تُرينا الحياة جميلها فننسى ان نشكر وترينا قبيحها فنجزع.
تلك طبيعة الانسان وفطرته التي فطره الله عليها، يقول –عزّوجل-: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً}، (سورة المعارج/20-21)، ومن الطبيعي أن تقلبات الحياة هو من يمنحها هذا الجمال؛ فليس للابيض ان يكوّن صورة جميلة دون ان يكون معه اسود، وبذا تستمر الحياة، وتأتي بنتاجات مفيدة، وفي كافة صنوف و زوايا الحياة العامة.
في مقالنا هذا وددنا ان نؤكد على إحدى القيم الانسانية الجميلة التي تمنح الانسان طاقة لمواصلة حياته بحلوها ومرها، وبدونه سيفقد الانسان توازنه الطبيعي، وسنمر حول اهمية الصبر، كما الامور السلبية التي تحصل للانسان حين يتخلى عن قيمة الصبر، ومن ثم نعرّج على أهم التوصيات والطرق التي تمكّن الانسان من الصبر والتمتع بمزاياه.
النظرة العلمية المفسرة للصبر ترى أن من لديه المِكنة من تحمل الظروف الصعبة والمثابرة والتصدي للمصاعب، وتحمل العناء للوصول إلى الهدف، وتحمل الأشياء المرهقة نفسياً، والتعامل معها بروح عالية ونفس طيبة دون إظهار ملامح الاستياء والانفعال على الوجه بحيث لا تكون مرئية أو محسوسة من قبل الاخرين، هو ذلك الانسان الذي نسميه بالصابر عند المصائب والشدائد والمحن.
🔶 الصبر من وجهة نظر علم النفس
عرّف علم النفس الصبر على أنه “اتخاذ القرارات تجاه المشكلة، التي تنطوي على اختيار مكافأة صغيرة في الأجل القصير، أو مكافأة أكثر قيمة على المدى الطويل، و عندما يُطرح هذا الاختيار على الإنسان، وايضاً، جميع الحيوانات، فقد وجد أنهم جميعاً يميلون إلى تفضيل المكافآت على المدى القصير على مكافآت على المدى الطويل، هذا على الرغم من الفوائد في كثير من الأحيان تكون أكبر في المكافآت المرتبطة بالمدى الطويل”.
⭐ عرّف علم النفس الصبر على أنه “اتخاذ القرارات تجاه المشكلة، التي تنطوي على اختيار مكافأة صغيرة في الأجل القصير، أو مكافأة أكثر قيمة على المدى الطويل
في كثير من الاحيان ينتابنا القلق حول امور ربما لا تستحق، فنكون سبباً في هزيمة انفسنا حين ندع مجالاً للقلق بأن يسيطر علينا، فالكثير من مشاكلنا تحدث بسبب غياب الصبر من حياتنا الناتج من القلق، وجميع القلقون لديهم من الاسباب ما يبررون به قلة صبرهم، ومن ثمّ هم يضخمون الاشياء باتجاه السلبية والاستسلام لمصائب الحياة وهمومها، وبذا قد يخسر الانسان جزءاً كبيراً من صحته النفسية والتي تؤدي بالضرورة الى خسارة الصحة الجسمانية، ولات حين مندم.
اكثر ما يثير قلقنا في الحياة هو خوفنا من عدم الحصول على الاموال الكافية للعيش برفاه اقتصادي، والخوف من عدم التمكن من تربية الابناء بمستوى معيشي مقبول، كما الصحة تقلقنا دوماً حيث يساورنا خوف كبير من فقدان الصحة وبالتالي لا نقوى الاستمرار بالحياة على الشاكلة التي نريدها نحن، تلك ابرز الارهاصات التي تشكل تهديداً لأمن الانسان النفسي فيحتله القلق ويجعله مرتبكاً في الكثير من سلوكياته وحركاته.
🔶 قدواتنا في الصبر
نحن كمسلمين لابد من ان نقتدي بأئمتنا وقدوتنا وهم؛ رسول الله، صلى الله عليه وآله، والأئمة المعصومين من بعده، صلوات الله وسلامه عليهم، اذ تحملوا من العناء ما تحملوا وصبروا صبراً لا يدانيه صبراً، بدءاً من صبر النبي على أذى المشركين، وصبره على مضايقات جيرانه له، وبعد ذلك، صبر الامام علي بن ابي طالب، عليه السلام، في سبيل إحقاق الحق وصولاً الى كربلاء التي تحكي قصص صبرٍ غاب مثيلها في تاريخ البشرية، حيث صبر الامام الحسين على استشهاد أخيه أبي الفضل العباس، عليه السلام، و جميع اهل بيته واحداً بعد آخر، ولم يجزع لكونه يحمل رسالة أراد ان يتممها على افضل وجه، والنتيجة انهم خلدوا ونالوا هذه المنزلة العظيمة عند الله وفي نفوس الانسانية جمعاء.
⭐ الكثير من مشاكلنا تحدث بسبب غياب الصبر من حياتنا الناتج من القلق، وجميع القلقون لديهم من الاسباب ما يبررون به قلة صبرهم، ومن ثمّ هم يضخمون الاشياء باتجاه السلبية والاستسلام لمصائب الحياة وهمومها، وبذا قد يخسر الانسان جزءاً كبيراً من صحته النفسية والتي تؤدي بالضرورة الى خسارة الصحة الجسمانية
🔶 الصبر يعالج القلق
لكي يفرض الصبر سطوته على القلق المزعج في حياة البشر لابد من:
- التركيز على ايجابياتنا، والايمان بقدرتنا على مواجهة الحياة، فقد خلقنا الله مزودين بالطاقة الكافية لتوفير ما نحتاجه، ومن دون الاعتماد على غيرنا، ومن دون ان نشذ عن الطريق الشرعي للكسب.
- الايمان بالله –تعالى- وبحقيقة أن الله لا يمنع شيئاً إلا لحكمة في نفسه ولم يعط شيئاً إلا لحكمة ايضاً فلا ينبغي للانسان ان يقنط بل يجب ان يتحلى بالصبر لمواجهة أمور الحياة مع محاولة تعديل المواقف لصالحنا بدلاً من الشعور بالقلق المدمر.
- لابد من ان يعي الانسان انه حين يصبر سيجزى حسنى والمصداق قوله تعالى {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} (سورة النحل/ 126)، وقوله {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (سورة فصّلت/ 35)، وقوله تعالى ايضاً: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ} (سورة آل عمران/ 17).
- بإمكان الانسان ان يغير من حياته من دون ان يقبع تحت وطأة الشك والخوف، ففي هذا يقول عالم النفس (ادلر): “أنّ بوسع الإنسان أن يحوّل بقدرته، السالب إلى موجب، وهذا ممكن بالرغم من الشك الذي يعيه كثيراً من الناس في إمكانية تحويل المواقف الأليمة إلى شيء إيجابي، و أن يشعر الإنسان انّه كائن عظيم”.