ثقافة رسالية

هل يمكننا التنبؤ بمصير الحضارة القائمة؟

هل يمكن التنبؤ بمصير الحضارة القائمة في مجتمعاتنا الحديثة ..؟؟

  • هل يمكن التنبؤ بمصير الحضارة القائمة في مجتمعاتنا الحديثة؟

وهل النظم الرأسمالية –الصناعية التي حلّت محل الأمبروطوريات الزراعية بعد القرن الثامن عشر، في طريقها على الاضمحلال والزوال؟
إن الاخفاق جزء من النجاح، وكذلك الانيهار جزء من النهوض، وسقوط الحضارات جزء من ظهورها، فربما يكون الانهيار مرحلة طبيعية تمرّ بها الحضارة، مهما اختلف حجمها وتطورها، لكن هذا لا يعني أن المخاطر لا تحيط بهذه الحضارة، ولا تؤدي الى سقوطها كما سقطت الحضارات السابقة، بل ان التطورات التكنولوجية المتلاحقة تفرض على هذه الحضارة تحديات ومخاطر غير سمبوقة، وانه بمقدار ما ان الحضارة الحالية متفوقة على من سبقها، بمقدار ما فيها من عوامل الانهيار واسباب التحدي.

[.. إن المجتمعات الكبرى لا تكون بمأمن من التفكك، والاعتقاد الخاطئ المنتشر هذه الايام حول ذلك هو تصور مغلوط، ومحاولة لإقناع الناس بصمود هذه الحضارات رغم أخطائها الجسيمة بحجة قوتها وكبر حجمها ..]

  • عوامل النهوض وعوامل الانهيار

حينما يعرض لنا القرآن الكريم قصص الأقوام السابقين، ويبين لنا ذلك فانه يذكر لنا سبب سقوط كل حضارة، ذلك أن الاسباب قد تتكرر وإن كانت ضمن صور وقوالب مغايرة، فقوم شعيب افسدوا في النظام الاقتصادي فانهار مجتمعهم، وقوم لوط أشاعوا الفاحشة فأتاهم العذاب، وهكذا الاقوم الاخرى.

وحينما نتعمق في دراسة هذه الامثلة وغيرها نستطيع ان نضع ضوابط نحكم من خلالها على المجتمعات الحالية، فالمجتمع الذي يعم فيه الفساد سيسقط لا محالة، والمجتمع الذي يرفض السنن الالهية سينهار عاجلا أم آجلاً.
وهنا ملاحظة مهمة؛
إن المجتمعات الكبرى لا تكون بمأمن من التفكك، والاعتقاد الخاطئ المنتشر هذه الايام حول ذلك هو تصور مغلوط، ومحاولة لإقناع الناس بصمود هذه الحضارات رغم أخطائها الجسيمة بحجة قوتها وكبر حجمها.

واذا سقطت هذه الحضارات فتأثراتها تكون اكثر من تأثير انهيار الحضارات السابقة، بسبب العولمة، وبسبب العوامل المشتكرة في المجتمعات البشرية اليوم، فكلما تفاقم التغيّر المناخي وازدادت المجتمعات تعدياً وتشعباً، وتوسع التفاوت الطبقي، وازداد التدهور في البيئة، فإن احتمالات الانيهار تكون اقرب الى الحدث، فكل هذه العوامل موجودة وتتفاقم في الوقت الراهن.

إنّ الخطورة تكمن في ان العالم اليوم بات اكثر ترابطاً وتشابكا من أي وقت مضى، ففي الماضي كانت تداعيات انهيار الحضارات تنحسر في مناطق معينة، ويعود الناس من بعدها لانشطتهم المعتادة، من الصيد والرعي، والزراعة، وكان الكثيرون يتنفسون الصعداء بسبب تخلصهم من الانظمة الاستبدادية، وحتى حينما كانت تنلدع الاضطرابات والفوضى في المجتعات كانت الاسلحة المستحخدمة بدائية، لا تتعدى السيوف والسهام، وربما البنادق، أما الآن فان انهيار المجتمعات سيكون له تداعيات وخيمة لان الاسلحة المتاحة للدول، وحتى بعض الجماعات، غير عادية، بل خطيرة جداً.

[.. اذا أصبح البشر أكثر تعقلاً وإيماناً وعدالة، لربما نؤخر انهيار هذه الحضارة، وإلا فإن انهيارها أمر حتمي، لان الذين يصنعون هذه الاسلحة ليسوا اطفالاً يريدون اللعب بها، وإنما يريدون استخدامها يوماً ما ..]

إنّ الحضارة تشبه المتسلق للجبال، فاذا كان قد صعد خطوة فان سقوطه سيكون سهلاً، ولن يصاب بأذى، ولكن اذا صعد أكثر فان تبعات السقوط تكون أخطر، وربما اذا وصل الى ارتفاع شاهق سيكون سقوطه مميتاً.
من هنا؛ اذا وقعت حرب نل النووية فان انهيار الحضارة يعني انتهاء وجود البشر، أو على أقل التقادير؛ نعود الى العصور الحجرية.

  • العقل والإيمان ضمانة للسلام

اذا أصبح البشر أكثر تعقلاً وإيماناً وعدالة، لربما نؤخر انهيار هذه الحضارة، وإلا فان انهيارها أمر حتمي، لان الذين يصنعون هذه الاسلحة ليسوا اطفالاً يريدون اللعب بها، وإنما يريدون استخدامها يوماً ما، والحضارات في العادة تنهار حينما تتجاهل أصوات العقلاء الذين يدقّون نواقيس الخطر، فاذا لم تتعلم حضارتنا هذه الماضي، فالجميع في سفينة واحدة اذا غرقت غرق كلّ من فيها.

عن المؤلف

آية الله السيد هادي المدرسي

اترك تعليقا