ثقافة رسالية

هل في القرآن الكريم حلول لمشاكلنا؟*

لابد أن نعرف أن في القرآن أحكاماً عامة تسمى (بالبصائر)، وأن هناك أحكاما خاصة نسميها ..؟؟

لابد أن نعرف أن في القرآن أحكاماً عامة تسمى (بالبصائر)، وأن هناك أحكاما خاصة نسميها (بالأحكام الفقهية)، وأن البصائر القرآنية هي التي تزود الإنسان بالوعي للحياة؛ كيف يعيش، ولماذا يحيى، وما هو مخططه العام في حياته؟

 

  • القرآن الكريم بصائر وأحكام

إن بصائر القرآن قد لا تعنى بالقضايا الجزئية ولكنها ترسم أمامنا الخطوط العريضة؛ بمعنى أنها تعطينا وعيا بالسنن العامة التي أجراها الله في الطبيعة، ووعد – وهو صادق الوعد – أن لا يغيّرها، ولا يبدلها في قوله عز من قائل: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً}.(سورة فاطر/ آية 43).

وهنا أحكام فقهية خاصة تهتم ببعض الجوانب المرتبطة بحياتنا مثل احكام القضاء، وعموم احكام الزواج، والأموال، والصلاة ، والزكاة، والحج ..وبالرغم من أن القسم الثاني من البصائر القرآنية، يتمتع بأهمية بالغة باعتباره صادراً من الله سبحانه، إلا أن البصائر العامة في القرآن هي التي يجب أن نوليها الاهتمام التام لأنها تمثل القواعد العامة، والاصول والمنطلقات والبواعث.

وبالتالي فإننا إذا اردنا تركنا الاصول والقواعد، وجمدنا على الاهتمام بالمسائل الجزئية الجانبية فإننا سوف نفقد الجانبين  معاً، لأن البناء من دون قاعدة ثابتة لا يستقيم، وكذلك الحياة فإنها ستنتهي الى نفس المصير إن لم تستند إلى قواعد إلهية ثابتة وراسخة.

وعلى سبيل المثال فإن الصلاة لمن لا يعرف العقائد الاسلامية، ولا يلتزم بالخطوط العريضة في الاسلام، أو الصلاة في ظل الطاغوت، وتحت راية الظلم والانحراف والفساد، مثل هذه الصلاة قد لا تكون مقبولة عند الله تعالى، لأن القرآن الكريم يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ}. (سورة المائدة/27). فعندما لا تكون الحياة قائمة على أساس التقوى فإن بناءها سوف يكون على جرف هار.

 

[.. إن المسلمين حينما تركوا دينهم ضُربت عليهم الذلة والمسكنة، وباؤوا بغضب من الله كما حدث لبني اسرائيل، ولذلك يقول النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله: “لتتبعن سُنن مَن كان قبلكم، شبراً بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لتبعتموهم ..]

 

والتقوى تعني الالتزام العام بمسيرة الاسلام والخط الاسلامي في الحياة سواء في الاقتصاد، أم في السياسة، أم في الاجتماع، فلو كانت مواقف المسلم غير إسلامية، أو كانت موافق إزاء الكفار مبنية على الذل والتراجع، وفي المقابل على الأنفة والاستكبار على المؤمنين على عكس ما أراد الله تعالى، فبماذا ستنفعي صلاتي وقيامي؟ وإذا واليتُ أعداء الله، وعاديتُ أولياءه فما هو جدوى صيامي وتبتلي واجتهادي؟

ومن مشاكلنا نحن المسلمين أننا بدأنا نولي الاهتمام الاكبر للجوانب الثانوية والقشرية، فأفرغنا الاسلام من لبابه، وروحه ومحتواه، وبدأنا نهتم بالقشور والجوانب التافهة0 فكم من ملايين الساعات صُرفت من عمر المسلمين في تعيين طريقة مسح الرأس، وفي البحث في أن القرآن هل هو مخلوق أم حادث، أو في بعض البحوث التأريخية التي لا تجدي نفعا، في حين أن القضايا المهمة والمصيرية من مثل تحديد استراتيجية الأمة، وطريقة تعامل المسلمين مع الواقع المعاصر، وكيفية حل مشاكلهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، كل هذه القضايا وغيرها قد تُركت واُهملت جانباً بتعمّد، وسبق إصرار، لأن هذه القضايا الجوهرية هي محور الصراع بين الاسلام والكفر.

