مكارم الأخلاق

مواصفات الشيعي الحقيقي [8] عِش حياتك الخاصة ضمن الجماعة الصالحة

يقول الإمام الحسن، عليه السلام: “كن في الناس ولا تكن معهم”.

الإنسان كائن يتغير دائما وابدا، يعيش حالة التغيّر والتحوّل، والتحولات والتغيرات تطرأعلى الفرد والمجتمع، وتارة تكون ظاهرة وواضحة، وأخرى لا يشعر بها الانسان، والتحولات والتغيرات تارة تكون بطيئة، وأحيانا تكون سريعة.

في ظل تلك التغيرات والتحولات ـ سلبية أم ايجابية ـ سواء في إطار الفرد، أم في إطار المجتمع، ما هو موقف الإنسان منها؟

بطبيعة الحال لا يمكن للإنسان أن يعيش معزولا عن المجتمع، لان ذلك خلاف فطرته، لان الانسان مجبول على الحياة الاجتماعية، والانسجام، والتوافق الاجتماعي وما اشبه؛ لذلك لا يمكن للفرد أن يعيش بعيدا عن مجتمعه، لان الانفرادية يعني ان يعيش الانسان العُقد، والوحشة، والامراض النفسية والجسدية.

⭐ إذا كان يصعب على الإنسان أن يعيش معزولا، فهل يعني أن يتماشى مع افكار المجتمع؟

فإذا كان يصعب على الإنسان أن يعيش معزولا، فهل يعني أن يتماشى مع افكار المجتمع؟ هل هو مضطر ان يتقلّب مع تقلباتهم؟ بالطبع لا، لان لكل إنسان شخصتيه المستقلة، فما من فرد ـ حتى التوأمين ـ إلا وله خصوصية تميّزه عن غيره، ومع ذلك يعيش الناس مع بعضهم بعضا.

ليس الانسان مضطراً ان يعيش مع أفكار الناس، حتى يتمكن من العيش بينهم، فبإمكانه ان يعيش في المجتمع وهو لا يتواطأ مع افكارهم وتحولاتهم، ولهذا يؤكد الإمام الحسن، عليه السلام، على إمكانية هذه الحالة، بل يأمر ان يعيش في أجواء المجتمع مع شرط المحافظة على شخصيته واستقلالها، فهو يشاركهم في افراحهم واحزانهم، وله وجود اجتماعي، لكن مع وجوده بينهم لا يمكنه إلغاء شخصيته.

لا توجد هناك حتميات اجتماعية تفرض على الانسان أن يخوض مع المجتمع في كل شيء، بل من يقول بذلك هو يبرر لنفسه، فلا يوجد “حشر مع الناس عيد”، ويكون منطق البعض (كل الناس تسوي)! سواء كان في الافراح او الاتراح، فقد تجد البعض ينتقد الحالة، لكن قد يمارس الفعل الذي كان ينتقده، وحين تسأله: ليش سويت هيج؟ يقول: (كل الناس تسوي).

الانسان المؤمن لا يساير الناس في تحولاتهم السلبية، واذا كان هناك تحول ايجابي يقبله، ليس لارضاء المجتمع، وإنما لانه حق، وهو صواب وصلاح، فقبول الشيء والعمل به، لا لأن الناس عملوا به، او تركوه، إنما المعيار في ذلك هو الحق والصواب.

وخصوصية الشخصية لا يعني ان ينفرد الانسان بأهوائه وارائه، بل هي خصوصية تنبع من قيم السماء، و ملؤها الإنسانية الحقة، فالمؤمن يأخذ من المتغيرات ما ينفعه ويصلح مجتمعه، ويترك ما يضره ويفسد المجتمع.

هذا هو الوضع الطبيعي للإنسان السوي والمستقيم، أما ذلك الفرد الذي لا يعيش مع الناس هو غير سوي، وكذلك الذي يعيش مع المجتمع في كل شيء، أيضا مريض، لانه لا وجهة محددة له، فالاخرون هم الذين يوجهونه، ويتأثر بالاجواء، وتأخذه الرياح يمينا ويسارا، وهذا دلالة على ضعف الشخصية.

التغيير مطلوب؛ لكن الى الافضل، والأجود، أكثر حسنا، وثقافة، وصلاحا، ورشدا، هذا هو التحول الحقيقي، {إهدِنَا الصراطَ المُستَقِيم}، اي زدنا هدنا، فالصراط نحن نمشي عليه، لكن نحتاج الى المزيد لنرى أكثر، كصاحب السيارة الذي يسير في الليل البهيم، صحيح أن مصباح سيارته يضيء لمسافة خمسين مترا، أما إذا كان مصباح السيارة يضيء لمسافة مئتين متر، ألم يكن ذلك افضل له وأسلم في مسيره، أما إذا كان المصباح يصل لمسافة ألف متر يكون ذلك أكثر سلامة للسائق، ويكون المسار واضح، فيعرف متى يكون هناك منحنى، أو مطب، او سيارة قادمة، فكلما كان النور أقوى كان أقرب الى السلامة.

⭐ التغيير مطلوب؛ لكن الى الافضل، والأجود، أكثر حسنا، وثقافة، وصلاحا، ورشدا، هذا هو التحول الحقيقي، {إهدِنَا الصراطَ المُستَقَيِم}

يقول الإمام الكاظم، عليه السلام: “من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في نقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة”، ففي كل لحظة يجب أن يزداد الإنسان المؤمن الى الاحسن، يزداد روحا، وإرادة، فهو حينما يرى ويستمع يزاد رؤية جديدة.

الانسان حينما يذهب الى السوق يختار البضاعة الاحسن والأفضل، ويترك الرديئة منها، حتى لا يصاب بأي مرض، وكذا على الفرد المؤمن أن يختار الأجود والأحسن من الافكار، لان الثقافات والأفكار معروضة في سوق مفتوح وعليه أن يختار منها ما يُطعم ذهنه بشكل جيد، عن زيد الشحام، عن أبي جعفر الباقر، عليه السلام، في قول الله عز وجل: {فلينظُرِ الإنسانُ إلى طَعَامِهِ} ” قال: قلت ما طعامه؟ قال: علمه الذي يأخذه، عمن يأخذه”، وذلك يكون عبر ممن يرتبط بالوحي، لان ذلك هو المعين الصافي.  إن الإنسان كائن يتغير ويتحول بحكم كونه اجتماعيا، لكن مع ذلك له شخصية لها استقلالها، فلا ينساق مع المجتمع في كل شيء، واستقلال الشخصية لا يعني ابتعادها عن الحق، وعليه أن يسعى الى التغيّر الايجابي في كل لحظة من لحظات حياته، لانه من لم يكن في زيادة فهو في نقصان.

عن المؤلف

آية الله الشهيد المجاهد الشيخ نمر باقر النمر

اترك تعليقا