بأقلامکم

الإمام علي بن أبي طالب منبع الانسانية والتعايش السلمي

لو تمعن ذو لُبٍ، أياً كان دينه ومذهبه في منهج الاسلام وتعاليمه وحياة أهل البيت، عليهم صلوات الله وسلامه، لأدرك من دون جدل أو شك، أنهم المنبع الحقيقي لحقوق الانسان، ومتطلبات الحياة الحرة  الكريمة، والتعايش السلمي بين الاديان، والاختلافات المذهبية والفكرية، والتعددية الفكرية، كلها تنبع من بيت الرسالة وموطن الوحي؛ البيت المحمدي العلوي الفاطمي، صلوات الله عليهم.

فالشريعة ـ الالهية – الاسلامية فتحت ذراع المصالحة لكل البشر ففي يوم فتح مكة، إذ كان في إمكان رسول الله أن يسحق اعداءه الذين اذاقوه مر حقدهم وشرهم، لكنه لم يفعل انما قال: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، ويمثل هذا وثيقة أممية أبدية جسدت  أسمى معاني التسامح والتعايش السلمي.

الإمام، علي بن أبي طالب، عليه السلام، لمْ يجتهد في نشر ثقافة التعايش فحسب، بلْ ساهم في تهيئة  وبناء وصناعة الوعي الانساني من أجل ان يصل بنا لمستوى التعايش الايجابي

وها هو خليفة رسولنا  مولانا أمير المؤمنين الإمام، علي بن أبي طالب، عليه السلام، لمْ يجتهد في نشر ثقافة التعايش فحسب، بلْ ساهم في تهيئة  وبناء وصناعة الوعي الانساني من أجل ان يصل  بنا لمستوى التعايش الايجابي، فكان، سلام الله عليه، في سلوكه الرسمي وغير الرسمي والفردي والاجتماعي وفي كلّ الظروف والأحوال آية وقدوة للتعايش ودعائمها، لينقل التعايش بمقوّماته من المخزون المعلوماتي للبشرية إلى  الواقع الحياتي  فيترجم التعايش الايجابي  في النوايا والسلوك.

فأين نحن اليوم من ثقافة التعايش مع هذا المنبع الانساني الزاخر؟

إذا ما طرقنا باب مدينة الحكمة يأتينا اول الجواب، ففي رسالة الامام علي بن أبي طالب، عليه السلام، إلى مالك الأشتر النخعي، روى لإمام محمّد بن الحسن الطوسي – من أعلام القرن الخامس- بسند صحيح، (هذه المعاهدة او هي خارطة طريق تأخذ الحكام والبشر لحكم انساني يتربع القمم) قوله عليه السلام:   “وأشعر قلبك الرحمة للرعية  والمحبّة لهم  واللطف بهم  ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم  فإنّهم صنفان : إمّا أخ لك في الدين  أو نظير لك في الخلق  يفرط منهم الزلل  وتعرض لهم العلل  ويؤتى على أيديهم في العمد والخطإ  فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه  فإنّك فوقهم  ووالي الأمر عليك فوقك  والله فوق من ولاك  وقد استكفاك أمرهم  وابتلاك بهم”.(نهج البلاغة) .

الشريعة ـ الالهية – الاسلامية فتحت ذراع المصالحة لكل البشر ففي يوم فتح مكة، إذ كان في إمكان رسول الله أن يسحق اعداءه الذين اذاقوه مر حقدهم وشرهم، لكنه لم يفعل انما قال: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، ويمثل هذا وثيقة أممية أبدية جسدت  أسمى معاني التسامح والتعايش السلمي

فقد اعتمد في الأمم المتحدة؛ كونه من أوائل العهود الحقوقية والتي حددت الحقوق والواجبات ما بين الدولة والشعب؛ فبعدما طرق هذا العهد أذن الأمين العام للأُمم المتحدة (كوفي عنان)، تم وترشيحه بأن يكون أحد مصادر التشريع للقانون الدولي، وبعد مداولات استمرّت مدّة سنتين في الأمم المتحدة صوّتت غالبية دول العالم على أن يكون عهد علي بن أبي طالب، عليه السلام، لمالك الأشتر أحد مصادر التشريع للقانون الدولي، وقد تمّ بعد ذلك إضافة فقرات أُخرى من نهج البلاغة، فضلا عن عهد علي بن أبي طالب، عليه السلام، كمصادر للقانون الدولي. 

في الحقيقة هي بضع كلمات لكنها اسس لحياة متكاملة رسمت خارطة لجغرافية الحياة الموزونة ترفل بظل قانون يؤمّن للجميع حقوقهم اولها حق العيش بكرامة لكل الناس ايً كان مذهبهم ودينهم تطبيقاً لقاعدةٍ إلهيةٍ قرآنية: {لا اكراه في الدين}.

 ثم اكد مولانا على المفاهيم الاخلاقية التي تعد ركائز ودعامات للتعايش الامن والمستقر بين افراد الاسرة والمجتمع صعودا (التسامح والعفو والمحبة) حماية حقيقة لكل العلاقات الانسانية، فلننظر لأنفسنا ونذكرها أنحن  نحمل اسم مذهب علي ابن ابي طالب، عليه السلام، انحن معه ام مع اضداده؟

اين نحن من عدالته وانصافه؟!

ألا يجدر بنا الانتباه تسير بنا الحياة نحو المظاهر الخداعة، وانا ابن فلان وهو ليس بمنزلتي، وهذا عمله كذا كيف يجرؤ ان لا يناديني بسيدي او استاذ وهذا كذا وذاك كذا تعالياً وتعجباً بأنفسنا وعشيرتنا وعوائلنا وشهاداتنا الم يؤدبنا اميرنا علي، عليه السلام،  بقوله: “التواضع رأس العقل والتكبر رأس الجهل” و”سلم الشرف التواضع و السخاء”.

 من نحن؟ السنا من ادم وادم من تراب الا يجدر بنا ان نعالج انفسنا قبل ان يسيطر علينا مرض الكبر والتمييز والعنصرية الجاهلية؟

نحن سلسة؛ احدنا يكمّل الاخر لا يميز احدنا عن الاخر الا بالتقوى  وخدمة الناس “خير الناس من نفع الناس”

اذاً؛ الحاجة إلى إرساء ودعم وتثبيت مفاهيم التعايش وغرسها  حاجة ماسة وضرورية،  فيتحقق معنى التعايش اولا  بقبول الاخر والرضا به ايّاً كان  شكله ولونه ودينه، وصولاً الى التعايش تحقيقاً للامن ولهوية الاسلام الحقيقي بالأخلاق والسلمية، فلم يعد الإسلام التنوع في العرق واللون حاجزاً بين البشر، فكلّ الناس عند الله عزّ وجلّ، وفي النظام الإسلام وقانونه؛ سواسية، لا فرق بين عربي وأعجمي، قال  ـ تعالى ـ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} وقال: {وَمِنْ ءَايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}. وهذا اقرار صريح بالتعددية وقبول الاخر والعمل على نفعه وخدمته ونصحه.

أما في الغرب، فإنّه؛ وإن كانت هناك جملة كبيرة من القوانين التي تمنع التمييز، وتقاومه، إلاّ أنّها لم تلامس عقلية وسلوك الكثيرين من الغربيين ونفسيتهم، فحوادث التمييز العنصري القائم على العرق واللون أكثر من أن تعدّ في المجتمع الغربي.

اما مولانا امير المؤمنين فقد عمل لتكريس التعايش بزرع مقوماتها مفهوماً وممارسة كالتعددية والتسامح واللاعنف، ونذر نفسه الطاهرة لتكريس وتأصيل مقومات التعايش، وعلى رأس تلك المقومات العدالة. اذ ان التعايش السلمي منبعه الاصلي الزاخر بيت الطهر محمد واله عليهم صلوات ربي وسلامه عليهم اجمعن يدعونا نغترف منه لنروى.

عن المؤلف

كوثر عمران

اترك تعليقا