ثقافة رسالية

اليَهوُدُ وَالحَرب مِنَ العَهدِ القَدِيمِ إِلَى القُرآنِ الحَكِيمِ (3)

قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ}.) سورة النساء: 155).

  • مجتمع اليهود العنكبوتي

هو مجتمع عنكبوتي متهالك، فالعلاقات فيه تقوم على مبدأ العنصرية أيضاً، وهذا ما يجعلهم دائماً وأبداً يعيشون التناقض والحسد والتباغض فيما بينهم، رغم أنهم يُظهرون أنهم عكس ذلك من حيث الوحدة والألفة والمحبة، ولكن هيهات لهم ذلك وكل منهم يحب نفسه ويُفضِّلها على غيره ويعيش عقدة أوديب (الحقارة) بأقوى أشكالها ومعانيها، وهذه الحقيقة أطلعنا عليها القرآن الحكيم في وصفه لهم، كما يثبتها التاريخ الاجتماعي والسياسي لهؤلاء الأشقياء.

ولذا ترى كل ما يفعلونه منذ آلاف السنين ويسعون إليه لبناء دولة مستقلة بهم، أو حتى شبه حضارة لهم، ولم يُفلحوا في ذلك لأنهم يبنون أفكارهم على تلك المبادئ العنصرية البغيضة التي تجعل منهم كائنات متناقضة لأن المصالح عادة تكون مختلفة ومتناقضة وكل منهم يحاول أن يعمل لنفسه التي يحبها أكثر من الآخرين، لأنهم يعيشون الإثرة ولا يعرفون معنى الإيثار الذي هو من أخلاقنا الإيمانية، وهذا بالضبط من أخلاقيات العنكبوت في بيته وليس في خيطه، وفي نفسه وعائلته وليس في شبكته التي هي من أجمل الشباك وأقوى الخيوط في الكون المكتشف حتى الآن، ولذا قال ربنا سبحانه في القرآن الحكيم: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.(سورة العنكبوت:41).

  • خصائص البيت العنكبوتي

يقول العلماء: “إن خيوط بيت العنكبوت حريرية دقيقة جدا‏،‏ يبلغ سمك الواحدة منها في المتوسط واحداً من مليون من البوصة المربعة‏، ‏أو جزءاً من أربعة آلاف جزء من سمك الشعرة العادية في رأس الإنسان‏،‏ وهي ــ على الرغم من دقتها الشديدة ــ أقوى مادة بيولوجية عرفها الإنسان حتى الآن، ولذلك أطلق العلماء عليه اسم “الفولاذ الحيوي”، أو “الفولاذ البيولوجي”، وهو أقوى من الفولاذ المعدني العادي بعشرين مرة، ومن الألمنيوم 29 مرة  وتبلغ قوة احتماله 300.000 رطلا للبوصة المربعة، فإذا قدِّر وجود حبل سميك بحجم إصبع الإبهام من خيوط العنكبوت فيُمْكِنه حَمل طائرة “جامبو” بكل سهولة‏”، ولذا الآن استطاعوا أن يتدخلوا جينياً ببعض العناكب ليحصلوا على خيوطه ليصنعوا منها سترات واقية من الرصاص بملمس حريري وقساوة ومقاومة أكثر من الفولاذ.

⭐المجتمع اليهودي هو مجتمع عنكبوتي متهالك، فالعلاقات فيه تقوم على مبدأ العنصرية أيضاً، وهذا ما يجعلهم دائماً وأبداً يعيشون التناقض والحسد والتباغض فيما بينهم

فالخيط العنكبوتي هو من أقوى وأشد الخيوط الموجودة في هذه الكرة الترابية، فمن أين الوهن إذن؟ هنا نتبيَّن عظمة وإعجاز القرآن الحكيم الذي وصف بيت العنكبوت بالوهن وليس خيطه، وقد اكتشف بعض العلماء السِّر في بيت العنكبوت وذلك لأن بيته محروم من معاني المودة والرحمة التي يقوم على أساسها كل بيت سعيد‏،‏ لأن أنثى العنكبوت تقتل ذكرها وتأكله بمجرد إتمام عملية الإخصاب، لأنها أكبر حجماً وأكثر شراسة منه‏،‏ وإذا جاعت الأنثى ولم تجد ما تأكله أكلت صغارها‏،‏ وبعد إتمام التلقيح والإخصاب تجمع بيضها عادة وتحتضنه في كيس من الحرير‏،‏ وعندما يفقس البيض وتخرج العناكب الصغيرة،‏ يبدأ الإخوة في الاقتتال من أجل الطعام، فيقتل القوي أخاه وأخته‏ ويأكلهما،‏ حتى يخرج القليل منهم ليبدأ دورة حياة جديدة.

ويلخص أحد العلماء المسألة بقوله: “طبيعة البيت العنكبوتي من الداخل أن الذكر بعد أن يقوم بتلقيح الأنثى تقوم الأنثى بافتراسه (وأكله)، وتتغذى على لحمه طيلة فترة الحضانة للبيض، وبعد أن يفقس البيض تتغذى اليرقات على أضعفها (القوي يأكل الضعيف منها)، ثم بعد أن يقوى ويشتد عود ما تبقى من الصغار تقوم بأكل أمها لأنها أصبحت أضعف الموجود”، هكذا هو البيت العنكبوتي والحضارة اليهودية كهذا البيت المتهالك، وصدق سيد المقاومة حينما وصفها أكثر من مرة: (إن هذا الكيان أوهن من بيت العنكبوت).

  •  حضارة أم حقارة

الباحث في التاريخ الأسود لهذه الجماعات التافهة منذ أن وُجدت على وجه البسيطة وإلى الآن تجدهم في غاية القلَّة والذِّلة والمهانة وذلك لسوء أخلاقهم، وعنصريتهم، وحبهم العجيب للحياة من جهة، وللمال بوجه الخصوص، وهو ما أشارت إليه الآيات القرآنية الكريمة: {قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ}.(سورة البقرة: 93)، فمشكلتهم الأساسية المعصية وحب العجل الذهبي، وهو ربما يكون رمزاً للمال عبر العصور والدهور وهذا ما تثبته الوقائع عبر التاريخ اليهودي كله، فإنه يعبدون المال ولذا دائماً يسيطرون على منابع المال والثروة ولا يعملون إلا بالربا المحرم، ويحاولون بناء دولتهم على تلك المبادئ المتهالكة ولا أدري هل يبنون حضارة أو يفعلون حقارة، وهل تُبنى حضارة بالحقارة في القول والعمل؟

  • عقيدة الغدر المستحكمة

كما أنهم يمتازون بخصيصة منفِّرة تجعل كل مَنْ يعيش معهم لا يأمنهم على نفسه، أو على عرضه، أو على ماله، وذلك لأنهم يعتقدون الغدر بالعهود، والمواثيق، والمعاهدات، وهذا دينهم وديدنهم عبر العصور، ولذا وصفتهم القرآن الحكيم بقوله عنهم: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.(سورة آل عمران: 75).

الغدر من شيمهم وعقائدهم الأساسية وهذا ما أثبتته الوقائع حيث أنهم غدروا برب العالمين وقالوا عنه الكذب وقذفوه بأبشع أنواع الصفات حيث قالوا عنه أنه بخيل، ومعطَّل ويده مغلولة، ولا شأن له بالحياة بل عبدوا العجل الذهبي الذي صنعه لهم السَّامري وعصوا رُسله وقتلوا أنبياءه لهم بشكل عجيب وغريب.

 ونكث العهود هو من أعظم صفاتهم وأشد خصائصهم ولذا تستغرب من هؤلاء الأشقياء من الحكام والسلاطين الذين يتهالكون من أجل التطبيع (وحقيقته التركيع لهم) وعقد المعاهدات والصفقات وتبادل السفراء والقنصليات وهم يعلمون علم اليقين أن هؤلاء الأشقياء سينقضون عهودهم في أول فرصة تلوح لهم وسينقضُّون عليهم قبل غيرهم بل هم سيضعونهم في سلَّة أهدافهم ليستبدلوهم عندما تنتهي مهمتهم وصلاحياتهم بغيرهم ممَّن جهَّزوهم وحضَّروهم ليكونوا في خدمتهم، ورعاية مصالحهم.

فلكل الحكام والملوك والسلاطين الذين وضعهم اليهود ليحكموا بلادنا ثم ليضعوا البلاد والعباد في خدمتهم عليهم أن يحذروا من انقلاب السِّحر على السَّاحر، فاليهودي لا يراعي فيهم إلَّاً ولا ذمَّة ولا يهمونهم بل أول مَنْ سيغدر بهم فأين مَنْ سبقكم من الحكام الذين خدموا الكيان المغتصب أكثر من اليهود أنفسهم أ لم يتخلوا عنهم في أول صرخة شعبة صادقة انطلقت من الجماهير المسلمة الفقيرة المستضعفة؟

  •  من دروس التاريخ

يروي أهل التاريخ أن الكثير من اليهود كانوا يبحثون عن النبي الخاتم في شبه الجزيرة العربية لأن لديهم خريطة طريق كاملة عن ولادته ومشروعه الإصلاحي وهجرته ومن ثم بناء دولته وحضارته الإسلامية وبعضهم وصل إلى مدينة يثرب فوجد المواصفات فيها فسكنوا في أطرافها وراحوا يتلاعبون ببني العمومة والأخوة من الأوس والخزرج، وهما إخوة من اليمن ويستفتحون عليهم بالنبي الخاتم، {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ}.(سورة البقرة: 89)، فكانوا يقولون لهم: سيظهر نبي آخر الزمان ونحن هنا ننتظره لنقتلكم معه.

⭐ التاريخ، والواقع، وهم يشهدون أنهم لم يفوا بشيء من ذلك ولذلك كانوا كلما سنحت لهم الفرصة ينقضون العهد والميثاق مع النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، والمسلمين

ولكن العجيب أنهم عندما بُعث رسول الله، صلى الله عليه وآله، كانوا من أشد الناس عليه، ولا سيما عندما هاجر إلى يثرب كانوا من أعدى أعداءه، رغم أنه كتب لهم (ميثاق المدينة)، وهي أول وأعظم معاهدة وميثاق للعيش المشترك عرفوه عبر تاريخهم الأسود، ولكن هل وفُّوا بعهدهم وميثاقهم مع الله ورسوله؟

التاريخ، والواقع، وهم يشهدون أنهم لم يفوا بشيء من ذلك ولذلك كانوا كلما سنحت لهم الفرصة ينقضون العهد والميثاق مع النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، والمسلمين، وتقدَّم نكث وطغيان (بني قينقاع)، أصحاب الثرة والمال والذهب في المدينة، وهل استفاد مَنْ بعدهم ك(بني النُّضير) من درسهم وهم الذين كانوا يدَّعون العلم وأنهم من نسل هارون بن عمران؟

أبداً بل غدروا برسول الله، صلى الله عليه وآله، حينما نقضوا عهدهم معه بعد معركة أُحد مع قريش المشركة، بل كانوا جزأ أساسياً بها لما قام به اليهود من الهجاء للنبي الأكرم ،صلى الله عليه وآله، والمسلمين، وما جمعه كعب بن الأشرف من سلاح وجنود لقتال المسلمين في معركة أحد، ولم يكتفوا بذلك بل حاولوا اغتيال الرسول، صلى الله عليه وآله، عندما ذهب إليهم في مسألة الدية، فأجمعوا على الغدر به وإلقاء صخرة عليه من فوق السطح الذي جلس تحته مع أصحابه فأخبره سيدنا جبرائيل بنيَّتهم بالغدر به وأمره بالرجوع عنهم ثم بقتالهم وإجلائهم عن المدينة صاغرين مذلولين مدحورين فخرجوا يجرُّون ذيول الخيبة وذلك نتيجة غدرهم ونقضهم عهدهم وميثاقهم مع النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله.

  • بصيرة معاصرة

ولذا على كل مَنْ يمدُّ يده إليهم ليكون معهم ويدور في فلكهم نبشره بالغدر القريب به، لأن هؤلاء الأشقياء لا يعرفون معنى لكل الأخلاقيات والعهود والمواثيق، بل دينهم الغدر وديدنهم العمل به، ولذا سيطعنون المطبِّعين معهم في أول فرصة لأنهم يعتقدون أنه ليس عليهم في الأميين من سبيل، فالحذر من الغدر يا حكام القهر.

يتبع…

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا