غير مصنف

هل تعيش لوحدك؟؟

في السوبرماركت (التسوّق المنزلي) كان البائع نشيطاً و مرحاً كثيراً …

{وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} (سورة القلم، الآية: ٢٥)

في السوبرماركت (التسوّق المنزلي) كان البائع نشيطاً و مرحاً كثيراً.

دخلت لأشتري منه، و أثناء تجوالي داخل السوبرماركت، و قريباً من البائع دخل شابٌّ ليشتري البيض -الذي تحاول الحكومة العراقية أن تلغي استيراده من الخارج بسبب وفرته محلياً- قال البائع للشاب: “أدري…! شجاكم انهمشتوا عالبيض؟! لمن كان البيض رخيص و عشرة بيضات بألف دينار كنت أبيع نصف كارتون باليوم، و هسة من صار البيض اربعة بألف أبيع كارتون و نص”!

هذه القصة ربما تكون طريفة للبعض، و ربما تبكي البعض، لانها تعود الى اسباب نفسية واجتماعية تشكل أساس أكثر مشاكلنا، ومنها؛ أننا لا نشعر ببعضنا.

فلا يمكن أن يكون هناك مجتمع متكامل إلا إذا تكوّن من طبقات عدة؛ طبقة فقراء، و طبقة أغنياء، وطبقة متوسطة، و لولا ذلك، لأصبحنا مثل المجتمعات الخليجية التي تستورد الفقراء! ومجتمع كهذا يكون غير متكامل، و غير منسجم لأن الفقراء ليسوا من نفس النسيج الاجتماعي للأغنياء، و ليست لهم لغة مشتركة، و لا ديانة و لا تاريخ مشترك.

لكن أن يتكوّن المجتمع من عدة طبقات، فهل بالضرورة أن تكون هناك طبقة مُعدمة و أخرى في قمة الرفاهية؟! أم ينبغي وضع حد أدنى من الامكانات المعيشية تضمن للطبقة الفقيرة العيش الكريم؟

في العراق يوجد تعدد الطبقات في المجتمع، لكن لا يوجد حد أدنى للعيش؛ فالحكومة مسؤولة عن تحقيق هذا الحد الأدنى، لكن يبقى المجتمع هو العامل الأساس و الحاسم في ذلك.

إننا نرى الأغنياء من مجتمعنا و متوسطوا الحال يمتلكون أموال تغطي تكاليف الكهرباء وأمور معيشية أخرى، فالكهرباء مثالاً؛ هناك من باستطاعته تسديد تكاليف باهضة للكهرباء “الوطنية”، وايضاً للمولدات الأهلية “الخط الذهبي” بتشغيل 24ساعة، كما لدى الكثير مولدات كهرباء للحالات الطارئة، بينما هذا غير موجود لدى العوائل المحدودة الدخل والفقيرة، لذا نجدهم يقتصرون على المولدات الأهلية، ولا يدفعون للحكومة، فهم يطالبون بإنصافهم، بدعوى أن الكهرباء “الوطنية” غير منتظمة ولا مستمرة، واحياناً يستمر القطع لساعات طوال في بعض المدن.

فهل يشعر الأغنياء بهذه المعاناة؟

عندما يفقدون الشعور باخوانهم الفقراء، فمن الطبيعي أن يشاركوا في التظاهرات المطلبية مع الفقراء لتحسين الخدمات، لأن شأن الفقراء لا يعنيهم، فهم قادرون على الدفع مهما بلغ الثمن، و لا مشكلة لديهم.

و لا تتوقف المشكلة هنا فهي أكبر بكثير من هذا، فهي ذات أبعاد اجتماعية تعمّ بلاد وشعوب اسلامية اخرى.

فالذي يسكن في العراق لا علاقة له بمن يسكن في مصر و العكس ايضاً، و الذي في اندونيسيا لا علاقة له بإيران، و لا بدولة جزر القمر الإسلامية، و لا علاقة له بتركيا أو بالجزائر، أو نيجيريا.

كل شعب حائرٌ بشأنه الخاص، و يحاول حل مشاكله لوحده، و ربما تطلب بعض الدول المساعدة من الأعداء، و تترك الأصدقاء، و هذا عائد إلى خلل في التفكير الجمعي للشعوب المسلمة التي تركت التمسك بحبل الله بسبب الأفكار الدخيلة التي بثتها وزارة المستعمرات البريطانية منذ تشكيل “الدويلات” الاسلامية في بدايات القرن الماضي، و ما تزال مخابرات الدول الغربية، و المؤسسات الثقافية والاعلامية ضخمة جداً تبث الأفكار المنحرفة في عقول البعض من ابناء الجيل الجديد على شكل نُكات، أو قصص وهمية، أو مسلسلات، أو أفلام، ويكون النشر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، الى جانب القنوات الفضائية.

علينا أن نعرف أن تصرفاتنا تؤثر على غيرنا، ومن ثمّ يعود التأثير علينا، فلنجعل تصرفاتنا خيراً. فهل يا تُرى يأتي اليوم الذي نستيقظ فيه؟

————————–

*الحَرْد : (المعجم الوسيط)

الحَرْد يقال: رجلٌ حَرْدٌ : معتزلٌ عن الناس مُتَنَحٍّ. والجمع : حِرَادٌ. 

عن المؤلف

كرار المدني/ طالب في كلية الإدارة والاقتصاد

اترك تعليقا