فکر و تنمیة

هل نستطيع خلق عادات جيدة؟

“الإنسان ابنُ بيئته” نظرية اجتماعية تدّعي ان البيئة هي العامل الوحيد والحتمي في تشكيل افكار وعادات وتقاليد الإنسان، لكن هذه النظرية اُثبت فشلها علميا وعمليا، ومن وجهة نظر الدين الإسلامي فإن البيئة وحدها ليست عاملا منفردا، لكن لها تأثيرات بنسبة كبيرة في تشكيل عادات الفرد.

وعادات الإنسان هي الدعائم الأساسية للنجاح، ولهذا فإن خلق عادات جيدة من شأنه أن يدفع الإنسان نحو النجاح على اختلاف مسمياته، ولأن أغلب عاداتنا تتشكل وفق البيئة التي نشأنا فيها، فإن كثير من تلك العادات تشكل حاجزا أمام النهوض والنجاح، فإذا كنا قد رُبيّنا على عادات بيئية سيئة معينة فهل بالإمكان التخلص منها؟

وإذا كانت العادات البيئية السيئة قاهرة وربما تكون أحيانا على نحو الإكراه، فهل بالإمكان التخلص منها وخلق بيئة جديدة داخل تلك البيئة؟

عادة ما تكون العادات وليدة الاشارات الخارجية، أو ما يسمى في بعض الأحيان (المحفز الخارجي)، فللبيئة أيادٍ غير مباشرة في تكوين عادات لدينا لم نكن لنفكر فيها، وربما أن البعض كان يتجنب ذلك المحفز الخارجي خوفا من الوقوع في شِراك عادة سيئة.

فمشروبات الكاكولا التي يشربها الكثير قامت بخلق محفز داخلي عبر محاكة الواقع الخارجي، فمثلا يزداد إقبال الناس في الصيف على المشروبات الغازية ومنها الشركة المذكورة، نتيجة ربط العطش والجو الحار بالمشروب البارد، مع أن هناك مشروبات طبيعية يمكن أن تُذهب الحرارة والعطش دون ترك أضرار، بخلاف المشروبات الغازية.

 

العادات التي تتشكل منها أخلاق الفرد وتنمو من خلالها قابلياته المختلفة بحاجة الى بيئة خارجية لتحفيزها

 

وعلى سبيل مثال آخر، المنتجات المعروضة على مستوى العين المجردة عادة ما تُشترى أكثر من تلك الموجودة بالقرب من الأرضية، ولهذا السبب تجد الماركات الغالية معروضة في مواضع يسهل الوصول إليها على أرفة المتاجر، وذلك لأنها تجلب أكبر الأرباح، بينما البدائل الارخص موضوعة في أماكن يصعب الوصول.

 

  • تصميم البيئة حسب متطلباتي

قد لا توفِّر البيئة التي نعيش فيها المتطلبات اللازمة لخلق عادات فاضلة وجيدة، لكن بإمكان الفرد أن يخلق لنفسه البيئة الملائمة التي تنمو فيها عاداته الحسنة، قد يصطنع البعض الأعذار الكثير بالقول بحتمية البيئة وما أشبه، لكن هذا الكلام مدحوض لأن الكثير من الناجحين في التاريخ تغلّبوا على البيئة المحيطة بهم، وصنعوا لأنفسهم بيئةً خاصة تلائم ما يَصْبون إليه.

خلال أزمة الطاقة وحظر النفط التي وقعت في سبعينيات القرن الماضي، بدأ باحثون هولنديون في الانتباه عن قرب الى استهلاك الطاقة في البلاد، وفي إحدى الضواحي قرب أمسترادم، وجدوا أن بعض مالكي المنازل استهلكوا طاقة أقل بنسبة 30 بالمئة مقارنة بجيرانهم، رغم أن منازلهم مماثلة في الحجم وأنهم يحصلون على الكهرباء بنفس السعر.

وقد تبين أن المنازل الموجودة في هذه الضاحية متماثلة إلا في سمة واحدة: مكان عدّاد الكهرباء، ففي بعض المنازل كانت العدادات موجودة في الأقبية، بينما في منازل أخرى كانت موجودة في المدخل الرئيسي للمنزل. وكما قد تتوقع فإن المنازل التي توجد فيها العدادات في المدخل الرئيسي انخفضَ فيها استهلاك الكهرباء، فعندما كان استهلاك الكهرباء واضحا وسهلا في التتبع، غيّر الناس سلوكهم.

 

اذا كانت العادات البيئية السيئة قاهرة وربما تكون أحيانا على نحو الإكراه، فهل بالإمكان التخلص منها وخلق بيئة جديدة داخل تلك البيئة؟

 

إن تغييرات بسيطة وواضحة المعالم من شأنها أن تغير في  سلوك الإنسان وعاداته، فإذا كنت من الذين يحبون القراءة ـ وهي عادة بالطبع جيدة جدا ـ فإن عليك أن لا تطالع في مكان خُصص مثلا للنوم أو الأكل، فإن المحفز الخارجي له دور كبير في دفع أو منع الإنسان اتجاه عمل من الأعمال.

 

  • المحفزات الخارجية تصنع عادات ايجابية

قال الحواريون لعيسى، عليه السلام: “يا روح الله فمن نجالس إذا؟ قال: من يذكركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله”.

في مجتمعاتنا نعيش بين خليط من الناس غير متجانس، فتجد صاحب الأخلاق الفاضلة، وتجد في المقابل ذوي الأخلاق السيئة، فيعيش البعض التناقض الحاصل في مجتمعه، وربما يسلّم  البعض للأمر الواقع فتراه ينجر مع الغالبية التي تسير في حركة مضادة للقيم والأخلاق والمبادئ.

يوجد مثل شعبي رائع ـ باختلاف صيغه المختلفة بين الدول العربية ـ يقول: “لو خليت قُلبت”، ومفاد هذا المثل أن الأرض لو خيلت من الصالحين والطيبين لم تبقَ على حالها، وهذا المثل له تأصيل في الثقافة القرآنية وهو عملية توازن الخير والشر.

والعادات التي تتشكل منها أخلاق الفرد وتنمو من خلالها قابلياته المختلفة بحاجة الى بيئة خارجية لتحفيزها، فأحد وسائل النجاح ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ هي حالة اتصاف الفرد بأخلاق ومكارم تؤهله للقبول في فرصة العمل التي تتاح له، ومن تلك الأخلاق سجية الحلم والصبر والرفق، فهذه سجايا لا تولد مع الإنسان، بل على الفرد السعي لايجادها في نفسه.

وتلك الاجادة مرهونة بالجو الخارجي الذي يعيشه الفرد، فإبمكان الإنسان انتخاب الاصدقاء الصالحين وذوي الأخلاق الحسنة، لأن الصديق يؤثر على صديقه بشكل أو بآخر، ولذا فإن الصديق السوء يحاول جر صديقه الى المساوئ التي ترتكبها، بينما الصديق  الصالح يسعى لإنقاذ صديقه من براث الإنحراف والتيه.

فكما أن العادات تتأثر بمحفز خارجي ويكون ذلك التأثير في مجال ذلك المحفز، فإن المحيط الكامل يؤثر بشكل كبير في مجمل العادات بحيث تكون امتدادته ربما الى أغلب سلوكيات الفرد، ولهذا إذا أردنا أن نكون ناجحين في أي حقل من حقول الحياة، فما علينا إلا ان نخلق لعاداتنا الأجواء المناسبة، لأن تلك العادات هي اللبنات لبناء صروح النجاح المختلفة.

عن المؤلف

أبو طالب اليماني

اترك تعليقا