مكارم الأخلاق

هل يدخل سوء الظن في علاقاتنا الإجتماعية؟

لسوء الظن مدخلية كبيرة في تفتيت العلاقات والروابط الأسريّة والإجتماعية، وبالتالي انعدام التعاون والمحبة بين أفراد المجتمع، وانهدام الثقة بين الناس يعني الدخول تبخر عرى التكاتف والتعاون.

فسوء الظن لا تقتصر آثاره بين شخص وآخر، بل إنها تمتد جذوها الى الآخرين، ومن هنا كان تحذير الله ـ تعالى ـ ونهيه عن الابتعاد عن مقدمات وأسباب هذه الخصلة السيئة.

يقول الله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}.

في هذه الآية الكريمة عدة محاور مهمة:

  1. الأمر باجتناب كثرة الظن.
  2. النهي عن التجسس وهو نتيجة لكثرة الظن.
  3. النهي عن الغيبة والتي تعد من آثار ظن السوء.
  4. الأمر بالعودة الى الله (التوبة).

لسوء الظن آثارا كثيرة منها ما هو على المستوى الشخصي ومنها ما هو اجتماعي؛ فعلى المستوى الاجتماعية يفقد من يسيء الظن الروابط والعلاقات الاجتماعية ـ التي هو بحاجة إليها نفسيا واجتماعيا ـ فتراه يعيش العزلة والوحدة، فينفر اصدقاءه منه ويفضلون استبداله بصديق جديد.

يقول الإمام علي عليه السلام: “شر الناس من لا يثق بأحد لسوء ظنه ولا يثق بأحد لسوء فعله”

يقول الإمام علي عليه السلام: “شر الناس من لا يثق بأحد لسوء ظنه ولا يثق بأحد لسوء فعله”، وهذه الرواية تبين لنا مدى العلاقة بين زوال الثقة بالناس وبين سوء الظن، فهو لا يثق بالناس لأنه سيّئ الظن بهم، وهم لا يثقون به لأن فعاله سيئة، لأن من صاحب هذه الخصلة السيئة تكون افعاله من سنخ ما يضمه من سوء السريرة والظن الباطل.

أما على المستوى الشخصي والنفسي فإن صاحب هذا الخلق الذميم ـ سوء الظن ـ يعيش حالة من عدم الاستقرار والإطمئنان النفسي، فشغله الشغال الظن السيء بالآخرين ومراقبتم، فترى الاضطرابات النفسية والسلوكية بادية عليه.

وكما يعيش عدم الاطمئنان النفسي مع ذاته، فهو يعيش ـ أيضا ـ تلك الحالة مع الآخرين، فهو لا يثق بهم، ويظن أن الجميع من حوله يحاولون الايقاع به وحياكة المؤامرات ضده، ولهذا فهو يكون دائما في حالة دفاعية، مما يؤدي الى استنزاف طاقاته وقداراته ومواهبه في هذا الجانب.

يقول الإمام علي، عليه السلام: “من غلب عليه سوء الظن لم يترك بينه وبين خليل صلحا”. ويقول أيضا: “من لم يحسن ظنه استوحش من كل أحد”.

{وَلَا تَجَسَّسُوا} جاء هذا ـ النهي بعدم التجسس ـ مباشرة بعد الأمر بالكف عن كثرة الظن، لأن كثرته تؤدي الى الظن السوء، مما يجر بصاحبه الى التجسس، فالتجسس نتجية طبيعية لسوء الظن، لذلك فإن صاحب هذا الخلق الذميم ـ سوء الظن ـ كثيرا ما يعمد الى التجسس على الآخرين، وهذا ما قد يوقع صاحب في مشاكل كثيرة وربما ارتكب جنايات كالقتل والسرقة وما أشبه، يقول الإمام علي، عليه السلام: “سوء الظن يُفسد الأمور ويبعث على الشرور”.

وهذا ما تشير إليه هذه الحادثة؛ فعندما دخل الطبيب النفسي يوما ليعود مرضاه في مستشفى المجانين والمتخلفين عقلياً، رأى رجلاً قد جيء به حديثا الى هذا المكان، وهو يردد كلمة (منديل) مرات عديدة، وعندما بحث الطبيب عن حاله واستقصى مرضه العقلي رأى أن السبب في جنون هذا الشخص هو أنه رأى يوما في حقيبة زوجته منديلا يحتوي على قنينة عطر وبعض الهدايا المناسبة للرجال، فأسا الظن بزوجته فوراً، وتصورَ أنها على إرتباط برجل أجنبي، فكان أن قتلها بدافع من الغضب الشديد، ودون تحقيق وفحص، وبعد أن فتح المنديل رأى في طياته ورقة كُتب عليها: “هذه هدية مني الى زوجي العزيز بذكرى يوم ولادته”.

إن النظر في عواقب سوء الظن من شأنه أن يجعل الأنسان الاقلاع عن هذه الخصلة السيئة

وفجأة اصابته وخزة شديدة وشعر بضربة عنيفة في أعماق روحه أدت الى جنونه فكان يتذكر ذلك المنديل ويكرّره على لسانه.

دوافع سوء الظن:

اولاً: التلوث الظاهري والداخلي للفرد: فالبعض يعيش حالة من التلوث النفسي مما يظن ان الآخرين مثله فيدفعه ذلك الى سوء الظن.

ثانيا: صحبة رفاق السوء: فمن يعاشر السيئين والمنحرفين يظن في قرارة نفسه أن جميع الناس مثل تلك الفئة الفاسدة مما يحدو به الى سوء الظن بهم؛ يقول الإمام علي، عليه السلام: “مجالسة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار”. ولذا فإن على الأنسان أن يختار اصدقاءه بعناية لأن تأثيرهم يمتد الى جميع مناحي الحياة.

ثالثا: البيئة الفاسدة: سواء كانت في البيت، أو المدرسة أو الشارع وما اشبه، فإن مستواها الأخلاقي والثقافي المتدني يدفع بالفرد الى الأخلاق السيئة ومنها سوء الظن.

إنّ النظر في عواقب سوء الظن من شأنه أن يجعل الأنسان الاقلاع عن هذه الخصلة السيئة، فمن عواقبه فقد الاستقرار والاطمئنان النفسي، وفقد العلاقات الاجتماعية سواء كانت العلاقة قريبة أم بعيدة، وتلك العلاقات هي رأس مال الإنسان في أوساط المجتمع؛ أما إذا فقدها فإنه سيعيش العزلة التامة عمن حوله.

وعلينا أيضا أن نبحث عن الاحتمال السليم لشخص عمل عملا مبهما، فلا تأخذنا السرعة الى اساءة الظن به، يقول الإمام علي، عليه السلام: “لا تظنن بكلمة خرجت من أحد وأنت تجد لها الى الخير محتملا”.

عن المؤلف

أبو طالب اليماني

اترك تعليقا