أسوة حسنة

الحق الفاطمي (5)

الحق ميزان يجب أن توزن القضايا به لا أن يكون محلاً للوزن أو أن يوزن بغيره من الموازين، لأن ذلك ظلم له وتضييع لغيره من أصحاب …

الحق سيف وسلطان لأنه يعلو ولا يُعلى عليه..
الحق ميزان يجب أن توزن القضايا به لا أن يكون محلاً للوزن أو أن يوزن بغيره من الموازين، لأن ذلك ظلم له وتضييع لغيره من أصحاب الحقوق.
والحق اسم من أسماء الله الحسنى لا يبلى ولا يفنى، ولذا ما حالف الحق أحد إلا نصره الله إما عاجلاً أو آجلاً، وعلى كل حال صاحب الحق سلطان، والطالب به منصور من الله تعالى.

  • الحقُّ لغةً

يُعرَّف الحَقّ لغة بأنّه الشيء الثابت دون أدنى شكّ، ويُجمَع على حُقوق، وحِقاق، والحَقّ هو اسم من أسماء الله الحُسنى، ويُعرّف الحَقّ أيضاً بأنّه ما يناقِضُ الباطل، وهو الأمر الثابت الذي لا يمكن إنكارُه، وقد وردَ عن الجرجانيّ أنّ الحَقّ يُستخدَم للشيء الصواب، فيُقال: (قول حَقٍّ وصواب)، ولذا يمكن القول: بأنّ الحَقّ في اللغة يدورُ حول العديد من المعاني كالوجوب، والصدق، والصواب، والموافقة للواقع، والثبوت”

  • الحقُّ اصطلاحاً

ذَكَر أهل الأصول أنّ له أكثر من معنىً واحدٍ، حيث قد يعني الحُكْم الذي يُطابِق الواقع، وعادة ما يُطلَق على العقائد، والمذاهب، والأديان؛ وذلك لشموليّتها، وقد يكون بمعنى الشيء الواجب الثابت”، ويُعرفه الدكتور فتحي الدرينيّ، حيث قال في الحَقّ إنّه:”اختصاصٌ يُقِرّ به الشارع سُلطةً على شيءٍ، أو اقتِضاءُ أداءٍ من آخَر تحقيقاً لمصلحة مُعيَّنة”.
و(الاختصاص) يُقصَد به الانفراد بشيء ما، أو الاستئثار به، إذ تنشأ بذلك علاقة بين المُختَصّ والمُختَصّ به، والمُختَصّ إمّا أن يكون شخصاً له حَقّ، أو أن يكون الله سبحانه وتعالى، وقد يكون شخصاً معنويّاً، كالدولة أو غيرها من المؤسسات الاعتبارية.
فالحق؛ هو الشيء الثابت عقلاً وشرعاً لاختصاص شخص بأشياء معينة يحوزها ملكاً وتمليكاً.
والحق؛ هو الميزان في التناصف بين البشر ولذا قال ربنا سبحانه: {قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}1.
يقول سماحة السيد المرجع المدرسي: “إن الحق الذي يضمن الله ثباته، أبقى من الباطل الذي يضمنه غرور الإنسان، وخداع الشيطان، لقد خلق الله السماوات والأرض بالحق، فلذلك تخدم حركة الكون سلطة الحق، بينما الباطل يجري في عكس حركة الطبيعة والتاريخ”.

كيف يُهدر حق الزهراء، ويُنكر حقها في أمة أبيها، إن هذا لمِن أعجب العجب، والأعجب الأغرب أن الأمة مازالت تنكره عليها وتُقر الظالم الجاني وتُؤيده على هضمها وظلمها ومصادرته لحقها

والله هو الحق، وهو يهدي إليه، وهو الذي جعل لنا في هذه الدنيا معياراً ومقياساً للحق بين البشر وذلك هو وليه الأعظم أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام، الذي طالما أشار رسول الله، صلى الله عليه وآله، إلى هذه الحقيقة، وبينها لنا في العشرات من الأقوال منه كقوله، صلى اللّه عليه وآله، : “عليّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ”، و”عليّ على الحقّ؛ مَن اتّبعه اتّبع الحقّ، ومَن تركه ترك الحقّ”، “عليّ مع الحقّ والقرآن، والحقّ والقرآن مع عليّ ولن يتفرّقا حتى يرِدا عليَّ الحوض”، و”إنّ عليّاً مع القرآن والحقّ، حيثما دارَ دار“، و”لا يزال الدِّين مع عليّ وعليّ معه، حتى يرِدا عليَّ الحوض“.
وأخبر سلمان، وأبو ذر، وعمار، والمقداد وأمرهم بلزوم سمت علي، عليه السلام، وانتهاج نهجه والسير على طريقه كما قال لابن عباس يوماً: “يابن عبّاس، سوف يأخذ الناس يميناً وشمالاً، فإذا كان كذلك فاتّبعْ عليّاً وحزبه؛ فإنّه مع الحقّ والحقّ معه، ولا يفترقان حتى يرِدا عليَّ الحوض”
وعن أبي أيوب الأنصاري، قال: سمعت النبي، صلى الله عليه وآله، يقول لعمار بن ياسر: “تقتلك الفئة الباغية، وأنت مع الحق والحق معك، يا عمار إذا رأيتَ علياً سلك وادياً، وسلك الناس وادياً غيره، فاسلك مع علي ودع الناس، انه لن يدليك في ردى، ولن يخرجك من الهدى، يا عمار انه من تقلَّد سيفاً أعان به علياً على عدوه، قلده الله تعالى يوم القيامة وشاحاً من دُر، ومن تقلد سيفاً أعان به عدو علي، قلده الله تعالى يوم القيامة وشاحا من نار“2.
هذا مقياس للحق في هذه الأمة المرحومة جعله الله في شخص علي وشاخصه، ليكون حجة على الخلق وولياً لهم بعد رسول الله، صلى الله عليه وآله، وهذا الحجة والإمام والولي الأعظم كانت قرينته، وحبيبته، وزوجته، وكفوه سيدة النساء فاطمة الزهراء، عليها السلام، وذلك لأن رسول الله قال بشأن الزواج: “المؤمن كفو للمؤمنة“، وقال الإمام الصادق، عليه السلام: “لولا أن الله تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين لفاطمة، عليهما السلام، ما كان لها كفو على ظهر الأرض من آدم ومَن دونه”.3
ففاطمة مقياس ومعيار للحق أيضاً بضميمة ومطابقة هذه الروايات الشريفة مجتمعة.

  • الحقُّ الفاطمي

فالحق الفاطمي ثابت في أعناق الخلق، كثبوت الرسالة لأبيها، والولاية لبعلها، والإمامة لبنيها، ولا يستطيع أحد أن ينزعه منها مهما تجبَّر أو تكبَّر، لأن الحق اليقين الثابت لا يبطله شيء أبداً.
فسيدة النساء لها حق على أمة أبيها رجالاً ونساء – وإن كانت النساء به ألزم لأنها من جنسهن فلها حق القدوة والأسوة عليهن – ولكن أصل الحق والاعتراف به والخضوع له بتعظيمها وإكرامها وإجلالها ومحبتها لكمالها وجلالها وكرامتها على الله فهذا واجبنا جميعاً تجاهها، عليها السلام.

الحق الفاطمي ثابت في أعناق الخلق، كثبوت الرسالة لأبيها، والولاية لبعلها، والإمامة لبنيها، ولا يستطيع أحد أن ينزعه منها مهما تجبَّر أو تكبَّر، لأن الحق اليقين الثابت لا يبطله شيء أبداً

فكيف يُهدر حق الزهراء، ويُنكر حقها في أمة أبيها، إن هذا لمِن أعجب العجب، والأعجب الأغرب أن الأمة مازالت تنكره عليها وتُقر الظالم الجاني وتُؤيده على هضمها وظلمها ومصادرته لحقها جهاراً نهاراً وبمساعدة الأمة نفسها وبعين منها ومنظر ولا أحد يستنكر على سلطة قريش ظلمهم لها وغصبهم حقها الثابت عقلاً، ونقلاً، ومنطقاً.
أرادوا أن يُبطلوا حق الزهراء، عليها السلام، في كل شيء، حتى حقها في الحياة، فتمالؤوا وتعاونوا وتعاهدوا وتعاضدوا على مصادرة أموالها المنقولة وغير المنقولة، فصبرت على مضض، ولكن صمدت وطالبتهم بحقها كله، وبإرثها من أبيها كاملاً، وبولاية بعلها أمير المؤمنين، عليه السلام التي سرقوها.
فلما لم يستطيعوا ثنيها عن مطالبتها بذلك كله فهاجموا بيتها، فعصروها، وكسروها، ولطموها، وأسقطوا جنينها، وأرادوا أن يحرقوا عليها بيتها، ولكن لم يستطيعوا كسر عزيمتها فمازالت تدعو الله عليهم في كل صلاة تصليها حتى التحقت بأبيها مظلومة مهضومة مكسورة.
ألا يُعلمنا ذلك الصبر على المكاره في طريق الحق، والثبات عليه مهما كانت النتائج كبيرة، والتضحيات عظيمة، فمَنْ كالزهراء فاطمة؟
ألا يجدر بنا أن نقتدي بها في هذا الزمن؟
فصمود الزهراء، عليها السلام وتضحيتها في سبيل الله وإحقاق الحق هو رسالة لنا جميعاً كي نقتدي بها في ذلك كله على أمل أن نعيد حقوقنا المسلوبة، المنهوبة، وأن تشفع لنا، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلب سليم.

——————————

1ـ يونس: 35
2ـ بحار الأنوار: ج 34 ص 32
3ـ الكافي: 1/461

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا