ثقافة رسالية

مسؤوليتنا بعد زيارة الأربعين

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}

الاعصار الميمون الذي لم نجد له مثيلا في التاريخ، ولا في أي موقع في العالم، وهو إعصار “أربعينية الإمام الحسين، عليه السلام”، في هذه المناسبة تتم السعادة على المؤمنين، ويُبارك لهم، ويحلّق البعض الآخر الى الآفاق الوسيعة في العلم والأخلاق.

البعض يظن انه ما دام قد اشترك في هذه المناسبة العظيمة، وبذل جهدا مضاعفا فقد أدّى ما عليه، فبعد الزيارة ـ حسب هذه النظرة ـ هو وقت الراحة.

هدفنا ـ نحن كمسلمين ـ ان نحمل أمانتنا الى ربنا وان نستمر حتى يباغ الكتاب أجله، قال ـ تعالى ـ: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}، وتعني حق تقاته: { وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، وفي آية أخرى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} واليقين هو الموت.

وبعد أن انتهت زيارة الأربعين لابد من طرح السؤال التالي: ما هي مسؤوليتنا بعد زيارة الاربعين؟

هذا السؤال يمكن طرحه على أي مشارك في هذه الزيارة العظيمة، وقد نطرحه على النخبة في المجتمع.

المسؤولية الشرعية بعد الأربعين تتمثل في عدة نقاط:

  • الأولى: دراسة عِبر الأربعين:

زيارة الاربعين التي احياها حسب الاحصاءات الرسمية اكثر من اثنين وعشرين مليون شخص في العراق، وفي ايران خرجت عشرات الملايين، وكذلك في البحرين كانت هناك مشاركة فعّالة لاحياء هذه المناسبة، وكذا في الهند وباكستان وبقية الأماكن في متختلف دول العالم.

الجميع خرج وشارك في هذه المناسبة العظيمة، وكل حسب طاقته، والهدف الذي يريد الوصول اليه.

كل حادثة تقع او ظاهرة تمر علينا لابد أن تحتوي على العِبرة، والسؤال هنا: ما هي عِبرتنا التي نستخلصها من زيارة الأربعين؟

العِبرة الأولى: أن الأمة الاسلامية لازالت حيّة؛ على الرغم من كل الضغوط والاحداث، والعقبات التي وضعت امامها.

فهذه الجموع التي خرجت في مسيرات راجلة الى الإمام الحسين، عليه السلام، في هذا الحر القائض، هي نفسها مستعدة للمشاركة في عمل آخر إذا ما طُلب منها ذلك، ولا يضعون البريرات للهروب من العمل الصالح، لان الانسان يوم القيامة يُحاسب مرتين؛ مرة لتركه العمل، ومرة على التبرير والكذب.

⭐ الواجب الشرعي على النخبة؛ وهم العلماء، والخطباء، والمنشدون، والمسؤولؤن على الهيئات وغيرهم من النُخب، الواجب عليهم أن يخططوا لهذه المسيرة المليونية المباركة، وان يرسموا آفاقها المستقبلية للناس

فمن يجلس في بيته ولا يتحمل أي مسسؤولية ويتذرع بعدم تمكنه من حمل المسؤولية، هؤلاء يحاسبهم الله، لانه كان باسطاعتهم ان يقوموا بشيء في هذه الحياة.

الذين خرجوا في زيارة الاربعين هم الذين خرجوا لمحاربة داعش، و أحد الاشخاص من النجف الاشرف كان لديه عشرة أولاد كلهم استجابوا لنداء العلماء وخرجوا لمحاربة داعش، حتى أن أباهم كان مستعدا هو ايضا للالتحاق بهم! وكما أن للمؤمنين مشاركة في الحرب لهم أيضا مساهمات في السلم في مواقف كثيرة ومختلفة.

العِبرة الثانية: الواجب الشرعي على النخبة؛ وهم العلماء، والخطباء، والمنشدون، والمسؤولؤن على الهيئات وغيرهم من النُخب، الواجب عليهم أن يخططوا لهذه المسيرة المليونية المباركة، وان يرسموا آفاقها المستقبلية للناس.

الانسان العادي قد شارك في مسيرة الاربعين، لكن لديه مجموعة من التساؤلات، فهذا الزائر يأتي الى الإمام الحسين، عليه السلام، لكنه لا يعرف مَن هو الإمام، وهنا تقع المسؤولية على عاتق النخبة وهم العلماء، في بيان مَن يكون الإمام الحسين، عليه السلام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أتى الحسين عليه السلام عارفا بحقه كتب الله تعالى له في أعلى عليين. وجاء في رواية عن معنى “عارفا بحقه” يعلم أنه مفترض الطاعة”.

 الإمام الحسين، عليه السلام، وسيلة بيننا وبين رب العزّة، وهو إمام؛ أي يجب ان نقرأ سيرته وحياته، وكلامه، لنتبعه، ونقتدي به في حياتنا.

الإنسان العادي الذي يأتي لزيارة الإمام الحسين، عليه السلام، لا يعرف هذه الحقيقة، ومسؤولية النخبة ـ الذين حباهم الله بالمعرفة ـ ان يبثوا معرفة الإمام الحسين، عليه السلام.

العِبرة الثالثة: التنافس الكبير في عمل الخير:

يقول ـ تعالى ـ: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}

في زيارة الاربعين يتنافسون المؤمنون على الأعمال الصالحة والخيّرية؛ بالعطاء، والكرم، والإيثار، ومن زيارة الأربعين نتعلّم التنافس على الخير، والتكامل أكثر فأكثر، وهذا التنافس يكون في الزيارة ام في غيرها من باقي أيام السنة.

  • المسؤولية الثانية: الحاجة الى صنع القيادات

المجتمع الكبير الذي يحضر في زيارة أربعينية الإمام الحسين، عليه السلام، بحاجة الى قيادة، وإدارة، فمن يستطيع ان يصنع من نفسه إنسانا قادرا على الإدارة فليعمل على ذلك، لان الكثرة المتراكمة ليست معيارا، إنما المعيار هو إدارة الكثرة.

الكثير في المجتمعات الاسلامية لا يولي فن وعلم الادارة الأهمية المطلوبة، ولا يعلمون ان هذا العلم والفن يؤثر في الآخر، صحيح ان كلمة (الإدارة) لا نجدها في ادبياتنا الاسلامية، إنما هناك كلمة أخرى مشابهة لها وردت في القرآن الكريم، والروايات الشريفة وهي كلمة “التدبير”.

⭐ المجتمع الكبير الذي يحضر في زيارة أربعينية الإمام الحسين، عليه السلام، بحاجة الى قيادة، وإدارة لان هناك نقص حاد في إدارة هذه الجموع الهادرة

من خلال الدراسات في علم فن الادارة” ان الشخص الواحد يستطيع ان يدير مئة وعشرين شخصا”، فإذا اخذنا هذا الاعتبار، فكم مديراً نحتاج لادارة الجموع المليونية في زيارة الاربعين؟

نحن نعاني من نقص حاد في القيادات الادارية، ولابد من بذل الجهد ومواصلته ان تكون الإدارة بيد العلماء، قال الإمام الحسين، عليه السلام، في رسالته الموجهة الى العلماء: “فإن مجاري الامور على العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه”.

والسؤال هنا: كيف نسد النقص الحاد في القيادات الادارية؟

الجواب على ذلك: أن يكون كل واحد منا مديرا، ويصنع مدراء. وهذا الامر ليس مستحيلا، فالمشاريع الكبيرة مثل الحوزات العلمية بدأ تأسيسها على يد شخص واحد وكل ذلك بالتوكل على الله ـ تعالى ـ، وكل واحد منا مسؤول بأن يؤسس حوزة، او مشروعا فيه الخير والصلاح للمجتمع، ومع ذلك التأسيس يجب تربية القادة الإداريين ليتحملوا المسؤولية فيما بعد ويؤسسوا لمشاريع جديدة، حتى يتم استياعب الجموع الايمانية الهادرة، سواء كانت في زيارة الأربعين أم غيرها. أت

  • المسؤولية الثالثة: الاعداد للأربعين القادمة:

{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً}، فلابد من توفير عدة العمل للأربعين القادمة بعد انتهاء هذه الزيارة، فيجب تهيأة أنفسنا من خلال توفير الأمور الضرورية التي تحتاجها الزيارة، ومعروف عن العراقيين انهم من بعد عيد الفطر يبدأون الاستعداد لزيارة الاربعين، ويجب توسعة أعمال جديدة لزيارة الأربعين، فإذا أسسنا هذه السنة سبعة مواكب، لنحاول ان تكون في السنة القادمة اربع عشر موكبا.

________

  • مقتبس من محاضرة لسماحة المرجع المدرسي (دام ظله)

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا