فکر و تنمیة

النفاق الافتراضي خطيئة التقدم التكنلوجي

تعدت وسائل التواصل الاجتماعي بكل صنوفها مهمتها كوسيلة تواصلية بين بني البشر، والاطلاع على احوال بعضهم، فباتت باباً من Hبواب المجاملات الكاذبة التي تحمل في باطنها النصب والمشاعر المزيفة، لتمثل كل هذه السلوكيات شكل من اشكال النفاق المستحدثة وهو “النفاق الافتراضي” الذي جاء به التقدم التكنلوجي والذي غير الكثير من المفاهيم والمعايير فاصبح الهامش متناً والمتن هامشاً وهذا هو  جزء من زيف الحياة وتقلبها. 

اصبح الإعجاب بمنشور معين أو التعليق عليه بعبارات فخمة وبمديح عال اكثر مما تستحق المادة، وسيلة من وسائل التزلّف والتملق لمدير العمل، أو الرئيس، أو المشاهير، فترى رواد هذه المنصات يتسابقون فيما بينهم لاثبات الولاء أو القرب أو الحب بغباء وتذلل كبيرين.

يمكننا القول ان النفاق الافتراضي تشكل بفعل وجود طرفين؛ الأول: يمثل مصدر القوة والنفوذ والسلطة والسطوة في مجتمعه، أما الطرف الثاني فمواقفه متلونة ومهزوزة وليس مرتبطا بدور مجتمعي، لذلك يسعى إلى النفاق لتلبية رغباته وحاجاته من الطرف القوي الذي بدوره يستغل حاجة الناس ويروج لبضاعته الكاسدة من خلالهم

مما زاد الامر سوءاً أن المطورين لهذه المنصات يعززون اقنعة النفاق والتملق من خلال إضافة خواص جديدة للإشارة للشعور كالغضب، والحزن، والدهشة، و الحب، والسخرية، والضحك، وغيرها من الاشعارات التي تستخدم لأغراض غير واقعية في اغلب المناسبات.

 حيث أن الاشخاص الذين بُنيت حياتهم على النفاق انتقل نفاقهم الى الواقع الافتراضي، وطوروا اساليب نفاقهم بتطور الطريقة التي يستخدمونها حيث ان المشاعر الافتراضية تعكس حقيقة رغباتهم المراد تحقيقها لا حقيقة مشاعرهم.

الكثير من التعليقات وعلامات الاعجاب وحتى مشاركة المحتوى في الاغلب لا يصدر عن قناعة بعد قراءة الطرح ومناقشته مناقشة موضوعية، بقدر ما هو رسالة للناشر أو محاباة له، والدليل ان الكثير من الاشعارات لا تمِتّ بصلة للموضوع، كالضغط على علامة الاعجاب على إعلان حالة وفاة، أو علامة الحب لصورة احد تعرض لحادث سير دون الانتباه لجوهر المنشور.

اضافة الى الكثير من حالات التسرّع التي تدل بالضرورة على النفاق، أو يحدث ان يضع المستخدم علامة اعجاب لشخص كرد دين له في وقت سابق أعجب بمدونة له أو صور أو مناسبة معينة.

يفسر بعض المدونين اعداد التعليقات والاعجابات كمؤشر على نجاحه والترويج لنفسه بانه شخص ناجح له معجبون ومتابعون مما يجعل من هذه المنصات وسيلة للانتشار وزيادة رأس المال الاجتماعي “الفارغ”.

يجب أن يُدرك الانسان أن تعليقه على احدى وسائل التواصل يشير بالضرورة الى شخصيته فشخصيته الافتراضية ليست منفصلة عن شخصيته الواقعية

يمكننا القول ان النفاق الافتراضي تشكل بفعل وجود طرفين؛ الأول: يمثل مصدر القوة والنفوذ والسلطة والسطوة في مجتمعه، أما الطرف الثاني فمواقفه متلونة ومهزوزة وليس مرتبطا بدور مجتمعي، لذلك يسعى إلى النفاق لتلبية رغباته وحاجاته من الطرف القوي الذي بدوره يستغل حاجة الناس ويروج لبضاعته الكاسدة من خلالهم.

يشير الاختصاصي النفسي الدكتور، موسى مطارنة الى: “أن النفاق الافتراضي هو آفة اجتماعية أصبحت موجودة وبارزة في مجتمعنا، ولها روادها، وهي الطريقة الأسهل والأسرع للوصول وتحقيق المكاسب”.

 كما أن مواقع التواصل الاجتماعي ساعدت وبشكل كبير و واضح في  تعزيز وزيادة رقعة النفاق الذي يُعد آفة تقتل الصدق والعفوية، وكل الذي يحصل انما يشير بالضرورة الى اعتلال في الشخصية وتكوينها والظروف والاجواء التي تشكلت بموجبها، مثل هذه الظواهر التي لم تكن موجودة لولا وجود عوامل مساعدة.
وهنا نود التنويه الى حقيقة الى أن الذين ينتقدون الامراض الاجتماعية والنفسية بصورة مفرطة هم أول أو اكثر من يمارسها في مواقع التواصل مما يعكس حجم التناقض في سلوكيات البشر لكنها ربما كانت خفية ظهرت الآن بعد توفر وسيلة أو اداة ساهمت في انتشارها.

أبرز صور النفاق يتجسد في عدد الاضافات التي ترد من اناس لا نعرفهم ولا يعنيهم ما ننشره أو نروج له بقدر ما يعنيهم امتلاك عدد كبير من الصداقات، وما يفسر هذا وجود الاف المتابعات أو الصداقات يقابله تعليقات قليلة جداً، مما يجعل الشخص ينتبه في لحظة ما إلى أن تلك الصداقات وُلدت ميتة وغرضها النفاق والتباهي بأعداد لا اكثر.

 من جهة اخرى تنهال عبارات الثناء والمديح على شخصيات “طاشة”، حسب التعبير الشعبي الدارج عليها، وهذا مصداق لقلة الوعي المجتمعي، والذي ينتج عنه النفاق، وهو سبب رئيس في الكثير من الامراض المجتمعية التي غيرت الكثير من الثوابت وقتلت الكثير من المبادئ.

في هذه المنصات انتفت الحاجة الى العديد من الموضوعات والمفاهيم التي امضى علماء النفس والاجتماع والمؤلفين والباحثين سنيناً في ضبطها وتحديد كنهها وماهيتها، فصانعوا الثقافة لم يعودوا يتحملوا عناء الكتابة والنشر والتنظير لدهور، وما يرافقه ذلك البحث والتنقيب في بطون الكتب من العزلة النفسية والعناء، بل حلت ثقافة التعليقات القصيرة على صور عن تنقلات احدهم  حول العالم على أن تتناسب والضرورة الزمنية حتى يحصل على الآلاف من التفاعلات وتعليقات المجاملة الساذجة.

فالإنسان العربي لم يعد يستطيع مسايرة الوتيرة المتسارعة في المجال التقني والتكنلوجي مما يجعل الفجوة تتسع يوم بعد آخر بيننا وبين واقعنا حتى اصبحنا نعيش في وهم كبير مضَلّلين عن ادراك الزمكان الذي نعشيه.

كيف الخلاص؟

بعد أن بينا ضمناً الأسباب التي أدت الى ظهور النفاق الافتراضي، نطرح بعض الحلول التي يمكن ان تقلل مساحة هذا المرض وهي:

  1.  يجب أن يُدرك الانسان أن تعليقه على احدى وسائل التواصل يشير بالضرورة الى شخصيته فشخصيته الافتراضية ليست منفصلة عن شخصيته الواقعية.

 2. يفترض على اصحاب المدونات أو ممن ينشرون محتوى على وسائل التواصل، لاسيما اصحاب السلطة أو النفوذ، أو ممن يكونون في اماكن تثير الطمع عند الناس، ان لايكترثوا للتعليقات المبالغ فيها، والتي تدل على تملّق، أو محأولة للتقرّب، وليس اعجاباً حقيقياً بما نشر، وهو ما يقلل من رغبة ودافعية الاشخاص المنافقين من نشر غسيلهم والاستفادة منه في طلب حاجة أو الوصول الى غاية معينة، وبهذا يمكن ان نحد ولو بالممكن من انتشار هذه الظاهرة المرضية.

عن المؤلف

عزيز ملا هذال/ ماجستير علم النفس

اترك تعليقا