وهكذا فإن المسلمين ابتلوا بهذه الاهتمامات الجزئية والجانبية، وتركوا الاساسيات، ومعرفة حقيقة أن الاسلام أطروحة حياتية، وأنه يريد للإنسان أن يعيش فوق هذا الكوكب حياة سعيدة كريمة، لكي تكون حياته في الدنيا وسيلة لتكامله الروحي، ومدرسة لتربيته وتزكيته وبالتالي إعداده للدخول في الجنة، فقد جاء في الحديث الشريف أن:  “الدينا مزرعة الآخرة”. فالقانون الالهي إنما شرع للدنيا، واحكام الشريعة صيغت للحياة.

 

  • بصائر القرآن دعوة الى معرفة الحياة

إن الاسلام يريد أن تكون هذه الدنيا مهيأة للإنسان، مساعدة لنمو الجوانب الخيرة فيه لكي يصبح هذه الانسان أهلاً لدخول الجنة، ولنسأل انفسنا: هل في القرآن الكريم حلٌ لمشاكلنا نحن المسلمين؟

إن المسلمين حينما تركوا دينهم ضُربت عليهم الذلة والمسكنة، وباؤوا بغضب من الله كما حدث لبني اسرائيل، ولذلك يقول النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله: “لتتبعن سُنن مَن كان قبلكم، شبراً بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لتبعتموهم”، وذلك أن سنن الله في الأمم واحدة.

يقول الله تعالى في بني اسرائيل: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنْ الأَمْرِ}، فقد منحهم الله تعالى التوراة، والسلطة، ورزقهم من الخيرات والبركات الوفيرة حتى تفوقت حضارتهم على الحضارات المجاورة لها، ثم زودهم الخالق عز وجل بالبينات من الامر؛ أي بالبصائر والوسائل  التي لو اخذ الناس بها لاهتدوا الى الطريق القويم كما يقول تعالى: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ}

وعلى هذا فإن المقصود من بينات الامر هو معرفة الحياة، وبصائر كيفية النهوض وكيفية تحقيق الوحدة، لأن الوحدة هي أهم مطلب في حياة الأمم، فهي تعني وجود قيادة سليمة، وخلفيات قيّمة، كما تعني ايضا وجود برنامج واضح للتحرك، ولذلك فإن القرآن الكريم عندما يقول: {فَمَا اخْتَلَفُوا}، فإنه يقصد انهم تركوا الحكم والنبوة والكتاب، ونبذوا جانبا بينات من الامر فكانت النتيجة أن اختلفوا.

وبعد بيان قصة بني اسرائيل يحدثنا تعالى مباشرة عن المسلمين فيقول: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ}، وهنا لنقارن بين قوله تعالى: {بَيِّنَاتٍ مِنْ الأَمْرِ} وقوله: {عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ}، ومن خلال التأمل نكتشف أن الامر هنا وهناك شيء واحد وهو الذي يتصل بالقيادة، والوحدة والسياسة، ونظام الحكم، وبما يرتبط بأساسيات حياة الأمة، ولذلك يقول تعالى: {فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} والآية هنا تعني أن على العلماء أن يكونوا القادة، بعد أن آتاهم الله البينات والشريعة من الامر، فعليهم أن لا يخضعوا لأصحاب السلطة والثروة.

ومن هذه الآية نكتشف إن محور عودة المسلمين الى حضارتهم يدور حول هذه النطقة بالذات، ألا وهي استقلالية العلماء، واستقامتهم وعدم رضوخهم لاهواء الحكام.

ولهذا فإن على علماء الدين، والمفكرين وحملة الاقلام والخطباء أن يتدارسوا القرآن، ويتفكروا في المعنى الحقيقي للإسلام، وكيف نعود إليه، وكيف نحول حياتنا الى حياة كريمة عزيزة، وكيف نعود الى عظمتنا وامجادنا السابقة، فليتركوا البحث في المسائل الجانبية، وليتدارسوا القضايا الاساسية:

ما هي أسباب التخلف؟

وما هي عوامل النهوض؟

ولماذا نجد بلداننا دائما ومنذ عدة قرون في قائمة البلدان المتخلفة عسكريا، واقتصاديا واجتماعيا..؟

————————————

*مقتبس من كتاب القرآن حكمة الحياة لسماحة المرجع محمد تقي المدرسي.

 

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا