إضاءات تدبریة

القرآن الكريم سلاحٌ علينا تعلّم استخدامه

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}

عدم إتقان استخدام السلاح يجلب على صاحبه المكاره والاضرار البالغة.

هذه قاعدة عقلية معروفة، لذا وجب تعلّم استخدام السلاح بمختلف أنواعه من أجل تأدية الغرض المطلوب لصاحبه، كأن يكون دفاعاً عن النفس، او تنفيذاً لواجب التصدي للأعداء في الداخل والخارج.

هذا من الاسلحة المُصنّعة من عناصر الحديد والخشب، تضاف اليها الذخيرة (الرصاص)، وثمة سلاحاً آخر أمضى منه وأنفذ، وهو ليس من جنس النار، ولا يصيب أحد في جسده، إنما هو من جنس الروح، يخترق القلوب والنفوس، إنه؛ القرآن الكريم، المشحوذ بالعلوم والمعارف والحكم والعِبَر مما لم يؤت لأمة من البشر قط، مما يمكن المسلمين والعاملين به لأن يتخذوه سلاحاً يتصدّوا به لكل التحديات من حولهم، فهو المكين علمياً ومنطقياً وفكرياً، والقادر على إفحام الطرف المقابل بالحجج البالغة والبراهين الواضحة، قبل حماية الانسان المسلم نفسه، وتعزيز الحصون العقدية والفكرية حوله، “فهو سلاحك ضد عدوك الداخلي متمثلاً بالشيطان والنفس الأمارة بالسوء، وضد أعدائك في الخارج”، (القرآن حكمة الحياة- المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي).

  • لابد من فهم القرآن أولاً

تؤكد الروايات عن المعصومين، عليهم السلام، الى جانب وصايا العلماء بضرورة إعطاء أهمية بالغة لمسألة فهم القرآن الكريم والتدبر في آياته بعد مرحلة التلاوة الصحيحة، فهو نورٌ، وتبيان لكل شيء، فحتى نستضيئ به لابد من معرفة ما يريده منّا بالضبط، فهل يقبل أن يكون بين يدي انسان يكذب في قوله، ويخون أمانته، ولا يصل رحمه، وديدنه التكبّر والتطاول على الآخرين؟

وهل يعقل أن يكون هذا الكتاب العظيم مصدر فائدة لانسان كهذا؟!

إن كلمة “أقوم” الواردة في الآية الكريمة المتصدرة للمقال، لها معانٍ عديدة منها ما أورده سماحة المرجع المدرسي في تفسيره (من هدى القرآن) بانه “البعد عن الهوى، والضلالة، والخرافة، في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التربوية، ومن ثمّ فهو ينسّق بين سعي الانسان من جهة، وفطرته، والطبيعة من حوله، والتاريخ وسننه من جهة اخرى”، ومن ثمّ تتوفر حالة النزاهة والشفافية في الروح والفكر لينعكس كل ما في القرآن على سلوك وتفكير من يقرأه.

⭐ تؤكد الروايات عن المعصومين، عليهم السلام، الى جانب وصايا العلماء بضرورة إعطاء أهمية بالغة لمسألة فهم القرآن الكريم والتدبر في آياته بعد مرحلة التلاوة الصحيحة، فهو نورٌ، وتبيان لكل شيء، فحتى نستضيئ به لابد من معرفة ما يريده منّا بالضبط

وثمة التفاتة ذكرتها في مقال سابق حول طريقة تعاملنا مع القرآن الكريم، احتفظ بها في الذاكرة من أحد استاذتي الكرام في درس التدبّر بالقرآن بأن “علينا أن نجلس جلسة التلميذ اذا فتحنا القرآن الكريم للقراءة، لنحسس انفسنا بأننا نتعلم أبداً من هذا الكتاب السماوي كل شيء”، وعبر نوره المشع نكتشف حقائق علمية، وقوانين تفيدنا في ايجاد بدائل وحلول لما نشكوه في حياتنا.

ولعل من المصاديق العملية لوصية أمير المؤمنين في أواخر حياته بأن: “الله الله في القرآن لا يسبقنكم بالعمل به غيركم”، هو الواقع المرير الذي نعيشه اليوم باعتمادنا على بدائل وحلول وأنماط للحياة والتفكير ممن لا يؤمنون بالاسلام ولا بالقرآن الكريم، وربما حتى بوجود الخالق، سوى أنهم طالعوا القرآن بشكل متأنٍ واسخرجوا منه بعض الافكار التنموية والانسانية المثيرة للمشاعر والمحفزة على  التفاعل، لاسيما عند فئة الشباب.

  • هل القرآن موجود في بيوتنا مثل السلاح الناري

بلى؛ القرآن الكريم المطبوع بأشكال زاهية وبألوان جذابة، و زخارف، مع علامات ملونة في الداخل، وغيرها من المسائل الفنية الكثيرة، هذا الكتاب المجيد موجود في شكله الظاهري (كتاب) على رفوف معظم –إن لم أقل جميع- بيوتنا، ولكن!

هل هو  نفس ذلك الكتاب الذي كان النبي الأكرم يعطي للمجتمع الاسلامي الأول المنظومة الاخلاقية المتكاملة، وآداب التعامل، ومنظومة الأحكام والقيم، ويشيّد به أسس الحضارة الاسلامية بالعدل والحرية والمساواة والأمن؟

⭐ عندما نريد أن يكون القرآن الكريم سلاحنا لمواجهة اي نوع من انواع المخاطر في حياتنا، القريبة منّا والبعيدة، فمن الجدير أن نكون قريبين ولصيقين به مادياً ومعنوياً

عندما نريد أن يكون القرآن الكريم سلاحنا لمواجهة اي نوع من انواع المخاطر في حياتنا، القريبة منّا والبعيدة، فمن الجدير أن نكون قريبين ولصيقين به مادياً ومعنوياً، كما نفعل ذلك من السلاح الناري مثل؛ المسدس والبندقية الآلية (الرشاشة) التي يفتخر الكثير باقتنائه في منزله، عادّاً إياها مصدر توفير الأمن له ولعائلته، فمن الجدير بنا أن نعطي حصّة من الاحاديث الجانبية في البيوت بعد تناول وجبة الغداء او العشاء مع افراد العائلة، للأحكام والقوانين والآداب الواردة في القرآن الكريم، وبشكل عام؛ نوجِد علاقة صلة بين حياتنا اليومية والقرآن الكريم، على أن أي حادثة او مسألة او مشكلة في حياتنا لها منفذ للحل في آيات الذكر الحكيم، بشرط المواظبة على قراءة القرآن مما يجعلنا نستحضر الآية ذات المدخلية في حل هذه المشكلة او تلك، ولعل هذه أهم فائدة لقراءة القرآن بشكل متأنٍّ، وليست القراءة التي تشبه قراءة أي كتاب آخر. وفي الختام نلتمس المسك مما قاله رسول الله، صلى الله عليه وآله، لأصحابه في حديث طويل عن أهمية ومكانة القرآن الكريم في حياتنا؛ “إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع وماحل مصدق، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل يدل على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكم وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق”.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا