فکر و تنمیة

الكتمان: هروب نحو الظلام الداخلي

في خضم الحياة التي نحياها نمر بالكثير من الوقائع والاحداث المأساوية التي تكون كتلة من المشاعر السلبية التي تجثم على صدر الإنسان، ومثل هذه الاحداث تحتاج الى تنفيس انفعالي لتقليل الخطر الناجم عنها، أما كتمانها وقبرها في بواطن ذواتنا يشعل فتيل الإعطاب والاضطرابات النفسية ويعرّض المرء لضغوط داخلية كبيرة، على سبيل المثال يحاول أحدنا كتم حزن أو الم وانفعال ما فإنه قد ينجح الى حد ما، فيستمر على هذا الحال لكن في النهاية يصاب بأعراض تدل على استفحال الهم عليه مثل العصبية والاكتئاب وغيرهما، كما أن كبت الانفعال وكبح التعبير عما يضايقنا يتسبب في مشكلات نفسية وصحية عويصة.

لماذا لايصرح الكثير منا بما في خلده؟

الواقع يقول أننا جميعاً معرضون للإصابة بالإعطاب النفسية و الدخول في أزمات نفسية حادة، واقول جميعنا بمعنى الرجال والنساء على حد سواء، كما جميع الفئات العمرية من دون فارق في ذلك، فالغالبية من البشر يرون أن التصريح للآخرين بما في جوفهم غير مقبول أو أنهم يعدونه ضعفاً، فكيف بالنفس أن تبوح بشيء تعتبره مرفوضا؟

يمكن تشبيه الكتمان بالنزيف الداخلي الذي لا يلاحظه أحد ولكنه يرهق صاحبه حد الهلاك، فليس من الشجاعة أن يترك الإنسان همومه قابعة على صدره ربما لرغبته في ايصال رسالة لمن حوله انه قوي ولا يحتاج الى تدخل من احد مهما كانت صفة القربى منه

 لذا يذهب الكثير بإتجاه حبس مشاعرهم رغم كونها تضاعف الأوجاع لديهم، هنا أود طرح سؤال لمن يمتنع عن الفضفضة عما يثقل كاهله بداعي حفظ الاسرار أو غيرها من الاعذار الواهية والسؤال هو: الى متى تبقى غير مدرك لحقيقة أن الكتمان يؤدي الى الكثير من الأمراض النفسية التي لا تقل خطورتها عن الامراض العضوية، ناهيك عن الاعصاب التي تتعرض للتلف والتدمير بعد كل دقيقة تكبت فيها ما يؤذيك؟

هل يعد الكتمان حلاً ؟

عزيزي القارئ الكريم إليك اقول: إن الكتمان ليس حلاً ولا خطوة علاجية مطلقاً، بل إن كل ما يمكن أن يقدمه لك هو إبقائك وألمَك حبيس الظلام الداخلي، فالكتمان يُجهد النفس بلا فائدة، وطول فترة الاجهاد ستتسبب بانهيارها ولكن بهدوء.

 ولعل اكثر ما يدمّر الإنسان هو الإحتراق النفسي الداخلي، ويمكن تشبيه الكتمان بالنزيف الداخلي الذي لا يلاحظه أحد ولكنه يرهق صاحبه حد الهلاك، فليس من الشجاعة أن يترك الإنسان همومه قابعة على صدره ربما لرغبته في ايصال رسالة لمن حوله انه قوي ولا يحتاج الى تدخل من احد مهما كانت صفة القربى منه.

ولمن أراد أن يتأكد من حقيقة أن الكتمان هو من اصدقاء السوء عليه أن يتفكر في أول ما يقوم به المرشد التربوي أو المعالج النفسي في بداية أي جلسة ارشادية، أو علاجية أنه يطلب منه أن يخرج ما في جوفه ويعبر عن أحاسيسه، وعادة ما يجيد هؤلاء المرشدون الانصات الجيد لمرضاهم مهما طال حديثهم فلا يمنعه من الكلام ولا يقطع سلسلة افكاره.

لا بأس بممارسة الإنسان المحزون أو الكئيب بعض العبادات؛ مثل الصلاة، وقراءة القرآن وما شاكلها، لما لها من أثر في ترويح النفس واعادة الطمأنينة اليها

 لأن الإفصاح عما بداخل النفس هو نصف الحل لمعظم مشكلاتنا مهما كانت معقدة في نظرنا، فمن يريد أن يُبقي صحته النفسية بمأمن  لابد من أن يعبر عما يحس به، وإن تعذر عليه الكلام الشفهي من الممكن أيضا التعبير عنها بالكتابة وبالرسم وبأشياء أخرى حسب ميولات الشخص.

الدوافع التي تقف وراء الرغبة بالكتمان

كثير هي الدوافع التي تكمن وراء تفضيل الكثير من الناس للكتمان منها:

1- كبت الاطفال وعدم تربيتهم على التعبير عن مشاعرهم أو آرائهم وكذلك التحدث عن ما بداخلهم دون أن يشعروا بالحرج أو الخوف من أي شيء، والنتيجة هي نشأتهم على الكتمان والخوف من البوح بمشاعره.

 2- من الدوافع ايضاً افتقاد الشخص الى من يفهم حديثه وشكواه وبالتالي يكون غير قادر على التحدث عما بداخله، وذلك ظنا منه أن الشعور الموجود بداخله غير مهم بالنسبة لمن حوله.

3- الخوف من خسارة الأشخاص المقربين لعدم تأييدهم أو مساندتهم لهم في محنتهم؛ يدفع الكثير الى الكتمان على ما يشعرون به، لأنهم يرون في ذلك  حفاظا علي من حوله.

4- قد يتحول الشخص الى شخص كتوم كنتيجة لعدم قدرته على التعبير عما بداخله بشكل صحيح، فيفضل أن يصمت ولا يبوح حتى لا يسبب لنفسه الحرج.

المعالجة:

لمعالجة الرغبة في إبقاء المشاعر طي الكتمان ينصح علم النفس بما يلي:

1- البحث عن صديق موثوق يأمن لديه السر وبالعثور عليه يمكن للشخص أن يفضفض عن مشاعره سيما عن مشاعره السلبية، التي تنخر قواه النفسية وتحوله الى جسد من دون روح.

2- من الضروري جداً ان يحاول الفرد التغلب على بعض الحالات السلبية حين تحيط به مشاعر الحزن والألم والابتعاد عن الجلوس منفرداً، لأنها تفاقم من حجم التعب النفسي والافضل الاندماج مع المجتمع لتناسي ما حدث لك.

3- لا بأس بممارسة الإنسان المحزون أو الكئيب بعض العبادات؛ مثل الصلاة، وقراءة القرآن وما شاكلها، لما لها من أثر في ترويح النفس واعادة الطمأنينة اليها. جميع هذه الخطوات وغيرها يمكن أن تخرج الفرد من دائرة الانغلاق والتوجه نحو المحيط لنسيان أو تناسي الألم، شريطة أن تتوفر الإرادة التي تغيّر الكثير من سلوكيات الإنسان وتشذبها.

عن المؤلف

عزيز ملا هذال/ ماجستير علم النفس

اترك تعليقا