حدیث الناس

عريس يفرح وأطفال يرتجفون!

أكد علماء النفس، وعلماء الاجتماع، متفقين مع منطق العقل والفطرة السليمة أن الفرح والسرور، وكل مفردات السعادة يكون لها الطعم اللذيذ عندما ترفرف على رؤوس اكبر عدد من الناس المحيطين، وقد ثبت من صميم الواقع كيف أن أهل البر والعطاء يشعرون بالنشوة والارتياح النفسي وهم ينظرون الى أب يحصل على سقف آمن يعيش تحته مع زوجته واطفاله، او شاب يتمكن من الزواج من فتاة حياته، وهكذا سائر المبرّات والايادي البيضاء التي تشعر اصحابها بأنهم حققوا شيئاً عظيماً، حتى هذا العريس نفسه؛ مع قلّة ذات اليد، نراه يشعر بفرحة ثانية عندما يجد المدعويين يتقاطرون عليه ويتناولون من طعام الزفاف، ثم يباركون له بالخير والبركة، كما علمنا رسول الله، صلى الله عليه وآله.

ولكن!

أولئك العلماء والخبراء يقفون حيارى أمام ظاهرة غريبة غير مفهومة عندما يكون العريس، -وهو على سبيل المثال لا الحصر- ليس فقط يحتكر الفرح والسعادة والرخاء لنفسه فقط، وإنما يطلق شرار الخوف والفزع الى مساحة واسعة من البيوت والمساكن ليصكّ أسماع الاطفال والنساء، وربما المرضى الراقدين بأصوات الرصاص بحجة وصول او ذهاب موكب هذا العريس لاصطحاب العروس او غير ذلك من المراسيم الخاصة.

ما هو شعور العريس، وأيضاً اقربائه و أصدقائه وهم يحملون مختلف اشكال الاسلحة الخفيفة ويطلقون الرصاص بشكل متسلسل مريع وسط حي سكني تحيط بهم عشرات الدور تسكنها النساء والاطفال؟

من المهم جداً للعقلاء والاخيار، فضلاً عن المسؤولين ـ بين قوسين- في الدولة البحث عن اجابة لهذا السؤال، لربما يكون مدخلاً لايجاد حلول لهذه الظاهرة القديمة.

ما هو شعور العريس، وأيضاً اقربائه و أصدقائه وهم يحملون مختلف اشكال الاسلحة الخفيفة ويطلقون الرصاص بشكل متسلسل مريع وسط حي سكني تحيط بهم عشرات الدور تسكنها النساء والاطفال؟

لو وضعنا القضية على طاولة الشرح؛ هنا ابتهاج وسرور، أصوات الزغاريد (الهلاهل) والتصفيق، وهناك على بعد خطوات رعب و فزع بفعل أصوات الرصاص! فكيف تجتمع الحالتين في مكان واحد؟! والسؤال الأشدّ: ولماذا يجب خلق مثل هذا المشهد المتناقض؟!

هل هناك شعور بالتفاضل والتعالي ـ مثلاً- من وراء هذه الممارسات، و أن هذا أعلى من ذاك في المكانة الاجتماعية؟

ربما يفسرها البعض بأنها من مخلفات التقاليد البدوية التي تقول بأن الرد على أخذ فتاة من هذه الخيمة الى خيمة اخرى، يستدعي إظهار القوة للزوج وأهله بأنهم موجودين في مكانتهم الاجتماعية، لم ينتقص منهم شيء بأخذ الفتاة منهم! او ربما يكون لإظهار القوة للزوج وأهله بأن يحذروا من مغبة إلحاق الأذى بابنتهم، أو تفسيرات وتبيريرات أخرى ربما تكون وجيهة في محيطها الاجتماعي الخاص بها في مناطق صحراية او ريفية مفتوحة، وليس في مكان تحيط به على الأقل عشرين الى ثلاثين بيت يسكنه حوالي مائتي انسان، أما اذا كان المكان من ذوي السكن العمودي (الشقق) فالمصيبة أعظمُ.

بحثنا مع الأخوة الاعزاء في هيئة التحرير عن سبب انتشار ظاهرة رفع صوت الاغاني في السيارات، والمطاعم، والاماكن العامة مما ينتهك بشكل صريح الحرية الفردية، ويكون الانسان مجبراً على سماع ما لا يريد سماعه، او رؤيته حتى، فكانت النتيجة؛ سكوت المجتمع عن كل هذا أعطى الشرعية لسائق التكسي، او صاحب المطعم، وغيره ممن يرتبط مصيره الاقتصادي وربحه بالزبون مع أفراد أسرته، لأن يشغل ما يعجبه من الاغاني والموسيقى، وهو ما نلاحظه ايضاً في حفلات الاعراس بشكل منتظم وطبيعي لا يتجرأ أحد بالاعتراض عليه.

الآداب الاجتماعية لن تكون ذات معنى من دون أطر وضوابط تضع كل شيء في مكانه الصحيح، وهذه الضوابط تستقيم بوسيلتين على خطين متوازيين: الزجر، والنصيحة، بما يسميه العراقيون (عين وخد)، وقد أثبتت التجربة أن الغالبية العظمى من العرسان المبهورين بزفافهم وسياراتهم الفارهة وملياراتهم، وايضاً اصحاب المطاعم الفخمة، وحتى سيارات الأجرة وكل ذي صلة بمجاميع الناس ضمن المجتمع الواحد، لن يرغبوا بمواجهة الرأي العام الناصح لهم بخطأ ما يفعلون، فهم في كل الاحوال ينتمون الى هذا المجتمع، وترتبط مصالحهم بالمصلحة العامة وبأذواق الناس وتفاعلهم واستجاباتهم.

و بقدر ما نعد المشكلة سهلة الحل، نجدها صعبة ومحرجة جداً عند البعض ممن يعدون نصح العريس وأهله نوعاً من التعكير على أجواء البهجة والسرور، وربما يتخوف البعض من إلصاق تهمة التشدد والتطرّف! وهي طامة أخرى تضاف الى سوء هذه الظاهرة التي نتحدث عنها، أو ان دعوة سائق التكسي الى إيقاف تشغيل الاغاني والموسيقى يسبب له حرجاً وربما يعترض علنيا و…!  

كلمة هنا وكلمة هناك، من شأنها ان تخرس البنادق والمسدسات وبكل قوة وثقة، عندما تكون هذه الكلمات قوية تنطلق من نفوس قوية ايضاً وأبيّة، يتعلم منها الطرف المقابل الطريقة الصحيحة للتعامل مع الآخرين وهو في عزّ ابتهاجه وسروره، ليشرك الآخرين ابتهاجه وسروره لا أن يهديه الفزع والرعب والبكاء وهو ضاحكاً مسرورا.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا