المرجع و الامة

الدرس (التاسع) و(العاشر) من دروس التدبر للمرجع المدرسي في رمضان

تدبرات في سورة (إبراهيم) شهر رمضان المبارك / 1441 هـ – (الدرس التاسع)

لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمينَ

بسم الله الرحمن الرحيم

[وَ قالَ الَّذينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ‏ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ في‏ مِلَّتِنا فَأَوْحى‏ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمينَ (13) وَ لَنُسْكِنَنَّكُمُ‏ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامي‏ وَ خافَ وَعيدِ (14) وَ اسْتَفْتَحُوا وَ خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنيدٍ] (15)

هناك علاقة بين الحقّ و القوّة، فالقوّة لابدّ أن تُنفّذ الحق، ولو أُريد من القوّة أن تواجه الحق وتدعم الباطل فستصطدم بسنن الله في الكون وبالتالي ستنتهي.

وهكذا من  يملك القوّة عليه أن يدافع عن الحق وقد جاء في الحديث أنّ ابن عبّاس دخل على أمير المؤمنين بعد خلافته الظاهرية وقد اجتمع الناس ليسمعوا منه يقول ابن عباس: «فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ يَخْصِفُ‏ نَعْلًا فَقُلْتُ لَهُ نَحْنُ إِلَى أَنْ تُصْلِحَ أَمْرَنَا أَحْوَجُ مِنَّا إِلَى مَا تَصْنَعُ فَلَمْ يُكَلِّمْنِي حَتَّى فَرَغَ مِنْ نَعْلِهِ ثُمَّ ضَمَّهَا إِلَى صَاحِبَتِهَا وَ قَالَ لِي قَوِّمْهُمَا فَقُلْتُ لَيْسَ لَهُمَا قِيمَةٌ قَالَ عَلَى ذَاكَ قُلْتُ كَسْرُ دِرْهَمٍ‏ قَالَ وَ اللَّهِ لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَمْرِكُمْ هَذَا إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا »[1]

ومن هنا بعد أن جاء الأنبياء بالحجج الدامغة لأقوامهم جوبهوا بمنطق القوّة حيث هدّدوهم بالإخراج من الأرض، لكنّ الرب سبحانه ينزّل نصره على رسله وعلى المؤمنين يقول ربّنا تعالى:

[وَ قالَ الَّذينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ]

ومرجع الضمير الى الناس في قوله: [لِرُسُلِهِمْ] للتدليل على أنّ هدف الأنبياء كان نجاة الأمم وايصالهم للسعادة.

[لَنُخْرِجَنَّكُمْ‏ مِنْ أَرْضِنا]

الأرض لله ولا يحقّ لأحد من عبيده أن يُخرج غيره منها، لكنّ هذا التهديد يدل على تطوّر الصراع.

[أَوْ لَتَعُودُنَّ في‏ مِلَّتِنا]

ظاهر الآية أنّها ليست دعوة لعبادة الأصنام إنّما للكف عن الدعوة الى الله.

و لأنّ الرسل لا يعتمدون على قواهم الذاتية في مواجهة عناد الكفار، بعد أن صبروا على أذاهم بل على ربهم. لذلك لم يتركهم ربهم طويلا. بل أوحى إليهم بكل وضوح أنه سيهلك بالتأكيد الظالمين‏.

(فَأَوْحى‏ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمينَ)

و هذه سنة اللّه مع الرسل و الرساليين جميعا، أنه يتركهم يواجهون عدوهم بصبرهم و إرادتهم حتى يجربهم، و لكن إذا حانت ساعة المواجهة الجدية، فان نصره يهبط عليهم بردا و سلاما.

[وَ لَنُسْكِنَنَّكُمُ‏ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامي‏ وَ خافَ وَعيدِ]

لكنّ تحقيق النصر وعودة المجاهد الى بلاده مرفوع الرأس لا يكون الّا بتحقق شروط أولها استحضار قدرة الرب سبحانه وتعالى والخضوع أمامه، وهكذا الخشية من وعيده لكي لا يقع في الطغيان.

[وَ اسْتَفْتَحُوا]

وهو الشرط الثالث لتحقيق النصر، حيث لجأؤوا الى الله ليفتح بينهم وبين قومهم بعد أن استنفذوا ما لديهم و أتمّوا الحجّة على القوم.

[وَ خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنيدٍ]

الآية لا تخصّ الأمم والحكومات فقط بل حتّى على الصعيد الشخصي، مصير الظالم الخيبة في الدنيا وله في الآخرة عذابٌ أليم.

[1] بحار الأنوار (ط – بيروت)، ج‏32، ص: 113

 

*****************************

تدبرات في سورة (إبراهيم) شهر رمضان المبارك / 1441 هـ – (الدرس العاشر)

مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ

بسم الله الرحمن الرحيم

[مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ‏ وَ يُسْقى‏ مِنْ ماءٍ صَديدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ‏ وَ لا يَكادُ يُسيغُهُ وَ يَأْتيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ وَ مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَليظٌ] (17)

العقوبة الدنيوية لا تكون بديلاً عن عذابِ الله الأبدي للكفّار والمعاندين، وكما قال ربّنا سبحانه عن قوم نوح: [مِمَّا خَطيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً] [1]

فالغرق مقدّمة لدخولهم في العذاب الأبدي، وهكذا الطُغاة لو هلكوا بسبب أو بآخر أو نالوا جزاءً في الدنيا الّا أنّ ذلك ليس كافياً لجزاء أعمالهم.

وذلك يقول ربّنا تعالى: [مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ‏ وَ يُسْقى‏ مِنْ ماءٍ صَديدٍ] (16)

و اللّه يقابل عناد هؤلاء بجهنم تلهب أكبادهم عطشاً، و لا يسقون الّا بماء كالقيح الذي يصدر من الجروح المتعفنة.

[يَتَجَرَّعُهُ‏ وَ لا يَكادُ يُسيغُهُ]

و هم يشربون الجرعة بعد الجرعة دون ان يجري ذلك في مريئهم بسهولة، و لكنهم يحاولون ذلك بسبب عطشهم الملتهب‏.

جاء في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام:«إِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَمَا غَلَى الزَّقُّومُ وَ الضَّرِيعُ‏ فِي بُطُونِهِمْ‏ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ‏ سَأَلُوا الشَّرَابَ، فَأُتُوا بِشَرَابٍ غَسَّاقٍ وَ صَدِيدُ يَتَجَرَّعُهُ وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ- وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ، وَ مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ، وَ حَمِيمٍ يَغْلِي بِهِ جَهَنَّمُ مُنْذُ خُلِقَتْ‏ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ، بِئْسَ الشَّرابُ وَ ساءَتْ مُرْتَفَقاً[2].»

[وَ يَأْتيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ]

جاء في الحديث عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ:‏ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ [وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ] قَالَ:

«يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ- وَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ وَ يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ الْمَوْتَ فِي صُورَةٍ مِنَ الصُّوَرِ- فَيَقُولُونَ لَا فَيُؤْتَى بِالْمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ‏ أَمْلَحَ‏- فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ ثُمَّ يُنَادَوْنَ جَمِيعاً أَشْرِفُوا وَ انْظُرُوا إِلَى الْمَوْتِ- فَيُشْرِفُونَ ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ فَيُذْبَحُ- ثُمَّ يُقَالُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ أَبَداً- يَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ أَبَدا»[3]

بصائر عدّة نتوقّف عندها في الآيات المباركة:

اولاً: على المؤمن أن يستحضر الآخرة ولا يحسبها بعيدة عنه فقد جاء في الحديث: «مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ‏ قِيَامَتُهُ‏.»[4]

وباعتبار الانسان لا یعلم ساعة موته لذلك عليه أن يحسبها قريبة منه.

ثانياً: على الانسان أن يسير دائماً على خطى الانبياء، وفي كلّ أحواله، لأنّ خطوات الشيطان تستهدف الجميع وبطرق مختلفة.

ثالثاً: الالتجاء الى الله والتوسّل بأولياءه طريق النجاة من شَرَك ابليس والنفس الأمّارة، فطبيعة الانسان ضعيف يحتاج الى أن يستمدّ القوّة والعزم من الرب سبحانه وتعالى بواسطة أولياءه.

[1] سورة نوح، الآية : 25.

[2]  البرهان ج 2: 309.

[3] تفسير القمي، ج‏2، ص: 50

[4]بحار الأنوار (ط – بيروت)، ج‏58، ص: 7

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا