بصائر

المرأة وحمل راية الإمام الحسين.. السيدة زينب نموذجا*

{مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}.

لماذا عائلة سيد الشهداء معه؟

هذا السؤال مثار استفهام عند معاصريه وعند المحبين له، فقال له البعض: يا ابا عبد الله كيف تذهب الى الكوفة وانت تعلم فعلهم بأبيك وأخيك؟

فقال عليه السلام: شاء الله أن يراني قتيلا

إذن لماذا تحمل معك هؤلاء النسوة؟

قال: شاء الله ان يراهن سبايا.

 عندما نقرأ سيرة سيد الشهداء وملحمته الكبرى وآثارها، ومن تلك الآثار المسيرة الأربعين المليونية العظيمة، حينما نقرأ ذلك نعرف بعض أبعاد الحكمة البالغة التي وراء حمل سيد الشهداء لعائلته في تلك الرحلة النهضويّة العظيّمة.

الآن عرفنا أن الناس حينها ـ عندما خرج الإمام الحسين ـ كانوا في جهل مما قدر الله لسيد الشهداء عليه السلام:

 الأمة كانت قد وصلت ـ حينها ـ الى القاع حينما وصل يزيد بن معاوية، شارب الخمر، وركاب الفجور، ولاعب القمار، ورجل لا يعرف من الدين حتى اولياته، حينما يحكم المسلمين وهم سكوت ويبايعونه على أنه خليفة الله في الأرض، وخليفة رسوله.

حينما وصل المسلمون الى هذه المرحلة التي لا مرحلة بعدها وهي القاع الأسفل، لم يجد الإمام الحسين، عليه السلام، ومشيئة الرب قبل ذلك، أن يأتي سيد الشهداء بعمل عظيم يُحدث زلزال في النفوس ويعطي شحنات هائلة في القلوب، ويجعل الناس لا يستسيغون الحياة من دون الدين، بل يطلبون الموت من أجل الدين.

زينب إعلام النهضة الحسينيّة

وذلك لم يكن ليحدث إلا إذا قامت زينب عقلية الهاشميين، وقامت النساء والذراري والأطفال معها، وكل مسيرة بحاجة الى إعلام وهو الذي يجعل العمل ناطقا، يقول الله ـ تعالى ـ: {وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.

 لابد أن يكون العمل ناطقا لأنه لو كان العكس، ولم يكن ذا إعلام قوي فإنه لا يؤثر ذلك التأثر الذي نحن بحاجة اليه، ولذا نحتاج الى روح قويّة، وروح هائلة من الإيمان لتحقن بها الأمة، وكانت الأمة الأسلامية فيما سبق أكبر شعوب العالم، يقول الله ـ تعالى ـ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}.

كيف يحس كل فرد من هذه الأمة بطعم الإيمان ويتذوق الشهادة في سبيل الله، ويحمل راية المعارضة ضد الطغاة، ويحمل روح المقاومة مع الجبت: مع الافكار التبريرية الانهزامية، مع علماء السوء كشريح وأمثاله، مع الثقافات التي زرعها شياطين الجن والأنس في الأمة على طول السنين الماضية؛ فكيف السبيل الى ذلك؟

جاءت زينب عليها السلام، وكانت في طول المسير داعمة لأبي عبد الله الحسين، عليه السلام، ومشجعة لأبي الفضل العباس، وعلي الأكبر وبقية الأصحاب، فهي عليها السلام، بنت علي وفاطمة، وحيمنا كانت تتكلم كأن رسول الله، صلى الله عليه وآله، هو الذي يتحدث، ليس في نبرات حروفها، وإنما في محتوى كلماتها الصاعقة والصادمة.

هذه الحرارة هي التي اسقطت عروش الطغاة وستبقى كذلك في المستقبل، لذا نحن مع السيدة زينب، عليها السلام، نحمل نفس الراية ونبكي عن الإمام الحسين وندافع عنه وعن نهضته، وعن زينب ودعوتها، وعن الأئمة، فيحن ندافع عن ذلك فنحن نقوم بدورعظيم في الأرض

أول لحظة من لحظات تحدّي السيدة زينب، عليها السلام، كانت أثناء شهادة أخيها الإمام الحسين، عليه السلام، فعندما كان في حفرته وحوله المئات من عسلان الفلوات يجتمعون حول شخص واحد، فسقم منهم بالسيوف، وآخرين بالرماح والحجارة، تأتي السيدة زينب وتقف على التل، ووفقتها تلك كانت شجاعة وعظيمة، وقفة لا تقدر بأي وقفة في التاريخ.

السيدة الزهراء عليها السلام بعد أن ضُربت خلف الباب نهضت وأسرعت الى المسجد للدفاع عن الإمام علي، عليه السلام، لكن السيدة زينب عليها السلام، حينما وقفت على التل تحيّرت بين واجبين، بين أن تذهب الى أخيها المضرج بدمائه، وبين أن ترجع الى الخيام لتحفظ الاطفال والنساء، ومع وقفتها على التل؛ جاءها النداء من عمق المقتل: “أن ارجعي الى الخيام واجمعي الاطفال والنساء”، وهذه كانت أول وقفة للسيدة زينب، عليها السلام.

فلولا أن زينب صديّقة صغرى، وعالمة غير معلّمة، ولولا إيمانها بولاية الإمام الحسين عليها، لما رجعت الى الخيام وفضلت القتل مع أخيها.

وفي يوم الحادي عشر وعندما مرَّ جيش العدو بالنساء والاطفال على مصارع الشهداء، وقفت السيدة زينب عليها السلام، بعد أن كاد الإمام زين العابدين، عليه السلام، يموت بسبب رؤيته لأبيه على تلك الحالة.

وقفت فحافظت على روح حجّة فقالت له: “ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي واخوتي، فوالله إنّ هذا لعهد من الله إلى جدّك وأبيك، ولقد أخذ الله ميثاق اُناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات، إنّهم يجمعون هذه الأعضاء المقطّعة والجسوم المضرّجة فيوارونها، وينصبون بهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء لا يدرس أثره، ولا يمحى رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجهدن أئمّة الكفر وأشياع الضلال في محوه وطمْسه فلا يزداد أثره إلى علواً”.

وللسيّدة زينب، عليها السلام، وقفة أخرى في الكوفة، وكيف أنها أثارت تأنيب الضمير عندهم، والى اليوم إذا سمعنا خطبة السيدة التي وجهتها لأهل الكوفة تحدث هزّة كبيرة في نفوسنا، ونفكر ما هو واجبنا تجاه هذه الشهادة.

صفات الرجال الصادقين

{مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}، فهم مستعدون للدفاع عن الدين، فلم يموتوا كلهم، ولم يبقوا جميعا: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}، وهذه الآية تدل على أن الله يقدر ويدبّر ـ ونعم ما يقدر ويدبر ـ لعباده أن جزاء منهن يبقون لحيملوا رسالة اولئك الذين {مَنْ قَضَى نَحْبَهُ}، فالسيدة زينب تبقى لتحمل راية الإمام الحسين، عليه السلام، فراية العباس لم تسقط الى الأرض، بل حملتها زينب، عليها السلام، واليوم زوار أبي عبد الله يحملون تلك الراية، وهذه الراية تبقى الى أن يأتي إمامنا الحجّة بن الحسن، عجل الله ـ تعالى ـ فرجه، فيسقط حينها كل الطغاة كأوراق الخريف، بسبب النداء الالهي الذي ينبعث من بطنان العرش الى العالم كله: “ألا يا أهل العالَم إن جدي الحسين قتلوه عطشانا”.

لابد أن يكون العمل ناطقا لأنه لو كان العكس، ولم يكن ذا إعلام قوي فإنه لا يؤثر ذلك التأثر الذي نحن بحاجة اليه، ولذا نحتاج الى روح قويّة، وروح هائلة من الإيمان لتحقن بها الأمة

وهذه الحرارة هي التي اسقطت عروش الطغاة وستبقى كذلك في المستقبل، لذا نحن مع السيدة زينب، عليها السلام، نحمل نفس الراية ونبكي عن الإمام الحسين وندافع عنه وعن نهضته، وعن زينب ودعوتها، وعن الأئمة، فيحن ندافع عن ذلك فنحن نقوم بدورعظيم في الأرض.

أما من يعادي الإمام الحسين، عليه السلام، ويقلل من أهمية زيارة فكـأنه يعادي الله في عرشه، يقول الإمام الصادق، عليه السلام: “من زار الحسين فكـأنما زار الله في عرشه”، لذا نقرأ في زيارته، عليه السلام: إني سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم ..”.

ولذا لابد أن نكون مع خط الشهداء في سبيل الله، فالشهداء سقطوا لترتفع راية الدين، وسقطوا لدافع عنهم، ومن يستهدف الشهيد بأي كلام فإنه بذلك يستهدف الدين والقيم، فراية الإمام الحسين، عليه السلام، التي حملتها السيدة زينب، في مواقف كثيرة، يجب أن نحملها من قبيل: زيارة الحسين، والسير على نهجه النهضوي، وإيصال رسالة الإمام الى العالم.

  • مقتبس من محاضرة للمرجع المدرسي(دام ظله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا