رأي

تقارير تطويع الإرادة

تقارير حقوق الإنسان مشروع ممنهج للتخدير ولتحويل إرادة المعارضين من قوة كرامة تطالب بانتزاع الحقوق إلى إرادة ناعمة تتمنى صحوة ضمير من المستبدين و …

تقارير حقوق الإنسان مشروع ممنهج للتخدير ولتحويل إرادة المعارضين من قوة كرامة تطالب بانتزاع الحقوق إلى إرادة ناعمة تتمنى صحوة ضمير من المستبدين و مجرمي الهيمنة و السيطرة و تتوسل للشيطان كي يصلح ذاته!
رغم احترامنا لكل جهود المخلصين في ميدان العمل الحقوقي، و ذلك بتوثيق جرائم حكومات الاستبداد و اجهزة الاستكبار العالمي؛ إلا أنّ تقارير حقوق الإنسان الموجهة من الولايات المتحدة الأمريكية والأدوات التابعة لها، كمنظمة الأمم المتحدة، والمنظمات الحقوقية الدولية، ليست لها أية قيمة أمام واقع الهيمنة والسيطرة القائم على الأرض، بل لاتساوي الحبر الذي تكتب به عندما تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بدعم النظم المستبدة التابعة لها، وتمدها بكافة أسباب التوحش للفتك بأية دعوات لتعزيز الديمقراطية ومبادىء حقوق الإنسان، وعلى رأسها الحقوق والحريات السياسية.

  • تقارير أممية للتخفيف من بشاعة الأنظمة الديكتاتورية

القوى العظمى تنتصر لما تعدّه مصالحها الحيوية، ولاتوجد في ذلك أخلاق، ولا قيم، ولا مناقب، وهم مستعدون لتدمير دول وشعوب من أجل الهيمنة والسيطرة .
يحدث هذا في البحرين و فلسطين واليمن والعراق وافغانستان و السودان و غيرها، ويجري ذلك بشكل فاضح وسافر.
إرادة الامم المتحدة هي من إرادة القوى العظمى، والدول الصغرى ما هي إلا كومبارس لتكريس واقع الهيمنة والسيطرة والتحكم والنفوذ لهذه القوى العظمى وتقديراتها لما يعرف بمصالحها الحيوية والاستراتيجية، فهي تنتصر لحلفائها من المستبدين والأنظمة الديكتاتورية، ولاتوجد أية قيم أخلاقية في هذا، وذلك على حساب تطلعات الشعوب للحرية العدالة.
ولذلك فإن ما تصدره الولايات المتحدة الأمريكية من تقارير هو مجرد بيانات اعلامية ومساحيق تجميل لوجه قبيح كالح يخفي وراءه واقعا في غاية التوّحش .
هذه ثورة الشعب اليمني، وشرعية وضعها أكثر من ٢٠ مليون مواطن أمام العالم، تطالب بنظام سياسي تنبثق شرعية وجوده من الإرادة الشعبية، و وفق المعايير الورقية لما يعرف بالمجتمع الدولي، ولكنها تواجه اليوم عدواناً سافراً لزهاء خمس سنوات تحت عنوان استعادة الشرعية ويتم تغطيته بأدوات المجتمع الدولي!
وهذه ثورة شعب البحرين حيث وضع الشعب كله وبإجماع وطني منقطع النظير، شرعية العملية السياسية على المحك، وبدل أن يستجيب هذا المجتمع الدولي لمطالبه، إلتزم المعايير الورقية للنظام الدولي المهيمن والمسيطر على العالم، فدفع هذا الأخير بجيوش المنطقة لمواجهة حراك مدني يطالب بالعدالة والحريات السياسية والحقوق السياسية، ليدفع شعب البحرين ثمن ما يقدره الغرب من مصالح حيوية و استراتيجية تتمثل في منع التحول الديمقراطي، والحيلولة دون قيام نظام سياسي يستمد شرعيته من الإرادة الشعبية .
وبينما يتم استخدام “القوة المتوحشة” في مواجهة حركة المطالب الشعبية بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية، تنبري منظمات خاضعة بالكامل لقوى الهيمنة والنفوذ والتحكم والسيطرة باستصدار تقارير تعزف على وتر الدفاع عن حقوق الإنسان، وتتغنى بقيم الضمير والعدالة، لتدغدغ بعض المشاعر الطيبة بأن هذا المجتمع الدولي أكثر إنسانية من تبني وحماية الأنظمة الذيلية التابعة والخاضعة للقوى الكبرى المهيمنة على هذا العالم، وأكبر من حجم السلاح والعتاد الذي تزوده الأطراف الراعية لمنظمات المجتمع الدولي، وأهم من الشرعية التي تغطي جرائم النظم الديكتاتورية والمستبدة ضد شعوبها المتطلعة للعدالة والديمقراطية، وتوفر الحماية الكاملة لهم، وليس آخرها ما جرى في السودان من تكرار سحق المعتصمين السلميين، و بالضبط كما حدث في ميدان اللؤلؤة في البحرين، و رابعة في مصر .
الواقع المُر، وبكل أسف بأن مثل هذه التقارير في مقابل الدعم والتبني للأنظمة الديكتاتورية وتغطية جرائمها المريرة، بل والمساهمة في التخطيط والإشراف على عمليات قمع وسحق أي حركة مطالبة بالتغيير السياسي، وبالأدوات السياسية فهي لا ترجع الشهداء الذين سقطوا بسلاح وعتاد وتقنيات القوى المهيمنة والمسيطرة على المجتمع الدولي، ولن تمنع الخطر عمن سيلحقهم، ولا تردع المجرم وهي تزوده بكل أسباب البقاء من سلاح وعتاد وشرعية ممارسة الجريمة،ولا، ولن تحمي من سيقتفي خطى هؤلاء الشهداء والمطالبين بقيم العدالة والديمقراطية وتعزيز مبادىء حقوق الإنسان!

  • زراعة الأمل الكاذب بالتغيير

وهنا يجب أن لا ننسى دور المال السياسي الكريه والنتن، فإن التقارير الأممية يؤثر فيها المال الخليجي ايضا، والتقارير الاممية حول اليمن خير مثال على ذلك، ولا يخفى مليارات الدولارات التي تصرف على شركات العلاقات العامة التي تلمع صورة الأنظمة الشمولية، وكيف أنها تحول عمليات البطش والقتل إلى نجاحات في مسيرة إرتقاء وإزدهار الأوطان .
أرواح الشهداء صعدت لبارئها، وهناك آلام الضحايا والمعذّبين، وهذه التقارير لا تشفع، ولست متيقنا من حقيقة انه حين نستخدمها مع المسؤولين -في الدول الغربية عموما- انها تغير من واقع الحال شيئا!
هم عندما يستمعون لك، فذلك ليس حُباً فيك ولا كرامة، أو لأجل عيونك، أو من أجل من أن تناضل انت في سبيلهم، هم يفعلون ذلك سعياً وراء مصالحهم، وهم باستصدارهم لمثل هذه التقارير إنما يستهدفون تخديرك، ويقومون بزراعة أمل كاذب بأن ذات القوى التي تقف بكل ما أوتيت من قوة لمنع التغيير والإصلاح السياسي الجاد، هي التي يمكن أن يأتي منها الحل!
إن قضايا العدالة، وقيم الديمقراطية، وحقوق الإنسان واضحة وضوح الشمس، ولكننا لم نسمع ولم نقرأ طيلة التاريخ المعاصر، بأن قوى الهيمنة وبجميع منظمات الهيمنة ومنها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ولا أي من منظمات حقوق الإنسان التي يعتد بها، قامت بإجراء واحد لتعزيز مبادىء حقوق الإنسان أو الديمقراطية في أي بلد، بل لا نجد مثالاً واحداً يمثل مصداقاً يمكن الركون إليه للثقة بأن ما يصدره المجتمع الدولي قد يكون نقطة إنطلاق نحو تحقيق أدنى التطلعات في معاقبة جلاد قام بتعذيب وقتل ضحاياه من المطالبين بالحقوق وتعزيز العدالة والديمقراطية .
ولذلك فإن صدور هذه التقاير لاتصب في صلب موضوع ما يتعلق بحماية الكرامة الإنسانية، بقدر ما هي إلا وسيلة من وسائل السقوط الأخلاقي لتوظيف أوجاع وآلام المعذّبين وضحايا الإستبداد والهيمنة بشكل لايفتقد إلى أناقة الحديث عن أن قتل الشعوب هو من أجل حمايتها .

  • هل تأتي الحقوق على يد من انتهكها؟!

وهكذا تفعل النظم الديكتاتورية فإنها تقترف أبشع الموبقات وتقوم بسحق الكرامة الإنسانية بشكل موغل في التوحش، وبلا حسيب أو رقيب تحت عناوين حماية الديمقراطية وتعزيز السلام، كما تتشدق القوى العظمى وهي تدمر العشرات من الدول تحت يافطات السلام والأمن العالمي .
ولتفوقهم في كل شيء؛ استطاعوا أن يجعلوا كثيرين من الشرفاء والصادقين من مجتمعاتنا أن يعيشوا وهم وسراب أن من يقوم ضدهم بشتى صنوف القهر والتعذيب والقتل هو من سيحقق لهم ما يصبون وما يتطلعون إليه من حرية وعدالة وديمقراطية!
وكم هو مؤلم، عندما نكتشف بأنه يجري إستغلال ضمائرنا بشكل بشع لنصدق بأن الخلاص سوف يأتي من بوابة من بسببه نتجرع غصص الظلم والعذاب، بواسطته أو على يديه! كما هو قاس أن نكتشف بأننا لسنا اكثر من أدوات -حقوقية او سياسية- يبتزون بها انظمة الاستبداد عندنا، لمزيد من تحصيل تلك المكاسب، وتثبيت المواقع أو للتضليل والتزييف عبر تحويل الجلاد إلى حمل وديع قد تتحقق على يديه تطلعاتنا المشروعة، أو جزء منها ناحية العدالة وتعزيز مبادىء حقوق الإنسان والديمقراطية .
نحن هنا لسنا ضد الكلام والنضال من اجل العدالة والحرية وجميع مبادىء وقيم حقوق الإنسان، من مطالب عادلة محقّة ومستحقة لمجتمعاتنا؛ سواء في الداخل او في الخارج، بل هي دعوة للوعي وتصحيح الإتجاه، وعدم التعلق بأوهام أن الحرية والعدالة يمكن أن يهبها لك من يصادرها منك، ويحول بكل أسباب القوة والبطش أن يمنع وصولها إليك .
لابد لنا كشعوب مضطهدة أن نبقى ثابتين وفي كل الإتجاهات وبإصرار لمقاومة الإستبداد والظلم والإضطهاد، وذلك مهما تمادى البطش، وارتفعت التضحيات، وكلف المجابهة مع الفساد والظلم والإستبداد .
إن الإنتصار وتحقيق العدالة وقطع يد الإستبداد والظلم، لا يأتي الا من لحم ودماء هذه المجتمعات، وهي تدفع الثمن غالياً في كل المراحل من أمنها ودماء أبنائها، ثم يأتي أمثال هؤلاء ليضعوا ختمهم على أي إنتصار تحت يافطات تقارير كانت توفر الغطاء والحماية لأنظمة الاستبداد، وعندما تحين ساعة النصر بدماء وتضحيات الشعب، يظهرون وكأنهم المساهمون الأُوَل فيه.
طوال عقود ارتكب نظام صدام الجرائم وملأ ارض العراق من شماله الى جنوبه بالمقابر الجماعية، واستخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه، والعالم المتحضر يتغاضى ويتعمد التضليل والتغطية؛ ليس على المستوى السياسي فقط، بل حتى الاعلامي ايضا، وكانت حينها منظمة العفو الدولية تصدر تقاريرها الحقوقية هنا او هناك، ولم تقدم لضحايا العراق شيئا يذكر، ولم تنقذ حياة معارض قرر صدام إعدامه، ولكنهم حينما أرادوا اسقاطه بعد ان استنفذوا خدماته، نسبوا اسقاطه اليهم وانهم سبب الحرية للشعب العراقي، ولم يتذكروا التضحيات العراقية الا بما يخدم وجودهم. وكذلك فعلوا مع الشعوب الاخرى وما زالوا بنفس النهج يعبثون بأرواح أهل اليمن والبحرين وليبيا وتونس والجزائر وفلسطين و السودان!
هم يعلمون ان دعمهم لهذه الانظمة هو سبب تعاستنا، و سبب مباشر في استمرار هذه الانظمة القمعية، ولكنهم لغايات مصلحية بحتة، هم بدأوا بإقامة علاقات ممنهجة ومبرمجة سلفاً حقوقية -عبر منظماتهم الحقوقية- وعلاقات سياسية -عبر مؤسساتهم السياسية- مع الجهات المعارضة في هذه البلدان -في الداخل او في الخارج- لترويض هذه المعارضات، والتحكم في توجهاتها بحسب السقوف والمنهجية التي تخدم توجهاتهم وأهدافهم وسياساتهم في هذه البلدان والمنطقة عموما، ومن يشذ عن سياستهم سيُصنف إما إرهابيا، او انه سيكون خارج التغطية، وكأنه لا وجود له! ثم تنهال علينا تقاير حقوقية تستهدف تخديرنا بزرع أمل كاذب بأن صانعوا مثل هذه التقارير سوف يقومون بالواجب لوقف الإضطهاد ومعاقبة الجلادين والمعذبين والقتلة. كلا لم يحدث في أي بقعة نعرف أن فيها أنظمة شمولية مستبدة وديكتاتورية حاكمة .

  • خدعة بصرية لدغدغة مشاعر الطيبين

السؤال إذن أين يمكن أن نصرف خلاصات ونتائج هذه التقارير ؟
هذه التقارير تصدر هنا نفاقاً وفي قمة سقوط أخلاقي مريع للنظام العالمي الذي تمت صياغته بأخلاقية منتصر في حرب كونية، ويريد تعزيز هيمنته وسيطرته كجائزة لهذا الإنتصار، حتى لو قام بسحق شعوب بأكملها بأخلاقيات العصور الحجرية المتخلفة. وهذه شعوب بأكملها ترزح تحت نظم شمولية بشعة ولم يحرك هذا النظام العالمي الذي جاء على أنقاض حرب عالمية، ساكناً في إتجاه فرض القيم الديمقراطية والحريات السياسية لشعوب الأرض، بل على العكس من ذلك خلق أنظمة ذيلية تابعة يمدها بالسلاح وبالغطاء السياسي لتقوم بأعمال القمع وبصورة متوحشة كلما كانت هناك حركة شعب متطلعة للعدالة وتعزيز مبادىء حقوق الإنسان.
كما أن هذه التقارير الحقوقية تصدر لرفع العتب من لدن الموهومين بأن هناك ضميرا في العالم أو وازعا من أخلاق قد يستيقظان بتذكيرهم بالقيم وسمو المبادىء، ولتكون معزوفات هذه التقارير طعماً جاذباً لهؤلاء البسطاء من المعارضين من طلاب الحرية والعدالة والحقوق، والذين يغيب عن تفكيرهم بأن أرباب هذه المنظمات التي تصدر هذه التقارير هم ذاتهم من يرسمون خارطة وشكل النظم الخاضعة والخانعة، ومدهم بما يحتاجونه من أسباب وأمكانيات القمع والبطش وتوفير الغطاء السياسي اللازم لتصبح الديكتاتورية ديمقراطية، والإستبداد عدالة، كل ذلك لتسهيل إقامة القواعد العسكرية، وتثبيت الهيمنة، وللحيولة دون تغيير سياسي جاد يفضي إلى العدالة وتعزيز مبادىء حقوق الإنسان.
هذه التقارير التي يمكن وصفها بدقة بالبيانات الاعلامية الموجهة جهة التخدير، لأن ليست له أي قيمة عملية أخرى، حيث أنها فضلاً عن أن لا ترجع الضحايا وما يمكن أن نطلق عليهم شهداء الحرية من طلابها وطلاب العدالة، ولن تمنع الخطر عمن سيلحقهم، ولا ولن تردع المجرم، ولن تحمي من سيقتفي خطى هؤلاء الشهداء.
إن هذه التقارير مجرد خدعة بصرية لدغدغة مشاعر الطيبين والخيرين الذين يحسنون الظن بأهل الإستكبار والإستبداد، بل ويحسنون الظن بمن مد يده إلى الزناد ليرمي صدور أبنائهم بالرصاص الحي، وبمن قام بإنتهاك أعراضهم، وهدم مساجدهم، بأن التوسل إلى منطق الضمير والأخلاق قد ينتج عدالة، وعليه فإن هذه التقارير لا تكون بشكل مؤكد اكثر من سراب يحسبه الظمآن للحرية والعدالة ماءً رقراقاً سيرتوي منه حالما يصل اليه، والحقيقة أنه يسهم في جعل ما تقوم به المنظمات والجهات التي تصدر مثل هذه التقارير، تنجح في مهمتها في جعل النضال من أجل الأوطان مخمليين ورقيقي الإرادة والتطلع، ممن سيطول انتظارهم وربما تأخذهم الأحلام والأوهام حول هذه التقارير الى محال تضيع فيه بوصلات تحديد العدو من الصديق، وربما يستفيد منها من تاجر بها وما يتاجر باسمه.
الخلاصة المرة: إن الحرية والعدالة لا يمكن تحقيقها من خلال الأحلام والأوهام، ولا عن طريق من يصادرها ويمنعها، بل لابد من تحمّل ثمنها وما تتطلبه مجابهة الظلم والإستبداد من تضحيات عظمى .

عن المؤلف

د. راشد الراشد

1 تعليق

  • البشرية اليوم تتعامل وفق قانون الغاب فلا يوجد مكان لشيء إسمه ضمير، ألا ترى كيف يتعامل ترامب مع تقرير قتل الخاشقجي، إنه ينظر إلى القضية بميزان الربح والخسارة والقوة والضعف.
    والشعوب يجب عليها أن تنهض و تأخذ الحقوق بقوتها لا أن تخنع وتنتظر تقريراً من هنا وتقريرا من هناك

اترك تعليقا