مناسبات

ردموا القبور ورفعوا القصور

وقعت الكارثة في البقيع في صبيحة 8 شوال من سنة 1344هـ الموافق 21 /4 /1925م

في كل عصر ومصر يواجه دين الله الكثير من المبتدعين الضالين المضلين الذين يخترعون ما يُعجبهم ويدسُّوه في دين الله، كما فعل الصحابة الأوائل من بدع كثيرة كصلاة التراويح، والتكفير في الصلاة، والصلاة خير من النوم، وهي سارية إلى اليوم للأسف الشديد، وفي العصور المتأخرة ابتليت الأمة الإسلامية بهؤلاء الأشقياء الذين قالوا: “أن البناء على القبور بدعة”، وكان ذلك بخطة خبيثة يهدفون من ورائها هدم قبور أئمة المسلمين جميعاً، وكانت ضحية هذا الفكر الضال والمنحرف عن جادة الحق والصواب قبور أئمة أهل البيت الأطهار الأربعة، عليهم السلام، في بقيع الغرقد إذ هجمت قطعان التكفير الوهابية المجرمة في الثامن من شوال 1344هـ عليها وسرقوا كل ما فيها من ذهب ومجوهرات – وكان هذا هدفهم في الحقيقة – وهدموها ولم يتركوا فيها حجراً على حجر بل سووها بالأرض ظلماً وعدواناً، وهي باقية إلى اليوم بتلك الحالة المزرية بعد مرور حوالي قرن على ذلك ولا أحد يرفع صوته إلا الشيعة الكرام في كل عام يحيون هذه المناسبة المؤلمة على قلوبهم جميعاً ويُنادون العالم لرفع هذا الظلم عن أئمة المسلمين.

الحقيقة أن هؤلاء الوهابية جاؤوا إلى قبور أئمة المسلمين من آل محمد، رسول الله، صلى الله وعليه وآله، وهدموها ليُزيلوا من أذهان الأمة الإسلامية تلك الذكرى الطيبة لرسول الله، وأهل بيته الأطهار، عليهم السلام

فالحق في المسألة أن الله أمر بالبناء على القبور كما في قصة أصحاب الكهف، حيث قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} (الكهف: 21)، هذا نصٌّ قرآني واضح لا لبس فيه فمن أين جاءنا هذا البلاء؟   

 جاء من ترك السُّنة وإقامة البدعة محلها ومقامها، حيث جاء هؤلاء الأشقياء من أتباع ابن تيمية ثم ابن عبد الوهاب وقالوا: “أن البناء على القبور بدعة، والسُّنة أن تسوَّى بالأرض”، والعجيب الغريب والواقع كله يُكذِّبهم في دعواهم الباطلة هذه، فها هي الكعبة المشرَّفة وإلى جوارها مقام إبراهيم، عليهم السلام، على الحجر موجود ويُطاف به، وتلك هي القبة الخضراء لرسول الله، صلى الله عليه وآله، في الجوار الطاهر لأئمة البقيع تناطح السحاب، وهي قائمة بحمد الله وفضله وآلاف المساجد التي بُنيت على القبور في كل بلاد المسلمين منذ العصر الإسلامي الأول ولا أحد يستنكر ذلك إلا هؤلاء الذين شذوا في كل شيء عن الأمة بل عن الإنسانية حتى في أشكالهم ومناظرهم ولباسهم، وكلامهم ومنطقهم، ولا أدري فعلاً هل غضب الله عليهم فأخرجهم من إنسانيتهم بهذا الشكل، أم أنهم هم الذين خرجوا بمحض إرادتهم؟

  • مَنْ المقصود بهذه البدعة؟

المتتبع لأقوال وأفعال قطعان الوهابية المجرمة يعرف جيداً أن رسول الله، صلى الله وعليه وآله، هو المستهدف الأول عندهم، ثم يأتي من بعده أبناءه وذريته الطاهرة، ومن بعدهم المسلمين جميعاً بل والإسلام مستهدفاً بوجوده وعقائده وكيانه كما نرى اليوم ما يجري في بلادنا من كوارث كلها الوهابية من ورائها، وها هم يمنعون من الدعاء لنُصرة إخوانهم في فلسطين الجريحة منهم أكثر من جرحها من الصهاينة المجرمين، وفي الحقيقة والواقع أن الصهيونية والوهابية جاؤوا من رحم واحدة، ولهم أهداف مشتركة في دفن وتدمير الإسلام والمسلمين.

الحق في مسألة بناء القبور أن الله أمر بالبناء عليها كما في قصة أصحاب الكهف، حيث قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا}

لأن أساس هذا الدين الثقلين (الكتاب والعترة الطاهرة)، ورسول الله، رسول الله، صلى الله وعليه وآله، هو الأصل لهما فأرادت الوهابية ضرب هذه الأساسات والأصول لهذا الدِّين القويم، فشنَّت حملة شعواء على رسول الله، وأهل بيته الأطهار، عليهم السلام، وهذا ما يُصرِّح به ابن عبد الوهاب، بقوله المشهور عنه: “عصاي هذه خير من محمد لأنني أستفيد منها بقتل العقرب والحية ومحمد مات ولا فائدة منه”، وجاء تلميذه الألباني فمنع الناس من زيارة قبره الشريف بحجة البدعة، وشجَّع على هدمه – والعياذ بالله – حيث قال: “إن من بدع زيارة المدينة المنورة قصد قبره، رسول الله، صلى الله وعليه وآله، بالسفر، وإبقاء القبر النبوي في مسجده، وزيارة قبره قبل الصلاة في مسجده، والتوسل به إلى الله في الدعاء وطلب الشفاعة، وغيرها منه، وقصد القبر النبوي للسلام عليه دبر كل صلاة”.

هكذا بدعوى البدعة يُحرِّمون أكبر الواجبات، “مَنْ زارني ميِّتاً كمَنْ زارني حياً“، و”مَنْ زار قبري وجبت له شفاعتي“، ويُبعدوا الأمة عن أعظم المقرِّبات إلى الله، وهي رسوله الكريم، رسول الله، صلى الله وعليه وآله، وربنا سبحانه يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}. (النساء: 64)، فجاء ابن تيمية الذي كان هو أول مَنْ ابتدع هذه الفرية البدعة في الإسلام، ليمنع الناس من زيارة رسولهم والتوسل به والاستغفار عنده والتقرب إلى الله بجاهه الوجيه عنده.

  • ردموا القبور ليرفعوا القصور

والحقيقة أن هؤلاء جاؤوا إلى قبور أئمة المسلمين من آل محمد، رسول الله، صلى الله وعليه وآله، وهدموها ليُزيلوا من أذهان الأمة الإسلامية تلك الذكرى الطيبة لرسول الله، وأهل بيته الأطهار، عليهم السلام، الذين بنوا الأمة والحضارة الإسلامية وما بنوا لهم بيتاً يسكنون فيه، فعمَّروا الحياة بالصالحات وليس بالقصور وناطحات السحاب كما يفعل هؤلاء الأشقياء، الذين يظنون أنهم يخلدون في الحياة كلما رفعوا البنيان وشيَّدوا القصور الفارهة الفخمة الضخمة، ولم يعرفوا بأن الذكر الحسن من الأعمال الحسنة، والصيت الطيب يفوح من الأصل الطيب، وليس من أي شيء مادي كالمال والجاه والملك فكلها زائلة ولا يبقى إلا وجه ربك ذي الجلال والإكرام.

نعم؛ هدمت الوهابية وقادتها السعودية القبور المطهرة لأئمة المسلمين، ثم تجرَّأت وهدمت وردمت كل آثار الإسلام ورسوله، رسول الله، صلى الله وعليه وآله، وتاريخه والصحابة الكرام لكي لا يبقى لهم أثر ولا باقية، وتركوا آثار أبناء عمومتهم من اليهود كقصر كعب بن الأشرف في المدينة المنورة، وآثار خيبر وهي باقية إلى الآن من أجل أن يأتي اليوم – وقد سمعنا عن ذلك منذ أيام – الذي يُطالب فيه اليهود بتراث وحقوق وأرض أجدادهم في الحجاز وغيرها عامَّة، والمدينة وخيبر خاصة ليعودوا إلى منطقة الحرم التي أخرجهم منها الله ورسوله، وفيبدؤوا فسادهم وإفسادهم من جديد لا سمح الله.

  • بوادر الصحوة الإسلامية

ولكن هيهات لهم ذلك ولو اجتمعت شياطين الإنس والجن على أن يُمكِّنوا لهم ذلك لن يستطيعوا، وها هي الأمة تصحوا شيء فشيء لتعود إلى دينها الذي أبعدها عنه صبيان النار الوهابية المجرمة، وشقيقتها الصهيونية الفاسدة فبدأ الزحف النوراني ليكشف هذا الظلام الدامس ويرفع هذا الظلم عن الأمة وأئمتها الكرام، وسيعود البناء إلى البقيع قريباً بإذن الله تعالى، كما ستعود القدس والأقصى إلى أهله، والحرمين الشريفين إلى المسلمين وسيذهب الطغاة وأذنابهم إلى مزابل التاريخ إن شاء الله، وما ذلك على الله بعزيز، ولكن بشرط أن تقوم الأمة بواجبها الجهادي المقاوم لكل ظلم وظلام.

نصر الله مَنْ نصر الدِّين، وأعزَّ الله مَنْ أعزَّ الإسلام والمسلمين إله الحق آمين.

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا