ثقافة رسالية

الدعاء في زمن الكورونا

ما الذي يدفع ركاب طائرة مدنية تحلق فوق السحاب، لأن يلجأوا الى قوة غيبية لتنقذهم من …

ما الذي يدفع ركاب طائرة مدنية تحلق فوق السحاب، لأن يلجأوا الى قوة غيبية لتنقذهم من خطر السقوط والموت، وهم قبلها بلحظات لم تكن لديهم أية فكرة عن هذه القوة الغيبية؟ وكذا الحال عندما تعصف بالناس الكوارث مثل؛ الزلازل والفياضانات والأعاصير، وأيضاً؛ الامراض المعدية والفتاكة كالمرض الوبائي المنتشر حالياً في العالم باسم؛ كورونا المستجد (كوفيد19).
حدد العلماء السبب الأساس في هذه الحالة الفطرية والعفوية بانكشاف حقيقة الضعف أمام مرأى الانسان، وانقطاعه عن أية وسيلة انقاذ أخرى، فضلاً عن فشل جميع الأدوات المتوفرة لديه، من تقنيات وعلوم وطرق للنجاة من وباء معدي وخطير. فقد وقفت ابرز الدول المتقدمة علمياً في مجال الطب، عاجزة، ليس فقط عن إيجاد علاج لهذا المرض، بل وعاجزة ايضاً عن تطويقه والحؤول دون انتشاره وحصد المئات والآلاف من الارواح يومياً، حيث بلغ عدد ضحايا كورونا المستجد حتى كتابة هذه السطور أكثر من ثمانية آلاف انسان في العالم، فيما الإصابات تجاوزت المئة ألف، وربما يتجاوز رقم الضحايا لأكثر من عشرة آلاف في الايام القادم.
ولكن! هل يكفي الاضطرار لأن تكون الدعوة مستجابة؟

  • دعاء الغريق والانقطاع الحقيقي

القرآن الكريم يشير الى حقيقة نفسية من حياة الأقوام البشرية الماضية ممن حقّ عليهم العذاب الإلهي بسبب اقترافهم المعاصي والانحرافات، وتكذيبهم رسالات السماء، فعندما يحيق بهم العذاب و يدركوا بحواسهم، أن وعد الله حقّ، والقضية جدّية للغاية، يهرعون الى الدعاء والابتهال الى الله –تعالى- {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، (سورة يونس، الآية:12)، فيأتي التذكير الإلهي من أن هذا الابتهال والتوسل إنما نابع من الاضطرار وليس من الإيمان بالقدرة الإلهية، ومن منطلق الشكر والتوبة والإنابة، فما أن تنقشع غمامة العذاب، أو تنتهي الأزمة حتى يعود كل شيء الى سابق عهده.

من أهم شروط الارتفاع والسمو؛ الانقطاع اليه –تعالى- والتخلّي عما سواه مما كان يتصوره من مصادر القوة كأن تكون أرصدته في البنوك، او مناصبه الحكومية، أو ارتباطاته وامتيازاته

نعم؛ إن الله –تعالى- أرحم الراحمين، وهو اللطيف الغفور، وله كل الأسماء التي تبعث على الاطمئنان القلبي لجميع بني البشر، وفي دعاء شهر رجب الأصب، نقرأ هذه الايام: “يا من يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه تحنناً منه ورحمة”، بيد أن قرار الانسان المأزوم بطلب النجاة لابد ان يسبقه بقرار لا يقل أهمية من هذا، وهو أن يرتفع الى مستوى هذه الاسماء الجميلة والعظيمة، وإلا هل يعقل أن تدخل أشعة الشمس الى داخل الغرف اذا كان كان اصحابها أسدلوا الستائر وهم يتحدثون عن ضرورة الحصول على فيتامين “دي” لتقوية العضام، وايضاً تقوية جهاز المناعة في الجسم؟
ومن أهم شروط الارتفاع والسمو؛ الانقطاع اليه –تعالى- والتخلّي عما سواه مما كان يتصوره من مصادر القوة كأن تكون أرصدته في البنوك، او مناصبه الحكومية، أو ارتباطاته وامتيازاته، بل حتى قواه الذاتية، ولذا نجد من التوجه الحسن عند بعض الاطباء أن يشير في “الوصفة الطبية” الى العامل الأهم والأكبر في الشفاء بالآية الكريمة {وإذا مرضت فهو يشفين}، وما الدواء الذي يكتبه للمريض إلا بداية للشفاء يبقى القرار والقضاء النهائي بيد الله –تعالى-.
وجاء في المصادر أن الله تعالى أوحى إلى عيسى بن مريم: أن “يا ابن مريم؛ أُدعُني دعاء الحزين الغريق الذي ليس له مغيث ولا تدعني إلا متضرعاً إلي وهمّك همّاً واحداً فإنك متى تدعني كذلك أجبتك”.

  • سلامة القلب قبل السلامة من “كورونا”

يدور السؤال الكبير بين الداعين والمتضرعين الى الله –تعالى- لقضاء الحوائج، او لتفريج أزمة، كالتي يمر بها العالم حالياً، لماذا لا يستجاب الدعاء رغم التضرّع والتوسل الشديدين؟
انه سؤال قديم –جديد يلحّ علينا طيلة قرون من الزمن، ولله الحمد، فان مستوى الوعي الاجتماعي في هذا المجال كشف لشريحة واسعة من المجتمع السبب الرئيس (العقبة) التي ذكرها أمير المؤمنين، عليه السلام، أول مرة، في كلماته لكميل بن زياد: “اللهم أغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء”، كما هنالك النقاط السوداء في القلوب؛ من تشكيك وقسوة، والمظالم بين العباد.
وليكن وباء كورونا، مع الضجة العظيمة التي يحدثها في العالم، فرصة لإعادة النظر في طبيعة العلاقات الاجتماعية، وقبلها؛ طريقة التفكير، وتحليل الأمور، والاستنتاج وإصدار الاحكام، فالخوف من الموت، والخشية من العدوى، والالتزام بالاجراءات الوقائية وغيرها من أجواء الاضطراب والقلق، لا تمنع بأي حال من الاحوال، الالتفات على المعالجة المعنوية للنفوس قبل الحفاظ على البدن من فيروس بسيط وفق كل المعطيات العلمية، يكفي أن يكون البدن ذو جهاز مناعي كامل، فانه يعجز عن اختراق بدن الانسان، بنفس المستوى من الاهتمام علينا أن تقوية الجهاز المناعي للقلب والنفس الانسانية من فيروسات الحقد، والحسد، والتشكيك، وأكل المال الحرام.
بهكذا قلب يريدنا الله –تعالى- أن نقبل عليه بالدعاء والتوسل لرفع الغمّة والأزمة التي تلمّ بنا حالياً، وايضاً؛ ما يخبؤه لنا الزمن، {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإٍبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، (سورة الصافات، الآية83-84).

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا