ثقافة رسالية

المشكلة في النظام الملكي أم في النظام الجمهوري؟

حينما يكون هنالك خطأ في مكان معين، فلابد من معالجته في المكان نفسه، وإلا لن ينفع أن تعالج المشكلة في غير مكانها، فلو افترضنا أنك أصبت بوجع في الرأس، فهل ينفعك أن تفرك اصابع يديك بمادة …

حينما يكون هنالك خطأ في مكان معين، فلابد من معالجته في المكان نفسه، وإلا لن ينفع أن تعالج المشكلة في غير مكانها.
فلو افترضنا أنك أصبت بوجع في الرأس، فهل ينفعك أن تفرك اصابع يديك بمادة مسكّنة؟!
وكما جسم الانسان، كذلك في جسم الامة، فاذا كانت الامة مصابة في روحيتها، فهل ينفع تغيير بعض الشكليات؟
لاشك أن للشكليات تأثيرها، وللقضية الادارية تأثيرها، ولنوعية الآليات المستخدمة تأثيرها ايضاً، ولكن اذا كانت المكشلة في الروحية فلن ينفع تغيير هذه الشكليات، او الآليات لوحدها.
مثالٌ على ذلك فيما يتعلق بنظام الحكم، فالبعض يتصور أن المشكلة في نمط النظام السياسي، فاذا كان جمهورياً يكون أفضل، فيما يرى الآخر أن النظام الملكي هو الحل لمشاكل بعض البلدان، ويغيب عن هؤلاء المشكلة التي هي في حقيقة النظام السياسي، فرئيس الجمهورية المستبد لا يختلف عن الملك المستبد، لذا قبل الحكم على حسن أو قبح هذا النمط من النظام السياسي أو ذاك، علينا التوقف عند مشكلتين رئيسيتين:
الاولى: قابلية الخضوع لدى المحكوم.
الثانية: أرضية الاستبداد لدى الحاكم.

إنّ روحية الاستبداد من جهة، و روحية الخضوع والخنوع من جهة اخرى هما عاملان مدمران لأسس البناء الحضاري، والتخلص منهما معاً كفيل بإعادة تقويم البناء الحضاري

لنأخذ نزعة حب المال والاستئثار، فاننا نلاحظ الفساد واللصوصية تتجسد في رئيس الجمهورية، كما تتجسد في الملك ايضاً، وكذلك الحال بالنسبة لنزعة التسلّط حتى بإزهاق ارواح الناس، فاننا نلاحظها في الطرفين على حدٍ سواء.
هذا من جانب؛ اما في جانب الأمة والجماهير، فان القابلية على الخضوع والانصياع لها الدور الكبير في خلق الازمات السياسية في البلاد عندما تسكت الجماهير على الظلم والطغيان والتجاوز على حقوق الناس.
وإذن؛ فالمشكلة نفسية – داخلية، اكثر مما هي مشكلة شكلية وظاهرية، فاذا ما أُريدَ حلٌ للمشاكل وتغيير في الاوضاع، لابد أولاً؛ تغيير النفوس ليتغير كل شيء.
إنّ الامة بحاجة الى الطاقة الحضارية التي تدفعها باتجاه الشخص الأصلح، فهي تمتلك روحية النهضة، وقبول الحق، وفرض الحق على من لا يقبله، سواءً كان حاكماً او محكوماً، فرداً أم جماعة، ومع قطع النظر عن الاسماء.
وهذا ما فعله رسول الله، صلى الله عليه وآله، حينما بُعث الى العرب في عصر الجاهلية، حيث عمل على تغيير روحياتهم، وبناء نفوسهم من جديد، فعرّف العبيد على الحرية، وحثّهم على التحرر من العبودية لأسيادهم، كما أخذ بأيدي الأسياد وخلّصهم من روحية الاستعلاء واستعباد الناس، وبذلك كان، صلى الله عليه وآله، ينقذهم من التسافل في درك الجاهلية: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}، ولولا رسول الله، لاستمر هؤلاء في جهلهم وغيّهم، ولما استطاعوا ان يبنوا حضارة عريقة وينشروا الاسلام في العالم.
إنّ روحية الاستبداد من جهة، و روحية الخضوع والخنوع من جهة اخرى هما عاملان مدمران لأسس البناء الحضاري، والتخلص منهما معاً كفيل بإعادة تقويم البناء الحضاري.
فهنا المشكلة؛ ومن هنا يبدأ الحل: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.

————————————————————————–

  • من كتاب: “اصول الحضارة بين روح القيم وبراعة الشكل”

عن المؤلف

آية الله السيد هادي المدرسي

اترك تعليقا