ مع الفارق في حجم الاستثمار والجهد المبذول لنكون دقيقين في نقل صورة النظام الاقتصادي في الاسلام، فالمهم تحقيق القاعدة التي أرساها لنا النبي الأكرم: “لا تَظلِمون ولا تُظلَمون”. وهذا ينجح ويتحقق بما يثيره الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالشكل البناء والمحترم بما يتناسب مع ثقافة المجتمع العراقي، وبما يجعل المسؤول الحكومي في زاوية لا مفر منها سوى العمل على تنفيذ مطالب الناس، ولو بشكل تدريجي.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا