فکر و تنمیة

كيف يمكن للألم ان يسهم في صناعة الانسان؟

يقول شكسبير (تألم فتعلم)، الكثير ممن يقرأون هذه العبارة يشعرون انها تحاكي واقعهم وتناغم تجربتهم، فأغلب الناجحين وفي جميع الاختصاصات لم يصلوا الى هذا النجاح لو لم يقدموا قرابين لذلك، فلا نجاح يأتي صدفة بالمطلق ومن يظن ذلك او متوهم او محاولاً اقناع نفسه وتبرير فشله الذي هو فيه، اذ الكثير من الناس يقولون كلام غير مقتنعين به لكنه مفروض عليهم باللاوعي.

  • ماهو الألم؟

 ويعرف الألم على انه: “معاناة حسية وتجربة بغيضة لا يرغب فيها الناس بصفة عامة، لكونه غالبا ما يكون ناجما عن أذية لحقت بهم وتسبب لهم ردات فعل متباينة، فلا يمكن للألم أن يعبر دائما عن كوننا مصابين بعلة ما في حياتنا”، فقد يكون معنوي او عضوي لكنه في النهاية ان استثمر استثماراً صحيحاً سيترجم الى انجاز وفي كافة الصعد الحياتية.

  • مثال واقعي:

انا شخصياً اتحدث لكم عن معاناة عشتها حين كنت صغيراً اسكن في قرية بسيطة لا تصلح للسكن البشري المريح او الحضاري، فلا مدارسنا كباقي المدارس ولا ملبسنا يليق بطالب علم ولم نكن نمتلك ثمن اجرة السيارة التي تقلنا الى المدرسة مما يجبرنا على السير على الاقدام الى المدرسة يومياً، يؤلمنا الامر كثيرا لكن ليس في اليد حيلة فضيق اليد هو المتحكم وهو من بسط قوته على حياتنا، مع كل هذا الألم والعناء كان لدينا اصرار على إكمال دراستنا وبالفعل تحقق المراد وحصلنا على شهادات محترمة مكنتنا من العيش بكرامة ومنحتنا وجاهة وتقدير من الناس في محيط العمل وخارجه.

📌 تختلف نظرة الانسان الى الألم ووفق هذا الاختلاف تختلف طرق التعامل معه من انسان لآخر

 من كل هذا العناء تعلمت ان الاموال ليست هي من تصنع الانسان وزميلي الذي كان بالأمس يذهب بسيارته او سيارة والده الى المدرسة او الجامعة يتمنى الحصول على شهادة كشهادتي، وبذا انا مقتنع تماماً ان الألم هو من صنعنا انا وبقية اخواني الذي عاشوا معي نفس الحرمان والجوع والقهر قبل ان يمن الله علينا وبعد اختبار صبرنا وتحملنا وقبولنا بما يقسم الله.

تختلف نظرة الانسان الى الألم ووفق هذا الاختلاف تختلف طرق التعامل معه من انسان لآخر، فقد يكون باستطاعة انسان اعتباره وقود يحول طاقة الانسان السلبية الى طاقة ايجابية تدفعه نحو التغير للأفضل، فالشعور بالألم لا يفضي إلى التغيير تلقائيا برغبة جامحة من المتألم، بالرغم من أن الألم من أهم ما يعجل بضرورته بتوليد الدوافع للعمل من أجل إحداث التغيير في الواقع الشخصي.

  • مناحي الألم:

الألم إما أن يحطم الإنسان ويفقده قواه وتوازنه، فيتحول إلى شخص خائر القوى مسلوب الإرادة يائس بائس، وإما أن يخرج ما لديه من طاقات كامنة تسير به نحو التغيير الذي يحفزه لتحقيق أهدافه المنشودة بعزيمة قوية وروح معنوية مرتفعة، فأكثر الناس تعقلاً  وحكمة ونجاحاً تجرعوا آلاما مريرة، وأثخنوا بالمواجع، لكنهم لم يستسلموا لذلك وأمنوا بقدرتهم على الصبر والمقاومة، فالألم يولد لدى الأقوياء طاقة إيجابية تمكنهم من الوقوف بثبات.

📌 من الألم ينتج تكيفاً مع الواقع ويمنعه من الاستسلام سيما بعد ان تزداد النكبات التي يتعرض الانسان والتي تسبب الألم

من الألم ينتج تكيفاً مع الواقع ويمنعه من الاستسلام سيما بعد ان تزداد النكبات التي يتعرض الانسان والتي تسبب الألم، كما انه ينتج نظرة مفعمة بالألم تدفع الفرد لمواجهة مصاعب الحياة، والتمتع بتحمل ممزوج بروح التحدي العالية بعيدا عن القنط من الألم وما ينجم عنه.

ومن الألم ينشأ استبصار وفهم سليم للنفس والذي يقتضي التعرف الدقيق على احاسيس الانسان ومشاعر تساعد الفرد على اتخاذ قرار التغيير الصائب الذي هو بحد ذاته نجاح وتحول في طريق الانسان.

في الختام ايها الاكارم نقول: من اجل كل الايجابيات التي يعود بها الألم على شخصية الانسان لابد ان نتحلى بالصبر عند الشدائد فهي زائلة لا محالة، وسير جميع العظماء تؤكد ان وراء انسان عظيم ألم كبير دفعه الى التحدي مكنه من التغيير  في واقعه بصورة فعالة رغم مرارة حياته وقسوة الظروف.

عن المؤلف

عزيز ملا هذال/ ماجستير علم النفس

اترك تعليقا