قراءة فی کتاب

الامام الحسين، عليه السلام، مسؤولية الأمة 3-3

في القسم الثالث والاخير نتصفح الباب الثالث من هذا الكتاب القيّم، لنصل الى النقطة الانفجارية في الكتاب وهي؛ مسؤولية الأمة عن دم الامام الحسين، عليه السلام، بعد ان مهّد سماحة الشيخ المؤلف لهذه الفكرة المحورية بداية؛ بالمعرفة في الباب الأول، ثم زيارة مرقده الشريف في الباب الثاني، وهنا نكون أمام مسؤولية إراقة دم الإمام الحسين في واقعة عاشوراء، بما يعني أن المؤلف يوسع دائرة هذه المسؤولية لتخرج من جيش عمر بن سعد، وعبيد الله بن زياد، وحتى يزيد، والأمويين كلهم، لتصل الى افراد الأمة، بل ومسؤولية الاجيال عن تراث عاشوراء المضمّخ بالدماء.

ولكن كيف يكون جميع أفراد الأمة مسؤولون عن إراقة دم الامام الحسين، وما جرى عليه يوم عاشوراء؟ بل وكيف يكون الشيعة –في الدائرة الضيقة من الامة- مسؤولون ايضاً عن وقوع هذه الجريمة؟!

“لكل شيء في الحياة ثمناً يصغر أو يقل تبعاً لقيمة ذلك الشيء، وان لكل مُثمّن ثمن قد يعادله أويفوقه، وأن دم الامام الحسين، وتضحياته الجسام هو الثمن اللازم لإحياء دين الله وشريعته وحفظه جهود النبيين السابقين، وفي مقدمتها جهود سيد المرسلين، وبناءً على هذه المعادلة المنطقية فان أي تفريط بالمُثمن وهو؛ العقيدة والشريعة والاخلاق التي ضحى من اجلها الامام الحسين، هو عين التفريط والتضييع والإهانة للثمن، وهو مجمل تضحيات الامام، عليه السلام، وفي المقدمة دمه الشريف”.

هكذا يعد سماحة الشيخ المؤلف جميع المسلمين “مسؤولون عن دم الإمام، كما هو مسؤولون عن الأخذ بثأره والانتقام من عدوه، وعدم محاباته ومساومته فضلاً عن تقديره والاعتزاز به”، وذلك من خلال الفصول التالية حيث يضع سماحته “النقاط على الحروف دون خجل او وجل، ولا مساومة اومداهنة”.

كيف اصبحت الأمة مسؤولة عن دم الامام الحسين، عليه السلام؟

نشوء هذه المسؤولية لم يكن في الايام الاخيرة من حياة الامام الحسين، عليه السلام، وعندما أعلن رفضه البيعة ليزيد، وإنما يعود الأمر الى سنوات خلت، حيث مهّدت الأمة بسكوتها عن معاوية وأفعاله وجرائمه، لليوم الذي يضطر فيه الامام الحسين مغادرة مدينة جدّه معارضاً ناقماً على الواقع الفاسد الذي ارتضاه معظم ابناء الأمة، ولذا يرى سماحة الشيخ المؤلف أن الأمة “هي التي أسلمت الامام الحسين الى يزيد”، بل وجعلت الإمام في حالة تخفّي عن عيون الأمويين، فهو لم يتمتع بالأمن في مدينة جدّه المصطفى، وحتى الى جوار بيت الله الحرام (مكة المكرمة).

في المبحث الاخير ضمن هذا الفصل، يبين سماحة الشيخ المؤلف مصاديق مسؤولية عموم الشيعة تجاه دم الامام الحسين، عليه السلام، ويذكرها في مجالات عدّة منها: أن يكون الشيعي نقي الطوية، قلبه خالياً من الحقد والبغض والغيض والغلّ والتحامل على الآخرين

ويأتي سماحة الشيخ المؤلف في توضيح مسؤوليات الأمة تجاه الامام الحسين، ومنها: طاعة الامام الحسين، عليه السلام، وهو ما أكده شخص رسول الله، صلى الله عليه وآله أمام مرأى ومسمع المسلمين، عندما قال: “حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحب حسينا حسينٌ سبط من الاسباط”، وهذه الرواية الواردة في صحيح ابن حبّان، ويفسرها البعض على أنه “تأكيد من النبي على أن الامام الحسين حفيده وسبطه وأن النبي جدّه”! بينما يدل الكلام على عظمة الوحدة بين الرسول وبين سبطه وولده الحسين، تلك العظمة التي تشير الى وحدة المنهج الموجبة على الأمة طاعة الامام الحسين، كما هو حال وجوب طاعتها للرسول. يقول الشيخ المؤلف، بينما حقائق التاريخ تؤكد أن هذه الامة التي تنكّرت للإمام الحسين في كربلاء، كانت قد تنكرت لنبيها من قبل طيلة السنوات التي سبقت واقعة عاشوراء.

ومن المسؤوليات ايضاً؛ دم الإمام الحسين وحرمته، فهذه المسؤولية “بقيت في ذمة الامة حتى هذا اليوم، لان المسؤولية الشرعية التي حملهم إياها رسول الله لا تنتهي مع تقادم الدهور والعصور، ولا بتوالي اليالي والايام، وذلك أن رسول الله قد أمر في حفظ المرء في ولده”، والقضية غير مقتصرة على المعاصرين لواقع عاشوراء –يقول المؤلف- فان “الامة مسؤولة عن قتل الامام الى هذا اليوم لانها ما زالت تدافع عن قتلة أهل البيت، عليهم السلام”.

وحتى نصل الى الإجابة الشافية للسؤال: كيف اصبحت الامة مسؤولة عن دم الامام الحسين، نقرأ التفصيل عن تنكّر الامة في السابق وحتى  اليوم لكل ما خلفه لهم رسول الله، صلى الله عليه وآله، من عهد، ووصايا، ومواقف مشهودة بحق الامام الحسين، وأخيه الحسن، عليهما السلام، وكيف كان يقبلهما ويضعهما على صدره الشريف أمام مرأى المسلمين، ومن نقل هذه الرواية في الكتب الموجود حتى اليوم، حتى بلغ الحال بالأمة لأن تقدس من يرضّ صدر الحسين الذي كان يصعد على صدر النبي الأكرم، “الذي كان وما زال مستودعاً لأسرار الله ومحطاً لوحيه ومستوعباً لإرادة الله في خلقه”.

الشيعة مسؤولون عن الامام الحسين، عليه السلام

ليس بالمعنى السلبي، كما مرّ من مسؤولية عامة أفراد الأمة عن دم الامام الحسين، عليه السلام، وتحديداً من هم ليسوا على مذهب أهل البيت، عليهم السلام، وإنما من باب المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، وما يحفظ لهم تضحياتهم الجسيمة على طول الخط في طريق النهضة الحسينية، فهم “مسؤولون عن إحياء منهج الامام، عليه السلام، ومشروعه ورسالته التي ضحى من أجلها، فما هي هذه المسؤوليات، وكيف يكون العمل بها.

هذا ما يتناوله المؤلف في المبحث الثاني من الفصل الرابع الخاص بما يجب على الشيعة القيام به إزاء الامام الحسين ونهضته، وقد حدد سماحة الشيخ المؤلف مشروعان خرج من أجلهما الامام الحسين من مدينة جده الى العراق: المشروع الاول: الاطاحة بالمشروع الأموي، والمشروع الثاني: إحياء دين الله.

ويمثل هذان المشروعان نقطة ضوء انطلقت من يوم عاشوراء، وما يزال مضيئاً مع الزمن للاجيال القادمة، وهي مقارعة كل اشكال الظلم والانحراف والتضليل، ثم الحفاظ على روح الدين وأحكامه وشريعته الغراء مهما كلف الثمن.

وفي المبحث الاخير ضمن هذا الفصل، يبين سماحة الشيخ المؤلف مصاديق مسؤولية عموم الشيعة تجاه دم الامام الحسين، عليه السلام، ويذكرها في مجالات عدّة منها: أن يكون الشيعي نقي الطوية، قلبه خالياً من الحقد والبغض والغيض والغلّ والتحامل على الآخرين. و أن يكون صادق مصدّق في القول والفعل، وأن يكون رحيب الصدر مع الناس، و حسن الخُلق، توّاق الى الاجتماع حول الحق، وأن يكون صادقاً مخلصاً في التعامل، وأن يكون عاملاً لله فحسب، وأن لا يساوم على حسب أئمته، وغيرها من المصاديق العملية التي عدّها سماحته سبعة عشر مصداقاً.

وبعد الحديث عن عامة الشيعة، يتحول سماحته الى ميدان السياسيين الشيعة “الذين يتحملون مسؤولية الأخذ بثأر الامام، ثم عن دمه، سلام الله عليه، لا من حيث انهم قتلته، إذ لم يكن الشيعة ممن قتل الامام او شارك في قتله، بل من حيث التفريط وعدم التفريط بدمه المقدس، فاذا فرطوا في أي زمان ومكان، فيكونون من حيث يعلمون او لا يعملون من المعينين على لقتلة الامام من خلال تقوية مشروعهم في إبادة الدين وتوقيف حركته في الحياة.

لكل شيء في الحياة ثمناً يصغر أو يقل تبعاً لقيمة ذلك الشيء، وان لكل مُثمّن ثمن قد يعادله أويفوقه، وأن دم الامام الحسين، وتضحياته الجسام هو الثمن اللازم لإحياء دين الله وشريعته وحفظه جهود النبيين السابقين

والميدان الثالث للشيعة ومسؤولياتهم تجاه الامام الحسين، هم علماء الشيعة، وقد وصفها سماحة المؤلف بانه “متشعبة وكثيرة، يمكن جمعها بالمسؤوليات التالية: التصدّي للدفاع عن الشيعة في كل مكان، والدفاع عن المستضعفين، والضمان لدم الإمام الحسين، عليه السلام، وثأره.

وفي الختام يضع المؤلف النقاط على الحروف في هذا السياق بأنه؛ كما “أن ممارسات السياسيين الشيعة بشكل عام تتسم بالنفاق السياسي، والاستئثار، ومحاربة العلماء المتصدين، ومصادرة جهود الاحزاب المخلصة، وعزل كوادرهم وإقصاء قياداتهم عن ممارسة ادوراهم الحيوية، كذلك الحال بالنسبة للعلماء والفقهاء اذا ما تعمدوا ممارسة الخطأ في مجال العقيدة، كالشطحات العقائدية، ونظائرها، او مجال التقصير في الشؤون المتعلقة بالتشريع كتحليل المحرم، وتحريم المحلل، او تجويز إقصاء العلماء الآخرين، او الافتاء بما يشين في شخصية غيرهم من الفقهاء، كل هذه وغيرها مما يتعارض مع منهج الامام الحسين، يُعد تفريطاً منهم بدمه الشريف”.

يختم سماحة الشيخ المؤلف كتابه بخمسة أمور لتكون الفكرة متكاملة وواضحة للقارئ؛ الأول: على كل مسلم ومسلمة موالاة الامام الحسين، عليه السلام. والثاني: على كل مسلم شيعي ان يكون شيعياً بحق، ملتصقاً بمنهج الامام الحسين، والثالث: على المسلم السنّي أن يكون متابعاً للإمام الحسين، عليه السلام، ومشايعاً له ومتديناً بدينه. والرابع: على كل مسلم شيعي وسنّي ان يبرأوا من قتلة الامام الحسين، ومن كل من سبب في قتله وشارك وآزر وأيد كائناً من كان. والأمر الخامس: لو خيّر المرء بين أن يكون على دين أمه وأبيه، أو أن يكون على دين الله ورسوله وأهل بيته الذين نصّ عليهم ورسوله فيهم، لوجب أن يختار الثاني.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا