ثقافة رسالية

لماذا يجب الاهتمام بالقضية الفلسطينية؟

قال ــ تعالى ــ: {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}

لماذا فلسطين؟

ولماذا الاهتمام الكبير بالصراع الذي قد مضى عليه أكثر من سبعين عاما؟ كثيرة هي الصراع في العالَم؛ صراع على الارض، وآخر على الحقوق، وما اشبه، وبعد فترة من الصراع يتفق الطرفان على صيغة ترضي الطرفان معا، او ان العالَم ينسى الصراع، بحيث يبقى الصراع بين الطرفين.

أما بالنسبة للصراع في فلسطين؛ فما من جولة فيه إلا وترى العالَم ينقسم بين مؤيد لطرف، ومعارض للطرف الآخر.

فما هو مستقبل هذا الصراع؟

وما هي واجباتنا خصوصا في الأحداث الأخيرة؟

بالنسبة للشق الأول من الحديث؛ فلا يمكن ان نفهم هذا الأمر وأهمية فلسطين بالنسبة لنا، وبالنسبة الى البلدان الغربية إلا وأن نقرأ ضمن ما كان يسمى في الأدبيات القديمة بمصطلح الاستعمار، والذي غاب كمصطلح عن التداول في هذا زمن بعد ان كان متداولا بشكل كبير في خمسينيات القرن الماضي.

⭐ الغرب مستعد للتنازل عن ادعائه حقوق الانسان من اجل ان يبقى الكيان الغاصب، كما يجري هذه الأيام والمعركة قائمة

الصراع الذي نجده اليوم ليس صراعا بين الفلسطينيين والاسرائليين فقط، ولا هو صراع ــ كما حاول البعض تسميته ــ عربي اسرائيلي (بين العرب واسرائيل)، بل في حقيقة الامر هو صراع إسلامي غربي.

الغربيون زرعوا في منطقتنا الكيان الغاصب، وافضل تعبير يمكن ان نعبر عنه تعريفا لدوره في المنطقة هو (كلب حراسة على هذه المنطقة)، فهو يحمي مصالح البلدان الغربية، واستمرار هيمنهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية على بلادنا وثرواتها ومجتمعاتها.

فأي بلد يحاول ان يخرج من بيت الطاعة ويكون مستقلاً ومسيطراً على ثرواته وموارده الطبيعية، فأحد الادوات التي تُستخدم في تطويع هذا البلد يكون عن طريق الكيان الغاصب.

إذا فهمنا هذا الدور؛ ندرك لماذا الدعم السخي العسكري والاقتصادي لهذا الكيان، فحَسَب الاحصائيات من عام 2003 الى 2023 مقدار المساعدات العسكرية  الامريكية المباشرة التي وصلت للكيان الغاصب 230 مليار دولار، وحسب تعبير بعض  المفكرين؛ ان الولايات المتحدة صرفت على اجتياح العراق وأفغانستان حدود ألفين مليار دولار أي تلريوني دولار، فبدل هذا الأمر والخسائر الكبيرة اسسوا لقاعدة عسكرية اسمها إسرائيل، يدعمونها بالمال والسلاح، والغطاء السياسي، والشرعية الدولية كما يسمونها، إذ تقوم هذا القاعدة العسكرية (إسرائيل) بالدور الذي يريدونه، والغرب مستعد للتنازل عن ادعائه حقوق الانسان من اجل ان يبقى الكيان الغاصب، كما يجري هذه الأيام والمعركة قائمة.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى نهتم بهذه القضية لان الكيان يستهدف بلداننا، ولو لاحظنا كل الخطط التي وضعت سابقا فيما يسمى (بالشرق الاوسط الجديد)، إنما هي عبارة عن منطقة واحدة فيها رأس واحد هو اسرائيل، وهذه الخطة كان مرسوما لها ان تُنفّذ، لولا ان حرب تموز 2006 أفشلت هذه الخطة، وما يجري اليوم من محاولة تطبيع البلدان العربية، إنما في حقيقة الامر دمج اسرائيل في هذه المنطقة كرأس على بقية البلدان.

⭐ دِيننا ومعتقدنا يحتم علينا ان ننصر القضية الفلسطينية، وموقف علمائنا من قديم، وهناك كتاب تحت عنوان “مواقف فقهاء الشيعة من قضية فلسطين في القرن العشرين”، تضمن مواقف علماء الإمامية تجاه فلسطين

كذلك نهتم بهذه القضية أن الفلسطينيين مسلمين، واضافة  الى ذلك ان الشعب الفلسطيني مظلوم ومستضعَف، وقد اُمرنا في القرآن الكريم ليس الدفاع عن المستضعَف وعن المظلوم، بل دعوة الى القتال قال ــ تعالى ــ: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}، هذه الآية دعوة للقتال في سبيل نصرة المستضعَف، فدِيننا ومعتقدنا يحتم علينا ان ننصر القضية الفلسطينية، وموقف علمائنا من قديم، وهناك كتاب تحت عنوان “مواقف فقهاء الشيعة من قضية فلسطين في القرن العشرين”، تضمن مواقف علماء الإمامية تجاه فلسطين، فعلماؤنا كان لهم موقفا من ثلاثينات القرن الماضي قبل احتلال فلسطين، بدايةً من الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والى يومنا هذا.

  • مستقبل الصراع

ونتناول ذلك اختصارا بنظرة القرآن الكريم اولا، والتاريخ ثانيا؛ في الآيات القرآنية التي توجنا المقال بها، إنما جاءت بعد حوالي ثلاثين آية كانت تتكلم عن تاريخ الحضارات السابقة، وحينما كذّبت الحضارات انبياءها جاءها الهلاك والعقاب، وكما جرت سنّة الإهلاك في الحضارات السابقة تجري في الحضارات اللاحقة.

{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}، أصل  الشيء أن تلك الحضارات اعتمدوا في قبال الله ــ سبحانه وتعالى ــ على شيء، وظنّوا انه يغنيهم عن الله، فقارون ظنّ ان الأموال، وشراء الذمم تغنيه، فوقف امام نبي الله موسى عليه السلام، وفرعون حاكم مصر الذي قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي}، فظنّ انها تغنيه فرفض دعوة موسى عليه السلام.

اليوم هناك دول لديها الجيوش والتخطيط الدقيق، والإعلام الذي تسيطر به على وعي الناس، وتوجهه أين ما شاءت، ولديها القوة والمنعة المتنوعة، تظن هذه الدول أن منعَتها تكون سابقة لامر الله، وقبال امر الله كل تلك القوة لا شيء.

من الناحية التاريخية هناك من المفكرين من فصّل ما سيحدث للكيان الغاصب، يقول: تاريخيا كل عمليات الاحتلال، او ما يسميه بالجيوب الاستيطانية، اقدمت على صنع نموذجين؛ الاول: إبادة السكان الاصليين مثلما حدث في امريكا الشمالية، واستراليا،  فقد كان هناك قبائل وعشائر اُبيدت تماما، ولم يبقَ منهم إلا القليل دُمجوا في النظام الجديد، تلك الجيوب بقيت مع التاريخ.

أما الجيوب الاستيطانية التي لم تستطع إبادة السكان الاصليين؛ مثل افريقيا الجنوبية، وزائير، في نهاية المطاف انتهت تلك الجيوب الاستيطانية، ورجع السكان الاصليون وأخذوا مناطقهم، واسرائيل من الجيوب الاستطانية من النوع الثاني، وفي يوم من الايام ستنتهي، وتخرج من فلسطين، طالت المدة أم قصرت، وفي الوعي التاريخي اليهودي يدركون ذلك جيدا، انه لا يوجد دولة يهودية دامت أكثر من ثمانية عقود.

  • ما هي واجبنا تجاه القضية الفلسطينية؟

هناك عدة واجبات يجب القيام بها:

  • الاول: الاهتمام

من المهم المتابعة لما يجري يوما بيوم ومتابعة المواقف العملية المختلفة للجهات المتنوعة، ثم انه يجب ان لا ننخدع بالشعارات مرة أخرى، فاليوم نرى الموقف الغربي الداعم للكيان الغاصب، والمبرّر لاجرامه بحق الفلسطينيين.

⭐ العالَم الغربي الذي يصرخ بكاءً على الاكرانيين الذي فقدوا الماء والكهرباء، يغض الطرف عن انتهاك الجيش الاسرائيلي الذي يمنع الكهرباء، والماء، والغذاء عن أهل غزّة

العالَم الغربي الذي يصرخ بكاءً على الاكرانيين الذي فقدوا الماء والكهرباء، يغض الطرف عن انتهاك الجيش الاسرائيلي الذي يمنع الكهرباء، والماء، والغذاء عن أهل غزّة.

حينما نسمع ذلك منهم، ندرك انهم كاذبون، وان شعارات حقوق الانسان، والقانون الدولي، وحقوق الحيوان، كل ذلك من اجل مصالحهم لا أكثر، و تدخلهم في بلداننا.

القنوات الموجهة الينا باللغة العربية في حقيقتها قنوات استعمارية؛ فحين تطرح هذه القنوات قضايا مثل الجندر، والمساواة بين الرجل والمرأة، وتمكين المرأة، فهذه مؤامرة ضدنا، وعلى أقل التقادير يجب ان نتعامل مع الطرف المقابل بحذر، وانه متهم حتى تثبت براءته وليس العكس، والقضية الفلسطينية والحرب الدائرة اليوم في غزّة أجلى فرصة لمعرفة العالَم الغربي.

ثانيا: بث الوعي اللازم في أوساط الامة، لان جزءا من المعركة هي معركة الوعي.

ثالثا: الدعاء؛ صحيح ان الامور بيد الله، لكن بالدعاء تحسم موقفك في أي اتجاه تكون، بمعنى آخر: انني لا استطيع فعل شيء، لكن بقلبي انا مع هذا الطرف ضد الطرف الآخر وذلك بالدعاء.

رابعا: الشبهات التي تطرح في هذا الجانب؛ لابد من معرفة خلفيتها اولا، ثم ايقافها عند حدها ثانيا، فأي كلام يصدر من شخص، فلابد من النظر الى خلفية ذلك الكلام، ونفسية المتكلّم، ومن ثم الرد عليه.

كذلك يمكن الرجوع الى العلماء لمعرفة موقفهم تجاه القضية، فلا يجب اطلاق الاحكام قبل النظر، فعلماؤنا خلال هذه المواجهة (طوفان الاقصى) اصدروا بيانات تبين مظلومية الشعب الفلسطيني، فمن سماحة المرجع المدرسي، الى سماحة السيد المرجع السيستاني، والشيخ بشير النجفي وغيرهم، كل تلك البيانات دعوة الى نصرة الشعب الفلسطيني، وتأييداً للقضية.


  • (مقتبس من محاضرة لسماحة السيد محسن المدرّسي)

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا