بصائر

بوصلة السعادة في بيت الزوجية*

{وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}.

الاسرة حصنٌ حصين، وربنا يبين له في كتابه الكريم اعمدة هذه الأسرة وكيف يمكن لها أن تتحصن من الثغرات.

عادة ما تشيع الخلافات الزوجية وقليل هي الاسرة التي لا تعيش بعض الوقت في دوامة الخلافات، خصوصا في بداية المعاشرة، على الرغم من طيغان الميول الجنسية على تلك الخلافات، فبعض الناس يتصالحون ليلا، ويختلفون نهارا، والسبب في ذلك أنهم لم يقيموا قواعد الاسرة على أرض صلبة.

والقرآن الكريم في بعض الأحيان يحدثنا بالإطلاق والعموم، مثل قوله ـ تعالى ـ: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، ولكن في مواضع أخرى يبين القول تفصيلا ويبين المسائل الاشد أهمية والاكثر انتشار.

⭐ على الزوجين أن يهتما بهذا الجانب من الحياة الزوجية، وهو الجانب التثقيفي، فبدلا من أن ضياع الساعات في الالعاب الالكترونية والمراسلات غير الضرورية، يجب تكرس تلك الساعات للتثقيف

مثلا بعض الرجال يحاول ـ في فترة من الفترات ـ بعد أن يكتفي من زوجته او عند كبرها، ويمتد الخلاف بينهما، يفكر حينها باالزواج من امرأة اخرى، ولكن يفق المهر الذي بينه وبينها حاجزا دون ذلك، خصوصا أن بعض النساء تكون لديهن معرفة بالمستقبل فليجأن الى تثقيل المهر.

صحيح؛ أن المهر الذي حدده الله ـ تعالى ـ عبر النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، يكون بالاستحباب خمسين دينار ذهب، او خمسمئة درهم فضة، وهذا المهر الاسلامي، ولكن لسبب او لآخر، كأن يكون الزواج من بلد آخر، أو ان الزوج مطلاق يتزوج هذه، ويطلق الاخرى، أو لأي سبب كان، فإن المرأة تخاف وتجعل المهر مثقلا كضمانة وحين الطلاق تطالب به.

ولأجل ذلك لجأ البعض الى الضغط على المرأة لتتنازل عن مهرها، وترضى بما يسمى في حكم الشرع (الخلع أو المباراة)، فالمرأة في هذه الحالة تستصعب العيش مع زوجها، فتتنازل عن مهرها او نصفه مقابل أن يطلقها، ومن أجل الوصول الى هذه الغاية، يتعامل بعض الرجال مع زوجته بمعاشرة غير حسنة، ولا ينفق عليها، ويتهرب من مسؤولياته تجاهها؛ كأن يسافر كثيراً.

والله ـ تعالى ـ ينهى عن ذلك، فإذا كانت المرأة أو اهلها لا يعرف بما يقوم به الزوج، فإن الله محيط علما بما ينوي الزوج، ولذا فإن على الرجال الذي يسلكون هذا الطريق ان يراقبوا ربهم ويخافونه.

🔶 بصيرتان:

الاولى: هناك بعض الناس يتوفقون للوصول الى مراكز مرموقة في الدولة، كأن يكون نائب في البرلمان، أو تاجراً كبيرا..، بعد ان كان شخصا عاديا يدرس في احدى الجامعات، فأول عمل يقوم به هو التفتيش عن زوجة ثانية، ويحاول الضغط على زوجته التي هي أمّا لاولاده، وهذا للأسف منتشر في مجتماعتنا؛ خصوصا في ايران والعراق وفي مناطق أخرى.

وهذا يدل على عدم الوفاء والانسانية، وعلى الذاتية المطلقة عند هذا النوع من الرجال، فزوجته الاولى كانت معه في أحلك الظروف واصعبها، وبعد أن انعم الله عليه يتركها!

الثانية: هناك بعض العوائل يوجد لديهم اطفال معوقين، ولذا يجب عدم التململ من هكذا نوع من الاطفال، لانهم يمثلون البركة في البيت، فحين تقوم الاسرة بخدمة الطفل المعاق ينزل الله ـ تعالى ـ البركات على اصحاب البيت، لان حسابات الرب وتقديراته تختلف عن البشر، فهو ـ تعالى ـ لا ينظر الى صباحة الوجه وقوة الجسم، والوجاهة عند الناس، لكنه ـ جل وعلا ـ ينظر الى القلوب ، فلربما كان قلب ذلك المعوّق انظف من الاسوياء.

وهنا الخطاب موجه للذين آمنوا لان غير المؤمن ليس في مستوى الخطاب اساسا، يقول ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً}، وهنا معنيين في هذه الآية:

المعنى الأول: إذا كان الرجل في الجاهلية زوجة ولديه اولاد من غيرها، يأتي الابن الاكبر ويتزوج بزوجة أبيه، لكن الاسلام حرّم ذلك.

المعنى الثاني: أن يأخذ الرجل اموال زوجته كاملا بعد وفاتها، لكن الدين حدّد مقدار ما يرثه الزوج، وإذا أخذ أكثر من ذلك يُعد الزائد حراماً.

{وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ}، حتى يتمكن الرجل من أخذ جزء من المهر.

{إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}، والمقصود بالفاحشة هنا هو الزنا أو ما هو ادنى منه، والذي لا يتحمله الرجل من المحرمات.

الطريق الى حياة زوجية هانئة

{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وهذه الكلمة يجب أن نتدبر فيها ونتوسع في أعماقها، والمعروف له معنيين:

المعنى الشرعي: وهو ما بينته الآيات الكريمة، والروايات الشريفة من آداب وأخلاق.

المعنى العرفي: المجتمع لديه عادات وتقاليد متعارف عليها فيما بينه؛ وهنا لابد من ملاحظة مهمة على المسؤولين أخذها بعين الاعتبار، المفترض أن لا يتم اجراء أي عقد زواج حتى يجلب المقدمين على الزواج شهادة معهد ديني،  تثبت انهم تعلموا آداب العشرة وأخلاقها، واحكام الزواج.

لكن للأسف الحاصل اليوم، لا الزوج يعرف كيف يتعامل مع  زوجته، وهي كذلك، فإذا كانت المدة المفترضة لزواجهما ستين سنة، فكيف سيعيشان معاً؟

ولذا على الزوجين أن يهتما بهذا الجانب من الحياة الزوجية، وهو الجانب التثقيفي، فبدلا من أن ضياع الساعات في الالعاب الالكترونية والمراسلات غير الضرورية، يجب تكرس تلك الساعات للتثقيف، والمؤمن من صفات الاعراض عن اللغو، لانه امام مسؤوليات كبيرة يجب أن يحققها، فلا يوجد لديه الوقت الكافي لصرفه في الأمور التافهة والهامشية.

وكذلك على الموظفين قبل الشروع بالعمل الوظيفي أن يدخلوا معهد إداري وفقهي، والمعهد الفقهي مهم جدا، حتى يعرف الموظف الحلال من الحرام في الوظيفة، فكثير من الموظفين لا يعتقدون ان الرشوة حرام فهو يعتبرها هدية ولذلك ينتشر الفساد.

في زمن النظام السابق وبعد حرب الخليج الاولى سمح النظام بالفساد المالي لانه لا يوجد له اموال لصرفها على الموظفين، فسمح لهم بالارتشاء من الناس بطريقة أو بأخرى، وبعد انتشر الفساد ليس في الحكومة السياسية فقط وانما سرى ذلك الى الحكومة العميقة، ولذا فإن من اسباب اقتلاع جذور الفساد هو التفقه في الدين.

{فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}، قد لا يحب الرجل زوجته لكن ذلك ليس مقياسا، لان الله قد يحبها وينزل الزرق على البيت من خلالها، وعلاوة على ذلك هي أم الأولاد، فإذا طردها الزوج قد يسبب ذلك كره أولاده له، فتلك المرأة التي يظن البعض انه لا خير فيها نتيجة كره وما شابه، قد لا يعلم ان الله جعلها وسيلة للخير الذي يناله.

{ وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}. اذا احتاج شخص شيئا من آخر، فإن يقوم بحبك بعض الامور تجاهه، كأن يتهمه بالفاحشة وما اشبه.

⭐ هناك بعض العوائل يوجد لديهم اطفال معوقين، ولذا يجب عدم التململ من هكذا نوع من الاطفال، لانهم يمثلون البركة في البيت، فحين تقوم الاسرة بخدمة الطفل المعاق ينزل الله ـ تعالى ـ البركات على اصحاب البيت

{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} فبعد ان تصبح علاقة بين الزوجين فإن المهر يكون الزوجة وذلك يبدو من كلمة {وَقَدْ أَفْضَى}، وتشير الى الدخول والمباشر الجنسية.

وبعد أن يتزوجا يصبح بينهما عقد وهو بمثابة الميثاق، وهو ميثاق عليظ لا يمكن تجاوزه فإذا كان الرجل تجاوز الميثاق مع زوجته فكيف مع الناس؟ يقول ـ تعالى ـ: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً}.

ثم يبين ربنا جملة من المحرمات بالنكاح ومع أن هذا الامر واضح، إلا أن لهذا البيان فلسفة، {وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً}، فلا يجوز للإنسان ان يتزوج بامرأة ابيه بأي شكل من الاشكال، لان ذلك خروج عن الآداب لانها زوج الأب بمثابة الام.

ثم يبين ربنا جملة من المحرمات وهو واضحة، لكن لابد من بيان بصيرة مهمة وهي: أن في بعض الحضارات السابقة كان الرجل يتزوج من أخته، أو خالته، أو عمته، وكان هذا الزواج مساغا عندهم، ولازالت بعض الاديان كالمجوسية تجوّز الزواج من الأخت، لكن ربنا حرّم ذلك؛ فلماذا كان هذا التحريم؟

نقرأ في بعض القصص وربما وجدت مشاهد في بعض الافلام، أن الاخ يقتل أخيه كي يتزوج من الأخت، ومن ثم ينشب صراع بين الاخوة وتتفكك الاسرة، وبدل أن يكون محيط الاسرة محورا للتعاون والتكافل والعمل الالهي، يتحول الى محيط للرغبات والشهوات الجنسية السافلة، ولذلك حرّم ربنا مثل هذه الزيجات كما بينته آية التحريم في سورة النساء.


  • مقتبس من محاضرة للسيد المرجع المدرسي (دام ظله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا