المرجع و الامة

كيف ننتمي الى الإمام الحسين*؟

بصائر من زيارة عاشوراء [2]

يقول الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً}.
منذ ان خلق الله الطبيعة، جعل فيها نمطين من الحقائق؛ الخير والشر، وغريزة البشر الأساسية البحث عن الخير وتجنب الشر، وبالرغم من رسوخ هذه الثنائية عند الإنسان، إلا أن أزمة البشر الحقيقة هي الضلالة، فهناك من الناس لا يعرف ما هو الخير! وما هو الشر وكيف يتجنبه؟
وهذه الضلالة أودت بحياة الكثير، ودمرت شعوبا وحضارات بأكملها، والله تعالى يذكّرنا في القرآن الكريم، بأننا نحب اشياءاً وليست في مصلحتنا، والعكس أيضا، نكره شيئا وهو في مصلحتنا! يقول سبحانه وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}، وهنا لابد لنا من معيار، وشعلة ايمانية وعقلية في أنفسنا، نستطيع عبرها معرفة ما هو خير لنا، عمّا هو شر لنا، وليس هذا فسحب، بل إننا نحتاج ذلك لنتحفز الى قبول الخير ورفض الشر.
والإمام الحسين، عليه السلام يمثل تلك الشعلة التي لا تنطفئ، وحينما يترسخ حب الحسين في نفوسنا، ونعايشه في حياتنا، وندرس حياته بعمق، فإنه يضع لنا خارطة واضحة للطريق، نعرف من خلالها الخيرَ والشر، ونتحفز من خلالها أيضا الى عمل الخير وتجنب الشر.
وهذا هو أحد معاني (السلام)، فيحنما نسلم على الإمام الحسين، فهذا يعني أننا ننتمي إليه، وهذا نوع من الإنتماء، فالسلام لله أولاً، فيحنما ندخل المسجد الحرام، نقول: ” اللهم أنت السلام، ومنك السلام، وإليك السلام، ودارك دار السلام”، وحينما نلبّي في بعض الكلمات الرائعة نقول: “لبيك داعيا الى دار السلام لبيك”، ثم يأتي بعده السلام على نبينا الأعظم، صلى الله عليه وآله، الذي كان أول الأنبياء ميثاقاً، وآخرهم بعثة ورسالةً، هذا السلام أيضا يتجلى في الإمام الحسين، عليه السلام، لأنه وريث الأنبياء، وواقعة عاشوارء مثّلت تجلي رسالات الأنبياء عليهم السلام.
هذه الواقعة من حيث الزمن محدودة، ولكن عمقها يجعلها تجسيدا لرسالات الله جميعاً، فحينما نزور الإمام الحسين، عليه السلام، نقول:
” السَّلامُ عَلَيْكَ يَا وارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ اللهِ.
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا وارِثَ نُوح نَبِيِّ اللهِ.
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا وارِثَ اِبْراهيمَ خَليلِ الله.ِ
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا وارِثَ مُوسى كَليمِ اللهِ.
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا وارِثَ عيسى رُوحِ اللهِ
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا وارِثَ مُحَمَّد حَبيبِ اللهِ”.

السلام على الإمام الحسين، يعني رفض الطواغيت الموجودين، كما أن السلام على الإمام، هو تجديد للبيعة مع رسول الله، صلى الله عليه وآله

فهذه الوراثة هي تجعلنا نسلّم عليه، فحين السلام على الإمام الحسين، فإن هذا السلام ليس كسلام أي واحد منّا للآخر، إنما هو تسليم لله، فهذا السلام عندما يرفع الى الله، أو الى الانبياء، هو انتماء الإنسان الى الحق، والى المسيرة الصالحة، وبهذا الكلمة ـ السلام ـ نبدأ قراءة زيارة عاشوراء:
” السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِ اللهِ، السَّلامُ
عَلَيْكَ يابْنَ رَسُولِ الله
السَّلامُ عَلَيْكَ يابْنَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَابْنَ سَيِّدِ الوَصِيِّينَ
السَّلامُ عَلَيْكَ يابْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمِينَ”.
بهذه الكلمات يحدد الإنسان المؤمن انتماءه، ويكرّس ذلك المعيار الذي يجعله في حالة عدم الخضوع، وضمان من الضلالة، ومبعدٌ عن خانة من قال الله عنهم: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً}.

والإمام الحسين، عليه السلام يمثل تلك الشعلة التي لا تنطفئ، وحينما يترسخ حب الحسين في نفوسنا، ونعايشه في حياتنا، وندرس حياته بعمق، فإنه يضع لنا خارطة واضحة للطريق، نعرف من خلالها الخيرَ والشر، ونتحفز من خلالها أيضا الى عمل الخير وتجنب الشر


ولا يوجد شخصية كشخصية الإمام الحسين، عليه السلام، لأنه الوتر وهو الإمام، ولكننا نجد مَن يمثل نهجه، ومَن يرث خطه، ومَن يجب أن ننتمي إليه، كما نجد في الأرض الكثير من أمثال يزيد، ومن أمثال ابن زياد..، فحينما نسلّم على أبي عبد الله الحسين: “السلام عليك يا أبا عبد الله” فنحن بالضمن نرفض من قتله، ومن نهب رحله، ومن أخذ أهله أسارى، فهؤلاء الطغاة، لا زالوا يمارسوا الأعمال العداونية التي مارسها يزيد وابن زياد ..
فالسلام على الإمام الحسين، يعني رفض الطواغيت الموجودين، كما أن السلام على الإمام، هو تجديد للبيعة مع رسول الله، صلى الله عليه وآله، فالسلام للإمام هو سلام للنبي الأكرم، وسلامٌ لأبيه الإمام علي، عليه السلام، سيد الوصيين، ولأمه الصديقة فاطمة سيدة نساء العالمين، عليها السلام. والسيدة الزهراء، هي تلك المرأة التي اجتمعت فيها كل الفضائل الحميدة، وقد قال رسول الله في حقها: “أنها حورية أنسيّة”. فحينما نقول:” السلام عليك يابن فاطمة الزهراء”، فإن خلاصة هذه السيدة تجسد في أبنها الإمام الحسين عليه السلام.
وهذه الفقرة من زيارة عاشوراء، تذكرنا بالمصائب والآلآم التي ألمَّت بالصديقة الطاهرة، وتذكرنا بأن ما جرى في كربلاء شُعبة من شُعب الظلام والظلم الذى جرى على الصديقة الزهراء.
ولهذا فإن السلام على رسول الله، وعلى الأنبياء جميعاً، والسلام على أبي عبد الله، هو سلام لكل الحقيقة، وانتماء لا ينفصم الى يوم القيامة.

مقتبس من محاضرة للسيد المرجع المدرسي بتاريخ 22- 8 ـ 2020

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا