مناسبات

من جبل النور بُعث النور فانقشعت ظُلمة الجاهلية

من هناك  بدأت الحياة، و ولد الامل، و انحسر الألم، و استجيبت دعوة المظلومين من الضعفاء تحت ظلم الجهل والجهلاء، الغارقين في عيش حياة الغاب؛ الحق فيها في كنف الاقوياء.

نعم؛ انه النور الوضّاء الذي هزم الليل الطويل بلا قمر.

أوهج الحياة عدالةً بلا سقم النظر

فاستبشرت تلك الفتاة الصغيرة التي ولدت ثم اُقبرت بلا ذنب، فاليوم انتهى عنها قانون الوأد والقهر.

انه يوم الانتصار على الاستعباد، وسلب حق النساء والضعفاء، يوم ابتعثت الحياة في حياةٍ كان الناس فيها موتى لحزنهم او أُسارى مُنقادين للجهل وعبادة الاحجار والاوثان، حكامهم يمرحون بالقتل والهرج والمرج، ويعتاشون على الربا والنخاسة والرثاء والهجاء، هم لم يكونوا رُعاة أغنام بُسطاء، لا يفقهون شيئا، بل كانوا عرب أقحاح بالأدب والشعر والفصاحة والبلاغة.

 وهنا المصيبة أعظمُ، فجهلهم مركب؛ أي غير سهل، فالزعماء منهم كانوا يعرفون الحق فيُحرفّوه، ويؤسسون لأنفسهم  قوانين بما تشتهي انفسهم وتهوى، فيسمحون لأنفسهم بكل ما تمنعه الشرائع والسُنن، ويمنعون ما كان حلالاً، ويعبثون بالأرض فساداً، يزدرون ذو الاخلاق والعلم، ويعظّمون ذو المال والعبيد.

إلا ان رغم انفهم، كانوا يحترمون الفتى النزيه، والمتفرد بصدقه وإخلاصه، المُتخلّق بأخلاق سلالته الطاهرة عن كل رجس، ذاك هو الحبيب الامجد، عندما بلغ سن الاربعين ولحكمة الهية، في يوم السابع والعشرين من شهر رجب، من على جبل النور، وفي غار حراء الذي اعتاد على التعبد والتواصل بينه وبين حبيبه الخالق، إذ كانت قريش تفتقده في كل فترة، تبحث عنه لتجده يتعبّد بطريقة لا يفهمونها.

لم يكن، صلوات ربي عليه، إلا أرضاً خصبة لتُوكل له أسمى، و أعلى، وأصعب مَهمّة على وجه الارض؛ قيادة الامة انطلاقاً من اولئك القوم المعقدين بسلوكياتهم ومبادئهم وعبادتهم، فنزل وحي الله جبرائيل، عليه السلام، ليُبشّر البشرية ببداية عهدٍ جديد، عهد التوحيد وعهد المبادئ والقيم القيّمة، فنثر عبق اول الذكر:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}

فأول طلب إلهي من معلم الامة وهاديها؛ القراءة والكتابة، فالقلم رمز الانكشاف على الحقائق، وسلاح الانسان لمقارعة الجهل الذي يعشقه الشيطان، فالجهالة تصب في ذلك الانسان، والسخرية منه تصقله ليكون ارض خصبة للمزالق والمهاوي واقتراف المحرمات، والجاهل المتعمد المتكبر هو اسهل اداة لتصرف ابليس وجنوده، لذلك الرسالة الإلهية الاولى، والشعاع النوراني الاول لإنقاذهم من تلك الحفرة المظلمة هو التعلم، ومسك القلم والتحرر من غياهب الجهل والسير على صراط منهجي صحيح، وخصوصاً اذا كان هذا التعلم يقودهُ مُنقذ البشرية محمد، صلوات الله وسلامه عليه.

🔶كيف للعلم أن يكون اداة للشر؟

ولان بين المتعلمين والممسكين للقلم المعرفي هم خدام للجهل والتجهيل، ومأجورين لهدف شيطاني، ومتملقين لحكامهم، كما هو حال الاسرائيليات، وبعض الروايات التي ادخلوها عنوة بقصد التقليل من شأن النبي وأهل بيته، فعندما كنّا صغاراً يعلمونا عنوة ً ان المبعث هو يوم الحسرة والخوف ونزول الرعب على النبي محمد، وانه ذهب الى ورقة بن نوفل، وهو من أقرباء السيدة خديجة، وأنه هو الذي طمأن النبي وأذهب عنه الخوف والقلق، وبشره بالنبوة!

أولاً: كيف لشخصٍ يذهب بين الفينة والاخرى ليتهجّد في جبل بعيد عن السكان، يبقى أيام عديدة هناك، وفي ظلام الليالي، ثم يشوب قلبه الخوف؟!

ثانياً: لو نتساءل عقلاً؛ لماذا الوحي صوره بهذا الرعب حتى انه “قد عصر النبي ثلاث مرات”! حسب رواياتهم المزعومة، وجعل النبي في ذروة الخوف والرعب، حتى فقد وعيه، و اراد ان يهوى من فوق جبل النور !

وهل يعقل هذا؟ تمثل الوحي على شكل شخص سويّ لمريم، وهكذا يصوره القرآن الكريم، فلماذا في كتبهم صوروه بهذه الهيئة المخيفة؟ أليس المقصود التقليل من شخص النبي وانقياده لورقة وغيره؟

وما الجدوى من افزاع النبي، وهو سيستلم مهمة كبيرة؟ ثم الطامة الاخرى؛ لماذا يعترض، ولا يريد ان يقرأ؟! أليس في ذلك تناقض، فالخائف المرعوب من تلك الهيئة سيقبل بأي شيء كان وبأي طلب.

تلك الاسرائيليات وغيرها يجب الانتباه لها والحذر منها أيما حذر، ان بعض الآباء والامهات فرحون أن اولادهم يشترون الكتب ويقرؤون، وفعلا هو امر مفرح جدا، إلا انه من المهم بمكان أن نعرف ماذا يقرؤون، فهناك هجمة مخيفة على شبابنا وبناتنا بتحريف فكرهم وجرهم الى الالحاد من خلال طرح سمومهم، وتساؤلات يضعونها في اذهانهم، وهذه المحاولات ليس جديدة، انما بدأت مع بداية الدعوة الاسلامية، لان النور الاسلامي سحب البساط من تحت اقدامهم وافسد عليهم كل مصالحهم.

يوم المبعث النبوي، هو اليوم العالمي لمحاربة الجهل والانتفاض عليه، لنبدأ من أسرنا ومجتمعاتنا، ألا يجدر بنا كمسلمين واعين ان ننشر هذه الفكرة في كل مكان؟

اعتقد بجزم انها مسؤولية الجميع، وأقل القليل نشر الفرح والسرور، و اجمل التعابير.

فكل عامٍ ونحن لرضا رسولنا الكريم  أقرب.

عن المؤلف

كوثر عمران

4 Comments

اترك تعليقا