فکر و تنمیة

الاسرة ودورها في مواجهة الحرب الناعمة (2)

  • خطورة الحرب الناعمة الموجهة على الشعوب الاسلامية

إنّ الصراعات التي ترتبط بالقيم، والمعتقدات القيمية أو النظم العقيدية، والتي تحدث نتيجة لعدم التوافق بين طرفي الصراع تعد واحدة من اخطر انواع الصراع، والتي تؤدي الى الحروب الصلبة أو الناعمة او كليهما، مع الاشارة الى أنَّ هذه القيم التي هي عبارة عن معتقدات يستخدمها الأفراد لإعطاء معنى لحياتهم، وتشرح ما هو جيد أو سيئ، صواب أو خطأ، عادل أو ظالم، من وجهة نظرهم فإنها في حد ذاتها لا تشكل صراعاً، إذ إنَّ الأفراد يمكنهم العيش معا في انسجام مع وجود نظم قيمية مختلفة، ولكن الصراعات القيمية تثار عندما يحاول أحد أطراف النزاع فرض مجموعة محددة من القيم على غيره من الأطراف، أو عندما يدعو إلى اتباع نظام قيمي محدد لا يسمح بالاختلافات العقيدية، ومن هنا فإن للصراعات القيمية أهمية تجعلها من أهم صراعات القرن الحادي والعشرون، كما أنها استحوذت على قدر كبير من اهتمامات الدارسين في مجالات علم النفس والعمليات الذهنية وذلك بهدف الربط بين حجم الصراع والسلوك المرتبط بحل الصراع(13).

 

من اهداف الحرب الناعمة إبعاد الجيل الجديد عن القيم الدين، واستبدالها بثقافة اجنبية وافدة، ودفعه نحو الابتذال والفساد الاخلاقي

 

ولذا فإن لكل قوة تأثيران أحدهما ايجابي، والآخر سلبي، فالأول يكون جاذباً، والثاني طارداً، وعلى الرغم من أنَّ جوزيف ناي هو الذي صاغ مفهوم القوة الناعمة الا أنه لم يتحدث عن الموارد والمصادر التي يتم تصميمها لضرب الموارد الناعمة للآخرين، فالولايات المتحدة الأميركية تريد من جهة أن تكون جذابة بنظر الآخرين، لتأخذ منهم مواقع النفوذ وتسحب منهم الجمهور، لكن بالمقابل تريد تدمير ما لدى الآخرين من قوة ناعمة(14). ومن هنا فإن كل عناصر القوة الناعمة لدى أعداء أميركا، تعد هدفا محتملاً للحرب الناعمة في نطاق واسع يشمل التأثير المعنوي على الطلاب والعلماء ورجال الأعمال، والمثقفين من الإعلاميين والكتاب، والشباب ورواد الإنترنت وعلماء الدين، وعموم نخب وفئات المجتمع والرأي العام وعناصر قوة النظام وشعاراته.

وقد تحدث المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية في ايران السيد علي الخامنئي خلال العديد من خطاباته عن جملة من أهداف الحرب الناعمة؛ وبيَّن خطورتها وخطورة الغزو الثقافي ومن أبرز هذه الاهداف التي ذكرها(15):

  • إبعاد الجيل الجديد عن القيم الدين، واستبدالها بثقافة اجنبية وافدة، ودفعه نحو الابتذال والفساد الاخلاقي.
  • ترك التفكير الفعّال الذي يهدّد الغرب وسلطته، واضعاف الثقافة الوطنية والاسلامية.
  • اضعاف همّة الشباب المسلم، وبث عدم الثقة بالنفس.
  • إلقاء اليأس في مريدي حاكمية الاسلام في العالم.
  • اسقاط حيثية واعتبار المقاومة بين الجماهير المسلمة.
  • ايجاد الفرقة والاختلاف بين النشطاء السياسيين.
  • التأثير على الاسرة والتقليل من أهميتها التربوية.

ويمكن تلخيص اهداف الحرب الناعمة بما يلي(16):

  • تغيير الايديولوجية الحاكمة.
  • التقليل من المشاركة الشعبية في العملية السياسية.
  • تغيير الهوية الدينية، وسَوَق الافكار العامة نحو ما يوافق مصالح العدو.
  • اضعاف التضامن والانسجام الاجتماعي.
  • تغيير قيم المجتمع، تغيير النماذج الموجودة والرائجة في المجتمع.

 

من أهم سبل مواجهة هذا الهجوم هو حفظ وتقوية البصيرة والروح التعبوية والمعنوية والأمل في المستقبل

 

ونستطيع القول ان خطورة الصراعات والحروب الناعمة تكمن في أنها توجه قوتها تدريجياً إلى اللاوعي لتنفذ إلى النفوس، وتجذب القلوب، وتكسب العقول، وتؤثر في نمط التفكير، وتتدخل بالتنشئة الاجتماعية للأفراد؛ عبر تغييرها لسلوكهم وتوجهاتهم وتشكيل هويتهم الذاتية والاجتماعية، وفي الأمد البعيد تعمل على تغيير قيمهم الحضارية بشكل تدريجي، ومخطط دون أن تلفت الأنظار، مستخدمة وسائل ذكية ذات طبيعة لا عنفية، ومحببة لدى الفئة المستهدفة، وهو ما يتماشى مع التوجهات الحديثة لعلم النفس الاجتماعي، التي تعمل على تغيير السلوك والعادات التي تفضي إلى تغيير التوجهات، ومن ثم تغيير تدريجي لمنظومة القيم لدى الافراد المستهدفة(17).

ولهذا ينبغي على مؤسسات الدولة الرسمية وغيرها، ووسائل الإعلام، والنشطاء والسياسيين والمسؤولين الابتعاد عن الخلافات الهامشية غير المبدئية، لأن مواجهة الحرب الناعمة التي يشنها العدو والتي تستهدف بث الفرقة والتشاؤم بين أبناء الشعب أمرٌ ضروري، ومن أهم سبل مواجهة هذا الهجوم هو حفظ وتقوية البصيرة والروح التعبوية والمعنوية والأمل في المستقبل.

———————————————–

الهوامش

  • *منير محمود بدوى، مفهوم الصراع: دراسة في الأصول النظرية للأسباب والأنواع، مجلة دراسات مستقبلية، العدد/3، جامعة أسيوط، مركز دراسات المستقبل، 1997، ص26.
  • (ب. م)، الحرب الناعمة الأسس النظرية والتطبيقية، ط1( بيروت، مركز الحرب الناعمة للدراسات، 2014) ص81.
  • نقلاً عن (ب. م)، مدخل الى الحرب الناعمة، مصدر سبق ذكره، ص ص24- 26.
  • (ب. م)، مدخل الى الحرب الناعمة، مصدر سبق ذكره، ص ص23- 24.
  • حسن الربيعي، العراق والصراع الناعم، مصدر سبق ذكره، ص 160.

 

عن المؤلف

الشيخ حيدر الشمري

اترك تعليقا