إن العملية التربوية تعمل بنظام متكامل نستطيع أن نطلق عليه «الجهاز التربوي» الذي يسهم في إعداد أجيالنا تربوياً وعلمياً، ويمثل الكادر التعليمي والتدريسي العمود الفقري لهذا الجهاز؛ فإعداد المعلمين والمدرسين بالصورة الصحيحة تأخذ بأيادي تلاميذنا وطلابنا إلى بر النجاح والسلوك القويم والعكس بالعكس، لأننا ندرك مدى عمق التأثير الذي يحدثه في نفوس التلاميذ، هذا التأثير الذي يحدد بدوره مستقبل الجيل الناشئ، وبالتالي مستقبل الأمة، ولذلك لابد من معرفة الأمور الواجب توفرها فيمن يروم الانخراط في هذا المسلك، وحمل هذه الرسالة بأمانة وإخلاص، كي نستطيع أن نخلق جهازاً تربوياً قادراً حقاً على أداء الرسالة أولاً؛ وبناء دولة معاصرة تبدأ من هذه المؤسسة الفعالة ثانيا.
-
الأمر الأول: حسن سلوك الكادر التعليمي والتدريسي
يتمثل بأن يكون الكادر التعليمي والتدريسي ممن لهم شخصية ذات سلوك سوي وثقافة عامة معتد بها، فحسن السيرة والسلوك هو شرط مهم في الكادر التعليمي والتدريسي بشكل يتلاءم مع مهنته الحساسة التي تتعلق ببناء شخصية الطفل، فهناك تلاميذ يشكون من بعض المعلمين بسماعهم كلمات بذيئة بل وشمل جميع التلاميذ بهذه الألفاظ بدعوى ظهور سلوك غير منضبط من أحد التلاميذ، وهذا مما يؤسف له فسيتعلم التلميذ تلك الألفاظ التي ربما لم يسمعها ولم يعتد عليها داخل أسرته، ولذلك يجب تفعيل القوانين الصارمة بهذا الجانب، لأن الهدف الأساس من العملية التربوية هو الإسهام في بناء شخصية التلميذ بالتعاون مع الأسرة.
وقد أكد علماء النفس أن العملية التربوية بالنسبة للتلميذ هي إحدى مراحل النمو في شخصيته، ببنائها ثقافياً وعلمياً واجتماعياً ونفسياً، ولكن؛ مع الأسف الشديد اليوم نشهد ابتعاد أغلب مدارسنا عن الواقع التربوي بل والتعليمي أيضاً، بحيث وصل الحد في إحدى المدارس بالعراق أن يعلن مديرها في اجتماع الآباء، بأننا وبسبب ازدياد عدد التلاميذ – حسب قوله – لا نستطيع أن نؤدي دور التربية بل الأمر مقتصر على التعليم، وأمر التربية متروك للأسرة فقط!! وهذا من أشد حالات الانفلات التربوي، أن تتخلى مؤسسة لها دور كبير في تنشئة شخصية الطفل، أن يترك سلوكيات الأطفال على هواهم دون توجيه صحيح.
إن زيادة اعداد التلاميذ، وإن كان أمراً غير صحيح، لأنه يؤدي إلى عدم تأدية التربية والتعليم دورها بشكل مقبول، ولكن؛ لا يعني أن تترك العملية التربوية بالكلية، بينما نرى بعض المعلمين والمدرسين ممن يؤدي عمله التعليمي والتربوي على أفضل وجه وفي ظروف صعبة لمعرفته بدوره المهم وما يؤول إليه من نتاجات صحيحة تنعكس على المجتمع وبناء الدولة.
-
الأمر الثاني: الكفاءة العلمية
تبدأ مرحلة إنشاء كادر تعليمي كفوء من بداية قبول المدرس في الجامعات ودخوله اختصاص معين، إذ ينبغي أن تتوفر الرغبة في مهنته بهذا السلك فضلاً عن الاختصاص والكفاءة الملازمة لها فيدخل في الاختصاص الذي يوجب أن تكون درجته فيها معتداً بها ويمتلك أساسيات قوية في المادة فضلاً عن حبه لها، فلا يُعقَل أن يدخل شخص للكليات التربوية بمعدل متدنٍ، وحاصل على درجة اقل من جيد في مادة ما، ثم يدخل هذا القسم ويريد أن يختص فيه وهو غير محب له! وهو ما يحصل في أغلب كلياتنا التربوية مع شديد الأسف؛ فلا بد إذن من توفر ضوابط أكثر بالنسبة لكل من يقبل في الكليات التربوية.
ثم المشكلة الأخرى تكمن في أن بعض التربويين عند دخولهم الجامعة لم يستوعبوا المادة التي اختصوا فيها، ولم يكونوا فاهمين لها بالشكل المطلوب، إهمالاً منهم، وعند التخرج لم يستمر بالتواصل في تطوير معلوماته من خلال المطالعة، وهذه مشكلة أخرى نراها واضحة بشكل كبير عند بعض ممن يتخرجون من الكليات التربوية، فتراه يقضي فترة الدراسة من غير تركيز على المعلومات التي سيكون مسؤولاً عنها عندما يصبح ضمن الكادر التعليمي أو التدريسي، فهو يبحث عن حفظ المادة والنجاح فيها فقط دون فهمها.
ومما يشهده واقعنا أن أحد المدرسين عند أول تعيينه دخل على طلابه وأخبرهم بأنه سيلقي عليهم المادة ويقوم بحل التمارين بناء على دفتر استعاره من مدرس أقدم منه! وطلب منهم أن لا يسألوه عن أي شيء مما يلقيه عليهم لأنه لا يعرف به!
-
الأمر الثالث: طرائق التدريس
إن طريقة إيصال المادة للتلاميذ أو الطلبة، مرحلة في غاية الأهمية؛ فالمعلم أو المدرس الجيد يتطلع لطرائق التدريس بشكل دقيق، ويختار المناسبة، خاصة في وقتنا الحاضر مع تنوع فنون طرائق التدريس، فهناك بعض المعلمين والمدرسين يحفظون المادة بشكل جيد ولكنهم يفتقرون إلى الطريقة السليمة في إيصال المادة.
وهنا يتوجب تدريب المعلم أو المدرس لنفسه في دراسة الأساليب الحديثة في التدريس، وعلى إدارة المدرسة أيضاً حثّ الكوادر التدريسية باستمرار للدخول في دورات تعتمد طرائق التدريس الحديثة من أجل إيصال المادة وحسب الاختصاص يصورة صحيحة وناجحة.
-
الأمر الرابع: طرائق التربية الصحيحة
ومما يؤسف له، أننا نرى بعض الكوادر التعليمية لا تجيد غير الضرب والعنف في التعامل مع التلاميذ المقصرين، وهم بذلك يسلكون أقصر الطرائق وأسهلها، متناسين الآثار النفسية التي تولد الكراهية من المدرسة ومن المعلم في نفس التلميذ، الى جانب آثار أخرى في شخصيته، على الرغم من وجود اساليب عديدة في التربية والتوجيه ومحاسبة المقصرين والتي تحتاج للصبر، ومن شأنها أن تعطي نتائج أفضل والتي يتبعها بعض المعلمين، لهذا على الكوادر غير المتمرسة في توجيه التلاميذ أن يطلعوا على أفضل الوسائل في ذلك.
- الأمر الخامس: التواصل مع أولياء الأمور
من الضروري جدا التواصل مع أولياء الأمور لمعرفة المستوى التعليمي والسلوكي للطالب كي يتعاون الاثنان ويتم التنسيق بينهما لتقويم المستوى السلوكي والتعليمي للطالب. ونحن بهذا الصدد عندما نطرح الأمور التي يفترض أن تتواجد بالكوادر التعليمية والتدريسية، لا بد أن نبين أيضاً المشاكل التي يعانيها الواقع التعليمي، والتي ينبغي أن تؤخذ بنظر الاعتبار، متمثلة بقلة عدد المدارس وازدياد اعداد التلاميذ، يضاف اليها عدم تشجيع أكثرهم ممن أثبت جدارته ومضيه في تقديم مهامه ورسالته على أفضل وجه، فأمثال هؤلاء المعلمين والمدرسين يجب أن يُقدم لهم كتب الشكر باستمرار فأثناء مروري بمدارس كثيرة وجدت هناك بعض المدارس التي تستحق كل التقدير والاحترام والتشجيع من حيث التوجيه التربوي والتعليم والنظافة وادارة شؤون التلاميذ في دخولهم للصفوف وخروجهم، وفي سلوكياتهم في الاستراحة ما بين الدروس، وتفعيل بعض الدروس المهملة، كالرياضة والفنية، التي أصبحت لملء شواغر بعض الدروس مع شديد الأسف! مع كل ذلك؛ هذه المدارس تشكو من عدم التشجيع والتكريم ولو معنوياً بكتب شكر وتسليط أضواء الإعلام عليها لتكون قدوة لباقي المدارس التي ستدخل حيز المنافسة للمدارس الأخرى بحسن سمعتها التربوية والتعليمية.
وأخيراً على الجميع أن يعي بأننا أمام مسؤولية كبيرة تتمثل في إعادة بناء وتكوين المجتمع العراقي الجديد، هذا المجتمع الذي سَرقت المعاناة فرحة أبنائه، ونقف وقفة واحدة في إعادة بنائه، و أول لبنة أساسية نضعها؛ هي الكادر التعليمي الكفوء الذي من خلاله يتم إكمال البناء، فهناك دول متقدمة بلغت مراقي التطور بفضل اهتمامها بالتعليم قبل كل شيء، وهي قد خرجت من ركام الحروب والدمار، لأن الوطن يحتاج قبل أي شيء، الى إعادة بناء المجتمع السليم والصحيح وفق منهج تربوي صحيح قائم على رؤية وأهداف صحيحة ايضاً، وعامل النجاح الرئيس في ذلك هو المعلم والمدرس لبناء اجيال قادرة على حمل مشعل التطور والتقدم. ونحن على ثقة تامة بأنه أهل لها.