مكارم الأخلاق

مواصفات الشيعي الحقيقي (6) العقل والتوجيه السليم للأهواء

يقول أمير المؤمنين، عليه السلام، في بيان بعثة الرسل والأنبياء: “ويثيروا لهم دفائن العقول”، وفي كلام آخر: “ليخرجوا عباد الله من عبادة الاوثان الى عبادته ومن طاعة الناس الى طاعته”.

القائد الرشيد للانسان هو العقل، لان الانسان إما يقوده عقله او يقوده أهواؤه وشهواته، وغالب البشرية  ـ مع الاسف ـ ينصاعون لقيادة الاهواء والشهوات، وبسبب انغماس الانسان في الاهواء والشهوات، واسترساله مع متطلبات الحياة يغيب عقله، وبالتالي يفقد القائد الرشيد.

لذلك يبعث اللهُ الرسلَ والأنبياء من أجل اعادة الانسان الى وضعه الطبيعي، واعادته الى حجمه المطلوب، واعادته الى عقله، فالعقل المغيَّب والمحجوب لابد أن يكون حاضرا، وموجودا في خلجات الإنسان، وحركاته، وتفكيره، وسلوكياته.

⭐ القائد الرشيد للانسان هو العقل، لان الانسان إما يقوده عقله او يقوده أهواؤه وشهواته

مشكلة الانسان أنه يعيش الغفلة، فيبتعد عن علقه، وبذلك يغفل عما يُراد به، وغافل عن حقيقته، ووجوده، وعظمته..، لذلك تجد الكثير يسترسل في سلوكياته، وافكاره فلا يتأملها، ولا يفحصها، ولا يقف وقفة تأمل يحاسب نفسه على ما عمل، ولا يقف ليتكفر ما سيعمل، لان الحياة تأخذه؛ بلذاتها، وبهارجها، ومتطلباتها، وهذا يؤدي الى غياب عقله.

لأجل ذلك يُرسل اللهُ بين فترة وأخرى الرسل، ويبعث الانبياء، كل ذلك من أجل تنبيه الإنسان من سباته، وايقاظه من نومه، وإعادة العقل الى قيادة الانسان، حتى لا يُسلّم زمامه الى الشهوات والأهواء لانه ليس لها ـ الاهواء والشهوات ـ قيادة الانسان.

“ويثيروا لهم دفائن العقول”، عقل الانسان يملك نورا ومعرفة، وحكمة..، ويملك كل ما يحتاج إليه الانسان في هذه الحياة لمعاضدة الوحي، فهو العقل هو الذي يملّك الانسان كلما يحتاجه.

اذا فقد الانسان عقله يصبح ضعيفا أمام الاغراءات، والشهوات، وبالتالي يكون ذليلا امام الناس، وحينها لا يستيطع أن يشخّص الأمور، وأن يتخذ قرارا صائبا، ولا ان ينتهج منهجا صحيحا، كل ذلك بسبب غياب العقل.

⭐ الانبياء يثيروا للناس دفائن العقول؛ بايقاظ الارادة، والقدرة، والمنهج الصائب، والتفكير السليم

الانبياء يثيروا للناس دفائن العقول؛ بايقاظ الارادة، والقدرة، والمنهج الصائب، والتفكير السليم، وبذلك يفكر الإنسان فيما يسمع، وفيما يقرأ، ويكفر فيما يرى، يقول الله ـ تعالى ـ: {الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا}، اي تفكروا، وتدبروا، وهذا يدعو الانسان للتفكير في ماضيه، وحاضره، وما سيجري في المستقبل.

قدرة الانسان وعظمته تتلخص في عقله، فلماذا يغلي الكثير من الناس هذه القدرة والعظمة ويتنازل عنها؟

اتزعم انك جرم صغير

 وفيك انطوى العالم الاكبر

وانت الكتاب المبين الذي يظهر به المضمر

العقل يظهر خفايا الاشياء، لكن حين يحجب الانسان عقله يعيش الجهل والظلام، والاضطراب، وشتى انواع المصائب..، كل ذلك بسبب اللهث وراء الدنيا واقصاء العقل عن الساحة العملية.

جميع البشر يمتلكون عقولا، لكن لماذا يتحاربون ويسفكون الدماء؟ ولماذا نرى انواع الموبقات والجرائم؟

حينما يُغيّب العقل ويُعطل نرى الجرائم بأنواعها، فإذا كان هناك عشرة اشخاص وسملوا قيادة سفينهم الى واحد أحمق، فهل تنجو السفينة أم تغرق؟

“ليخرجوا عباد الله من عبادة الاوثان الى عبادته ومن طاعة الناس الى طاعته”، الاوثان قد تكون المادة، او الاهواء والشهوات..، للأسف فإننا نرى البعض يطيع الحاكم الطاغي، او التاجر الفاجر..، تلك الطاعة دلالة على ضعف الايمان، وطاعة من لا يرتضيه الله تغييب للعقل، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “كم اسير تحت هوى أمير”، فقد يكون ذلك امير سياسي، او امير اجتماعي، او اقتصادي. بعثة الانبياء لها هدف واضح؛ إثارة عقول الناس من اجل تحقيق قيادة العقل واخراج العباد من عبادة الاوثان: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}. فحري بالانسان ان يتبع عقله، ويطيع قيم السماء ومن يحملها، ورفض طاعة من لا يلتزم بالقيم، ورفض الخضوع للمادة والاهواء والشهوات.

عن المؤلف

آية الله الشهيد المجاهد الشيخ نمر باقر النمر

اترك تعليقا