غير مصنف

أقصر الطرق لنجاح عملية التربية والتعليم

يتميز الواقع المعاصر بالتعقيد والإنتقالات العنيفة والتحولات الفجائية التي يكون فيها الإنسان هو المتضرر …

-1-

يتميز الواقع المعاصر بالتعقيد والإنتقالات العنيفة والتحولات الفجائية التي يكون فيها الإنسان هو المتضرر الوحيد – بغض النظر عن نوعية التضرر والشخص المتضرر ومن الذي أضره – فإن الإعتناء بالتربية والتعليم هو المفتاح الذي يعالج كل مشكل يحصل للإنسان في جميع ميادين الحياة.
تعد التربية هي المسار الصحيح الذي يَتبِعه المجتمع الطموح المحب للإرتقاء؛ كونها أداة تنمية لمجموعة من الوظائف والمهارات لدى الإنسان وتطويرها بشتى الطرق العلمية المتاحة، لذلك نجدها كتبت هذه الكلمة قبل كلمة (التعليم) كونها تقف سداً منيعاً من التأثير الخارجي، ليصبح انساناً متعلماً قائماً بذاته حتى يكون مواطناً فاعلاً يبني بلده من دون إعانة خارجية.

-2-

لو سلطنا الضوء على واقعنا الدراسي وحالة التربية والتعليم عندنا لوجدناها تبعث على الحيرة والقلق بشأن مصير الأجيال من حيث الشأن التعليمي الذي أصبح بين ظهور تعارض بين المؤسسة التعليمية في المدارس والشارع من جهة وبين منظومة التربية ونظرية الثقافة التي تتبعها السلطة السياسية ومصالحها الفردية من جهة أخرى.
أصبحت مدارسنا لا تحمي شريحة من المجتمع من الأمية والتخلف، ولم تتمكن الجهات المعنية من الكفاءات العلمية والعقول النيرة عن ممارسة دورها الطبيعي في تنوير وتثقيف وتدريب الأجيال على ممارسة العلوم بشكلها الصحيح.
منذ بداية القرن الحالي نلاحظ وعلى واقع الهزات التي عرفها العالم؛ شُرعت الكثير من القوانين من أجل إصلاح المنظومة التربوية، وكانت مراجعاتها في المناهج، والبرامج والكتب المدرسية، إضافة إلى نظم التقييم والتتبع والمعالجة والدعم، وقواعد تهيئة القادة التربويين؛ لأجل تحقيق جودة تربوية وتعليم ناجح.
لذا نحن بحاجة إلى ثورة تربوية جذرية عميقة نحو التقدم العلمي والرقي، للنجاة من الأخطار والزلات التي تؤثر على المسيرة التعليمية، ومن دون هذه الإصلاحات سنكرر نفس التجارب الفاشلة وعندها نقع في دوائر مفرغة من الإحتواء.

-3-

لا يمكن القيام بالإصلاحات التربوية الا من خلال كوادر تعليمية كفوءة لتحقيق غاياتها وأهدافها في تحسين جودة التربية والوصول إلى تعليم حقيقي يحقق الغايات المنشودة لتخريج جيل متعلم يخدم نفسه ومجتمعه وبلده، ولابأس أن يكون هناك دعم شعبي من خلال إقامة ما يسمى بإجتماع مجلس الآباء ومجلس الأمهات في المدارس بكل مراحلها، ويا حبذا لو تفعل هذه الإجتماعات بشكل جدي وواقعي، من خلال طرح السلبيات الموجودة فيها وعرضها على الآباء والأمهات من ذوي الخبرات في التربية والتعليم بحيث تكون الجهود بينهم مشتركة لتطوير مسيرة التلاميذ؛ بل وفي الجامعات إيضاً من الممكن إقامة الندوات مع أولياء الأمور؛ للمناقشات المشتركة معهم للتخلص من السلبيات التي تعيق المسيرة التعليمية من جميع الجوانب العلمية وغيرها.
إن قوة البلد وتقدمه وازدهاره في ارتقاء المؤسسات التعليمية؛ من خلال التتبع والرقابة لهذه المؤسسات، ومواجهة مختلف التحديات بإرادة صادقة ومشتركة تجعل كل صاحب مسؤولية يقدر عمله عن معرفة حقيقية لحل مختلف المشكلات العالقة التي سبّبتها القيادات الفاشلة التي كانت السبب في تدهور المسيرة التعليمية.
إن الإشتراك الشعبي المتمثل بأولياء الأمور وغيرهم من الجيل المثقف، يساهم في بناء المنظومة التربوية النوعية للخروج من الأوضاع الثقيلة المتراكمة التي تهدد مصير أجيالنا بالرغم من المستجدات والمتغيرات التي تطرأ عليها، التي من الممكن أن يوجد لها حل، حتى تصبح التربية والتعليم هي الملاذ الوحيد لبناء البلد الذي يعتمد على قاعدة الوعي الحقيقي للشخصيات المثقفة والعلمية بشكل عام وشريحة المجتمع الواعية بشكل خاص.
ومن ثَم ينبغي معالجة العلاقة بين المجتمع والتربية والتعليم، ليتفهم الجميع العمل التربوي التعليمي وتعقيداته باعتباره الحياة بكل مكوناته ومعطياته؛ أي تكوين رؤية تفاعلية لمختلف الحقائق والوقائع، من خلال منهاج توجه للآباء والأمهات؛ ويتم ذلك من خلال:
1. نشر وعي السياسة التعليمية ومبادئها ضمن متطلبات المرحلة إعتماداً على الطبقة الجماهيرية المثقفة الواعية لبث روح التشارك والتكامل.
2. الإهتمام بالمنهاج التربوي من حيث المضمون والمحتوى المعرفي واهدافه المنشودة.
3. ويتم ذلك من خلال دراسة عميقة للتقصي والإستقراء للشرائح الجماهيرية المثقفة منهم، للتعرف على ثقافة المربين وقدراتهم وخبراتهم المهنية وإبداعاتهم ليتم التحفيز على ضوء ذلك.
4. إعتماداً على قاعدة التواصل الدائم والتفاعل والتشارك بين أطراف العلاقة التربوية التعليمية، من آباء وأمهات وأساتذة أكفاء ومدراء مدارس، ويتم تبادل الآراء في ضمن اجتماعات وندوات مستمرة تتناول فيها القضايا والمشكلات العالقة في مسيرة التربية والتعليم.
5. ويا حبذا لو يتناول أصحاب العلاقة هذه الندوات – في كل مدرسة أو جامعة أو أي مركز تعليمي – لتبادل المشكلات العالقة بخصوص التربية والتعليم من خلال الإستفادة من تجارب الآخرين بهذا الخصوص.
لذلك فإن المجال التربوي يتطلب من الجميع التعامل معه بعقلية جديدة على أساس التعليم المستمر والدائم، كونه لا يعتمد على مرحلة معينة أو فترة زمنية ثابتة وإنما أصبح من الضرورات التي ترافق الإنسان طول حياته؛ تحت عنوان (التعلم مدى الحياة)، كالحديث المتداول لدى أصحاب العلم والفضيلة عن النبي محمد، صلى الله عليه وآله: «أطلب العلم من المهد إلى اللحد».

-4-

ينبغي أن يمنح الإصلاح التربوي الجديد الأستاذ تكويناً غنياً بالمعرفة والإتقان لممارسة انواع الأنشطة التربوية التي تكون لها الموقع المركزي في البرنامج والحصص الدراسية ليلعب الأستاذ أدواراً فعالة في المنظومة التربوية ضمن أهداف ومبادئ المنهاج.
وهذا لا يعد واجباً فردياً بالأستاذ فقط بل يخص جميع شرائح المجتمع على حد سواء، من خلال التعاون المشترك بين المدرسة والأسرة، بحيث تصبح المؤسسة التربوية فريقاً متكاملاً يتبادلون المعرفة والخبرات ويتحمل المسؤولية الجماعية في الارتقاء بالمؤسسة في تحقيق جودة التربية والتعليم.
إن تحقيق ذلك يصقل كفاءة الأساتذة ويجعلهم يقدمون تربية وتعليماً فعالاً وجيداً، ومن المتيقن أن نجاح التربية والتعليم مرهونٌ بكفاءة وقدرة الأستاذ على قيادة طلابه إن كانوا طلاب مدارس أو جامعات، كونه صاحب خبرة طويلة ممكن أن يكون نموذجاً يقتدى به، فعلى أصحاب الشأن التربوي أن يستفيدوا منه في تقديم نماذج تعليمية وبيانات واضحة وناجحة.
وشخص كهذا له أن يوسع مداركه المعرفية حسب متطلبات العصر الحاضر ضمن نطاق التقدم العلمي في التربية والتعليم مع الحفاظ على تراثنا التربوي الذي تعلمناه من الشريعة المحمدية ومن أئمة أهل البيت، عليهم السلام، وهذا ما يساهم في إنتاج طلاب ذات شخصية متزنة تتأثر بأساتذتها الأكفاء فيكون استاذاً مربيا يصلح أن يكون معلما كفوءاً لكل المستويات.

-5-

هناك مقتضيات أساسية نذكرها بشكل مختصر بغض النظر عن تفاصيلها، منها:
أولاً: تشكيل هيئة إصلاحية من خيرة الأكاديميين الأكفاء من أصحاب الخبرات والمراس التربوي مشهود لهم ذلك؛ تبحث عن نقاط الضعف ونقاط القوة في السلك التعليمي.
ثانياً: تكون هذه الهيئة تحت اشراف لجنة عليا في وزارة التربية والتعليم العالي أكثر كفاءةً من جماعة الهيئة واكثر خبرةً، لهم صلاحيات واسعة ضمن الأطر القانونية التي تصب في مصلحة التعليم بشكل عام.
ثالثاً: إضافةً إلى لجنة الإشراف التربوي الدائم من مفتشين ومدراء وأساتذة وجمعيات الآباء ونقابات المهن التربوية وغيرهم.
رابعاً: التنسيق بين اللجان والهيئات الأخرى بالتعاون المشترك في المراقبات التربوية، والتنسيق فيما بينهم، من خلال اقامة اجتماعات مستمرة لحل المشاكل التربوية العالقة؛ وهؤلاء الذين سيشكلون قوة مرتكزة لإنجاح الإصلاح التربوي.
فإن التربية والتعليم من الحقوق الثابتة لبناء مجتمع معرفي، وهو مرتكز أساسي لتحقيق السلم والأمن المتواصل في البلد أولاً وبين الشعوب ثانياً، ولا سيما له أن يكون استثماراً لتحقيق التنمية للبلد.

عن المؤلف

الشيخ ماجد الطرفي

اترك تعليقا